خرجت مسرعة وتركت خلفها بقايا التحفة التي كانت بينَ يديها وظلها يتبعها . ركضت حتى خارت قواها و وهمسَ لها الطريق أن قفي .. سقطت على ركبتيها غيرَ مكترثة لحرارةِ الأرض .. وكلُّ شيءٍ حولها سكنَ يُصغي لبكائها .
على الرغم من تلك الأزهار والورود التي تحف الطريق إلا أنها لا تبالي بألوانها الزاهية وروائحها العطرة التي تفوح في المكان .
لم تعد ترى الحياة إلا بعينيها السوداويتين ، كل شيء أصبح مكروها .
صدرها ضجّ من شدة الضيق ، وتنهيدات حارّات تحرق ما بقي من خيوط الفأل والأمل في صدرها .
تحاول جاهدة بهذا الهرب ، أن تخرج من واقعها المرّ وهي تراه يحترق أمام عينيها ، علّها تجد فسحة في الهرب ومكاناً يسع أن يحتملها .
صوت يطاردها ولا يفتأ يتردد في أذنيها :
- عودي ، وواجهي الحقيقة لا مناص من أن تلعقي مرارتها .
مرّة هي الحقيقة ، لكن الهرب منها أكثر مرارة منها بكثير .
بدأ الضمير والهوى يصطرعان في خلجاتها غير آبهين بقدر الألم الذي يلحقها من جراء هذا النزاع .
ولم تزل الدموع تنهمر من عينيها الشاخصة ، ولكن دون جدوى ، فقطرات الدمع المالحة لا تقوى على إخماد جذوة الحرقة التي تستعر في قلبها .
يعود مرة أخرى ذلك الصوت الكريه :
- وما نفع الهرب الآن ، وقد الوقع الفأس على الرأس .
كيف تسعني العودة وهناك تنظرني سياط الجلادين وألسنة اللائمين ، كيف لي أن أهنأ بدقيقة من الراحة والسعة ، وقد حصل مني ما حصل .
...... .. .
وكأن نوراً يشق أخيلة الظلام التي تملئ مخيلتها ، بالفعل .
تبدو أسارير وجهها وهي تشرق ، وقسماتها تضيء وقد جائها باعث الحق .
صوت طري ، تتنادى معه العصافير ، وتتمايل على إثره أوراق الورد الرطب ، ويمد الحياة بروح مفعمة تتجدد معه ويشدها نحو الطهر والأمان .
بدأت تستجمع قواها ، وتستنهظ روحها وقد سرت فيها آي القرآن أيما مسرى .
[ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ]
تعليقات
إرسال تعليق