لقد اعتاد الكتاب وأولي الأقلام أن يبتدؤا مقالاتهم ويصدروا أحاديثهم بتعريف – ولو كان موجزاً – عن موضوع حديثهم ولب كلامهم .
لكنني لا أستطيع هذه المرة أن أماثلهم الطريقة ولا أحاكيهم الأسلوب ، فأي تعريف يمكن أن يستقر لهذا الحب ، فهو ذو أبعاد مختلفة وألوان متعددة وأوجه متباينة .
لكلٍ ذوق يجد به طعم هذا الشعور ، ولكلٍ عين متفردة يرى من خلالها هذا الحب ، ولكلٍ كأس يشرب به ليغذي روحه ويسد رمق حاجته .
لا أراه غير ماء تسقى به الحياة فتونق أزاهيراً ، ولا أجده غير عطر يتضوع في الفضاء ويملؤه عبقاً ، ولا أفسره غير شعور دافئ يتلجلج بهدوء داخل الأضلاع وقد وهبها أجنحة تطير بالنفس إلى حيث الرياض الخضرة والسهول النضرة والعوالم المبهرة .
هو ذلك الحب ، سمه ما شئت ولقبه ما أردت يبقى جميلاً تحتاجه النفس وترنو إليه الحياة .
ضحايا حب
الشجار الدائم حطم كل المعاني الجميلة التي ولدت في طفولتها ، وإخوتها بوجوه مقطبة وأكف ممدودة يقابلونها ، ومنزل موحش ارتسمت على جدرانه المتصدعة كل صور الخوف والرهبة المقيتة .
بينما هي ترزح تحت وطأة هذا الجحيم الداخلي المحرق وحبائل الشيطان تصور لها بؤر الفساد وأحضان الذئاب جناناً غناء وربىً خضراء .
خرجت إلى هذا العالم المظلم وهي تجري بقدمين مجهدتين أعيتهما أسواط
إخوتها الجلادين ، وأنفاسها المتقطعة تتسابق للخروج وقد ضجت من ضيق صدرها ، تجري في طريق لا تعرف له نهاية ، وهي تجري .. ( علّها تجد ضالتها وسد فاقتها ) وقد حرمها الوالدان وسلب حقها الإخوان .
وما تلبث أن تجد حضن ذئب رغيد حتى تجد نفسها ملطخة بأصبغة الخطيئة القذرة ، وأصابع الاتهام تنهمر عليها من كل حدب وصوب وسوط الجلادين ما زال يدمي ظهر قلبها وصفحته .
مثلية عاطفية
ينتابني الخجل وأن أتلمس خيوط هذه الحقيقة ويخامرني شعور بالحياء وأنا أقف في وجه هذه الفضيحة ، أدق النظر في ملامحها وأستبين قسماتها .
كما هي ( المثلية الجنسية ) وقد اعتدت على حدود الفطرة وحطمتها ، ولم تقم وزناً لا لشرع ولا عقل ، وكما هو الشعور السافر بالرغبة في مثيل جنسه .
هكذا الحب في أحيان كثيرة أصبحت له مثلية ، حيث لا يجد الشاب وقد تمكن الخواء من قلبه وأفرغ منه كل مشاعر الحب والعاطفة الجياشة التي استقاها مذ قبل بطهر ونقاء وأحاله كوباً أعلن إفلاسه وجسداً يلفظ أنفاسه .
ها هو وقد شدهته صورة ذلك الفتى الوسيم وبرقت في عينيه أسارير ذلك الوجه الحسين ، فسولت له نفسه وزين له قرينه أن هذا منتهاك ومبلغ هواك .
قبح الله حباً أنت حامله ، حباً لم يكتب الله له الديمومة ، فيصدق فيه قوله تعالى في سمائه : {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } .
حب طاهر
أدرك الله – عز وجل – حاجة الإنسان إلى هذا المعين ، كيف لا وهو من سواه وشكّل قواه وخلقه في أحسن تقويم .
فأدام الوصل بينه وبين عبده بمداد من حب ، وعلّقه بباب الرجاء ودعاه على أعتاب الولاء ، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، كيف يكون الإعراض واللهو وقد اختاروه حبيباً لا ينصرف النظر عن مطالعة آياته ، ولا يعرض القلب عن مذاكرة كلامه ، ولا تقوى النفس على هجرانه ولا تكل من عبادته وسؤاله ، يضللهم قوله الكريم : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } .
وليس إلى ها هنا وقط بل جعل مناط التعارف بين المؤمنين وصمام أمان المجتمع بمثل هذا المجرى وسلك بهم الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – نحواً من هذا الطريق ، وتوجيهاته ترن في أسماعنا وترف أمام أحداقنا وهو يقول : " أوثق عرى الإيمان : الحب في الله " .
هنيئاً لنا هذا الحب الصافي ، ومرحى لقلوبنا هذا النعيم المقيم .
تعليقات
إرسال تعليق