التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عودة الروح

خرجت مسرعة وتركت خلفها بقايا التحفة التي كانت بينَ يديها وظلها يتبعها . ركضت حتى خارت قواها و وهمسَ لها الطريق أن قفي .. سقطت على ركبتيها غيرَ مكترثة لحرارةِ الأرض .. وكلُّ شيءٍ حولها سكنَ يُصغي لبكائها .
على الرغم من تلك الأزهار والورود التي تحف الطريق إلا أنها لا تبالي بألوانها الزاهية وروائحها العطرة التي تفوح في المكان .
لم تعد ترى الحياة إلا بعينيها السوداويتين ، كل شيء أصبح مكروها .
صدرها ضجّ من شدة الضيق ، وتنهيدات حارّات تحرق ما بقي من خيوط الفأل والأمل في صدرها .
تحاول جاهدة بهذا الهرب ، أن تخرج من واقعها المرّ وهي تراه يحترق أمام عينيها ، علّها تجد فسحة في الهرب ومكاناً يسع أن يحتملها .
صوت يطاردها ولا يفتأ يتردد في أذنيها :
-        عودي ، وواجهي الحقيقة لا مناص من أن تلعقي مرارتها .
مرّة هي الحقيقة ، لكن الهرب منها أكثر مرارة منها بكثير .
بدأ الضمير والهوى يصطرعان في خلجاتها غير آبهين بقدر الألم الذي يلحقها من جراء هذا النزاع .
ولم تزل الدموع تنهمر من عينيها الشاخصة ، ولكن دون جدوى ، فقطرات الدمع المالحة لا تقوى على إخماد جذوة الحرقة التي تستعر في قلبها .
يعود مرة أخرى ذلك الصوت الكريه :
-        وما نفع الهرب الآن ، وقد الوقع الفأس على الرأس .
كيف تسعني العودة وهناك تنظرني سياط الجلادين وألسنة اللائمين ، كيف لي أن أهنأ بدقيقة من الراحة والسعة ، وقد حصل مني ما حصل .
...... .. .
وكأن نوراً يشق أخيلة الظلام التي تملئ مخيلتها ، بالفعل .
تبدو أسارير وجهها وهي تشرق ، وقسماتها تضيء وقد جائها باعث الحق .
صوت طري ، تتنادى معه العصافير ، وتتمايل على إثره أوراق الورد الرطب ، ويمد الحياة بروح مفعمة تتجدد معه ويشدها نحو الطهر والأمان .
بدأت تستجمع قواها ، وتستنهظ روحها وقد سرت فيها آي القرآن أيما مسرى .
[ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ]

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...