لدي قناعة أكيدة ترسخت منذ سنوات أن أغلب مشكلاتنا نتيجة عدم فهم الأمور على حقيقتها وعدم الإلمام بكنه المشكلات ولب القضايا ، ولذلك فإن أكثر المفكرين والمتخصصين ينادون قبل كل خطوة في حل قضية نازلة إلى فهم تفاصيلها وتحليلها .
وقد شكى عليّ غير واحد ولا أخفي عليكم منهم من يتصدر أهم المؤسسات في مجتمعنا الصغير من الواقع الذي يعيشه وحجم الضياع الذي يحيط به ، ولو تناولت تفاصيل مشاكله الحياتية وجدتها سخيفة وبسيطة .
لكن الإشكال الحقيقي تعاطيه معها بكثير من السطحية والبساطة وهذا يعود إلى جملة من الأسباب ومن أهمها قلة ثقافته وضآلة معرفته إلى جانب عدد من الأسباب الشخصية والعامة .
إن مسيرة التغيير على الصعيد الشخصي والخارجي بحاجة إلى التعامل معها بكثير من العمق والانغماس في لبابها وسبر غورها ، ولا يجدي العمل مع ظواهرها السطحية وأشكالها الخارجية التي لا تعبر عن حقيقتها واستئصالها لا يعود بالفائدة على الإطلاق .
وإن كثيراً مما يعوق تقدمنا خطوات للأمام ويحول دون أن نقترب من الطموحات التي رسمناها بالأمل والحلم والإرادة الجازمة ، هي منظومة من العادات الحياتية وقيد من الروتين الغليظ الذي يخنق رغبتنا للنجاح والظفر بالانتصار .
فمثلاً مشكلة استنزاف الوقت الرهيب الذي يخنق المساحات الجادة من حياتنا هو في حقيقته عبارة عن عدد من الارتباطات الفارغة التي تأتي من قبيل المجاملة والنفاق الاجتماعي والالتزامات التي لا تعنينا في شيء سوى الهروب من اللوم الذي لا يضر .
إنها ولادة العلاقات التي تأخذ أكثر مما تعطي والأشخاص الذين يعرقلون مسيرتنا نحو النجاح بكثرة التكاليف الباهظة بدون أدنى استحقاق .
كذلك الورطات المالية واختناقات الإفلاس و( الطفرة ) هي جريرة عدد من التقاليد البالية التي يتكلفها المرء في مجتمع لم يتجاوز التفكير في صغائر الأمور والنأي عن الاهتمامات العظيمة .
إن النظر إلى الأمور بعمق يهيئ لنا معالجة كثير من الإشكالات بنجاح واقتدار ، أما ما يظهر منها ويشكل ملامحها فهو إنما شيء من تبعاتها أو إفرازاتها والعمل على مثل هذه الإفرازات لا يجدي نفعاً ولا ينهي المشكلة .
هكذا تتراكم العادات الموروثة التي تضخمت نتيجة لتعاقب الزمان عليها والجهل الذي يطبق على الأجيال والخشية من الثورة عليها حتى لا يبحر عكس التيار فتطاله يد الجماعة المنقادة بهدوء وإذعان نحو التزام لم ينزل الله به من سلطان .
حتى تدني قيمة العلم والاستزادة منه نتيجة لكثير من محاولات التجهيل والتسطيح التي يمارسها المجتمع بدون وعي في مقولات سارية أو توصيات مفروضة أو اعتقاد يتبنى نشره المثبطون والبطونيون .
على اعتبار أن طلب العلم لا يجدي و( الشطارة و الجدعنة ) لمن يبحث عن لقمة عيشه و ( يسنّع نفسه ويقابل قبالها ) أجدى له من ( المعقّد ) الذي يجالس الكتب ويعقد معها صحبة دائمة لا يقطعه عنها مخلوق .
حتى إن كثيراً من الأمثال والحكم التي لا تتصل بحكمة حقيقية وأدنى نفع وتقولها بعض من المتشائمة والمخذّلين نزلت حكم الصحة والغلبة وتكفلت بإنباءك عن مستقبلك والكشف عن حياتك .
والحفاظ على الصدق والصراحة والنزاهة والفضيلة أصبح فكرة حمقاء ، لأن الذكي من يجيد التملص من الحرج ومواقف الشدة والمسؤولية حتى لو كذب وداهن .
والفطن الذي يحرص على مصلحته حتى الجشع والإضرار بالغير ، ويطلبها على حصان من الدجل والغش والزور لأن حيازة الخير والرزق تحتاج إلى ( فهلوة ) وقوة تتجاوز المبادئ وتزاحم الفضيلة لكأنهما لا يجتمعان أبداً .
وتتكرر التوصيات من الآباء والأمهات أن يكون ابنهم على قدر من الحذق والفطنة ليأخذ حقوقه من الناس ويطالب بحظه من الدنيا بالقوة على اعتبار أنها لا تأخذ إلا مراغمة ولجاجاً ذلك لأن أحداً ما ينازعك ويقلل من حظوظك في حيازة الخير ونيله ، والحق أنه عدو متوهم وشخص لا وجود له على وجه البسيطة .
حتى نعود إلى مصاف الأمم الزاحفة نحو التمدن والتحضر والتنور علينا أن ننقم على كل موروث يأتي بالعار ويكبل أحلامنا دون التحقيق ، علينا أن نعترف بالحقيقة رغم مرارتها ونثور على العادات التي تأبى على مواهبنا وطاقاتنا أن تتفجر وتأتي لنا بالسعادة في الدنيا والآخرة
تعليقات
إرسال تعليق