التخطي إلى المحتوى الرئيسي

شحبي: أعيش «رمضان» وحدي منعزلاً عن كل أشياء الأرض


آخر تحديث: السبت، ٢٧ مايو/ أيار ٢٠١٧ (٠١:٠٠ - بتوقيت غرينتش){ أبها - عمر البدوي 

{ يقضي القاص والروائي إبراهيم شحبي يومياته عادة في رمضان بين المزرعة والبيت، وفي أوقات مستقطعة للصلاة وقراءة جزء من القرآن الكريم يومياً، يمضي رمضان في رحلة إلى السماء محفوفة بأماني الرحمة ورجاءات المغفرة، فإذا ما عاد إلى معايشة الأرض وجد الهدوء مفقوداً بعد أن استولى عليها صخب العصر.
منذ سنوات وهو يحرص على أن يكون رمضان له وحده، وهو له وحده فيقطع التواصل مع كل وسائل التكنولوجيا، خصوصاً الهاتف المحمول باعتباره الشريك الحقيقي للصخب، وهذا الانقطاع يغيظ بعض الأصدقاء لكنه بالنسبة إليه «ضرورة»، أما أصحاب الأيديولوجيات فهناك بحسب رأيه من يوظف رمضان لأيديولوجيته، ويستفيد من الزكوات والأعطيات لمد جسور المنفعة متظاهراً بالتسامح حتى مع المخالف.
«الحياة» التقت شحبي للوقوف على جانب من طقوسه وتقاليده وآرائه في المشهد الديني والثقافي والاجتماعي:
> ماذا نفقد من روح رمضان القديم، طابعه الذي لا تجده في غير الأرياف، نسمة التسامح الاجتماعي التي بددتها الاستهلاكية؟
- نحن بنعمتي رغد العيش والأمن أفضل من الماضي ولله الحمد، لكن الذي افتقدناه من روح رمضان القديم هي أرواحنا التي كانت جميلة ترى الوجود جميلاً، ومن تجربتي لم تكن الأرياف متسامحة، كانت مثقلة بالحاجة والصراع الدنيوي الجاف، ولكل زمن سلبياته وإيجابياته ولذا فإن زمننا هذا هو زمن الترف، والعصر الذهبي للاستهلاك على مستوى العالم، ولست مع مبالغات الجيل في التعاطي مع التسوق وتفشي رغبة الشراء لمجرد الشراء، وآمل ألا يتحول عالمنا المترف إلى ذكريات جميلة.
> هل ما زال المسجد يضيق بك إماماً لجماعته بتهم مثل العلمانية والاشتباه بالتوجهات الفكرية والنوايا الشخصية؟
-المسجد لا يضيق بأحد لأنه بيت الله، ولست إماماً لمسجد بشكل رسمي، وأعتبر ذلك نقصاً في الدين لأن صلاتي للدراهم مع الله، وإذا كنتَ تستدعي حادثة تهمة العلمانية فقد كانت إمامتي عرضية كغيرها من المرات التي يرى فيها الناس شعار اللحية فيقدمونني للإمامة ويصدمهم أنني أقرأ بقصار السور، أما شبهة التوجهات الفكرية فلا تزال قائمة وتستمد بقاءها من فكرة صناعة الخصم التي دأب عليها الصراع الديني الثقافي.
> ماذا عن خطاب التجديد الديني هل أصبح جزءاً من الماضي؟
- إذا أصبح تجديد الخطاب الديني من الماضي فهذا يعني أننا سنبقى كما نحن، وبهذا نكون ضد صيرورة الحياة، الحياة تتغير ويلزمنا أن نتطور ونجدد خطابنا الديني بما لا يخل بأصوله، وتجديد الخطاب لا يعني التغيير في الدين، وإنما تغيير سلوكنا وفقاً لسامحة ديننا، وصيرورة واقعنا، وفي مسيرة التاريخ الإسلامي شواهد كثيرة.
> إذا فقدنا الأمل بتغير خطاب أحد الاتجاهات، فهل المجتمع في المقابل قادر على التغير؟
- المجتمع يتغير وفقاً لمعطيات الحياة، فمثلاً: المجتمع الرعوي أصبح نفطياً، والمتسامح أصبح متشدداً، والمنفتح على الحياة أصبح منغلقاً، والقائم على الشراكة بين المرأة والرجل قبل سنوات أصبح ذكورياً، كل هذه التحولات في زمن قياسي لا يزيد على 40 عاماً، نعم يوجد اتجاه آحادي لكن الزمن لا ينتظره، والمجتمع يدور دورته الفلكية من دون أن يستطيع اتجاه واحد أن يوقفه.
> تبدو منسحباً يائساً حتى قلت: «أصعب الحالات هي التي أبحث فيها عني فلا أجدني» هل مللت معارك الثقافة، أم خسرت الرهان عليها؟
-لم أشعر باليأس ولو لحظة في حياتي، أنا جبل من الأمل والفأل، قد تبدو بعض كتاباتي، أو بعض عباراتي يائسة، ذلك شأنها هي وليس شأني، إنها لحظات أو مواقف تقتنصني فأكتبها.
ليست عبارتي «أصعب الحالات هي التي أبحث فيها عني فلا أجدني» عبارة يائسة، إنها عبارة فلسفية تعني حجم الحضور الذي أريده، حجم الفعل الذي أريد أن أحدثه، ولك أن تراها يائسة وأراها أنا فضاء أمل.
أما معاركي الثقافية فليست كثيرة، ولست من الذين يراهنون عليها، هي جزء من النشاط الذهني والكتابي متى جاءت مناسبة لتحريك الساكن.
> كتبت شعراً، ثم قصة، ثم رواية، ثم أحرقت كتبك، ثم أعلنت عن بيع مكتبتك هل هذا من شدة اليأس أم سطوة القلق الذي يلزم المشتغلين في حقل الفكر والثقافة عادة؟
- لدي قلق متصل بما أكتب، كثيراً ما أشعر أنني من دون موهبة خلاقة، لكني عاشق للكتابة، ولهذا تجدني يومياً أكتب، ولي جمهور بحجم كتابتي، تجربتي الشعرية تجربة فاشلة بكل المقاييس على رغم نشر الكثير من أشعاري صحافياً، لكني عندما طبعت ديوانين قبل 20 عاماً أدركت أنني لست شاعراً، فتوقفت، ربما أنا قاص أكثر، سارد يستطيع نسج حكاية أكثر من شاعر يبني قصيدة، القصة شبكة من الكلمات، والشعر عمارة من الصور، صور الشعر وخيالاته أكثر كذباً من خيوط الحكاية، الحكاية أقرب إلى الواقع، تلامس الحياة، وتتحدث مع الناس، وتتقاطع مع يوميات شريحة واسعة، بينما الشعر يفر إلى الخيال، فإذا اقترب من الواقع أصبح حكاية ممجوجة، وهو ما أضعف شعري، أما الرواية فتجاربي فيها لم تنجح، وربما أستطيع كتابة عمل مميز، أما إحراقي لكتبي قبل سنوات فلأنها بضاعة بائرة، ثم أعلنت عن بيع مكتبتي قبل أسابيع لحاجة في نفسي قضيتها غير ما أشيع عن ممارستي للشحاذة.
> هل كان تداخل الدعاة مع مرحلة الحداثة والنقد الأدبي وتبعات ذلك من الإقصاء خطأ تاريخياً ترك تشوهات لدينا؟
- ما حدث لا نسميه خطأً تاريخياً، نسميه إرهاصات مرحلة زمنية ما زال أقطاب الفريقين يتكتمون على السر المحرك، أنا عشت المرحلة من بداياتها، كانت تبدو لي لعبة وراءها منافع، هناك مستفيد من ضرب المثقف بالداعية، وما زالت اللعبة مستمرة وإن بدت أقل تأثيراً، يكفي أن تعرّج على وسائل التواصل وترى حجم التراشق بين الديني والثقافي.
ما زال أتباع الفريقين يمارسون اللعبة وإن بدا الصراع أوسع، إلا أنه متوازن، في السابق كان يكفي لقيام المعركة تصريح مسؤول ما عن خطر فئة معينة لا تحب الوطن، اليوم هناك وسائل عدة، وممارسات شتى حتى إن البعض يرى الصراع الديني الثقافي صراعاً أزلياً، ولك في ما يقال عن هيئة الترفيه وما يحاك ضد كل ثقافي خير دليل. لم يكن صراع الديني مع الحداثة شاملاً، إذ قصروه على الثقافي، والأدبي خصوصاً، بينما كانت الحداثة الاقتصادية والصناعية تسير من دون ضجيج
> لعلك تعلق بعض آمال التغيير على رؤية 2030 التي تقوم أساساً على التخفف من سيطرة آثار الطفرة النفطية في المجتمع السعودي؟

- لو لم نأمل بالتغيير سنبقى مكاننا، ثم نتراجع ونسقط، لا بد من الخطوة للأمام، والرؤية خطوة متقدمة إذا حققت أهدافها المعلنة أو جلها، أعتقد أن الرؤية ستأتي بطفرة من نوع آخر، وتعتمد إيجابياتها أو سلبياتها على وعي المواطن في ترشيد الاستهلاكي وتطوير المعرفي والمهني لخلق توازن اجتماعي.



الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...