آخر تحديث: الإثنين، ٢٩ مايو/ أيار ٢٠١٧ (٠١:٠٠ - بتوقيت غرينتش)جدة - عمر البدوي
المهندس علي شنيمر صاحب قصة، تبدو للوهلة الأولى تقليدية جداً، ولكنها في الواقع تصلح أن تكون خريطة شخصية للنجاح، فهو يمثل أبناء طبقته ممن قاوم الفاقة والتهميش وسقف الطموح المتدني، ليرتقي في سلم الإنجاز، حتى حل في محل يمكّنه من الشعور بالارتياح ورسم ابتسامة عريضة تبدد كل التحديات واللحظات الخانقة التي كانت تحيق بأيام طفولته وشبابه. رمضان بالنسبة إليه هو أكثر الشهور إنتاجاً على المستوى العملي والأفضل صحياً، بسبب انتظام الروتين. وبالنسبة للعمل، فيقل فيه هدر الوقت، فعادة تقل فيه فرص تضييع وقت العمل في النقاشات الجانبية، إذ ينزوي فيه الأشخاص الذين يميلون للكلام الكثير، ما يعطيك فرصة أكبر لإنجاز الأعمال الخاصة، وأما وقت استيقاظه ونومه فلا يتغيران كثيراً في رمضان عنه في بقية الشهور، إذ يذهب للعمل في نفس وقته المعتاد، وهذان يعطيانه وقتاً أكثر للتركيز والإنجاز. أما صحياً فدأب على عادة منذ ست سنوات، وهي الاشتراك في شركة «حمية» حتى يستطيع تنظيم أكله وتلافي مغريات الأكل في رمضان، كما أنه يذهب إلى مكتبه يومياً برفقة حقيبة ملابسه الرياضية، وعند 5,00 عصراً يرتديها ويتجه للممشى للهرولة الخفيفة لمسافة ٥-٦ كم، ويعود للبيت للإفطار، وبعد التراويح يذهب إلى النادي للعب حديد وشد الجسم، وبعدها يقضي التزاماته الأخرى. «الحياة» التقت شنيمر للوقوف على جانب من طقوسه وتقاليده وآرائه في المشهد الاقتصادي والاجتماعي:
> ماذا نفقد من روح رمضان القديم، طابعه الذي لا تجده في غير الأرياف، نسمة التسامح الاجتماعي التي بددتها الاستهلاكية؟
- ذكرياتي عن رمضان في قريتي كثيرة، فهو شهر مميز على رغم أن نظامنا لا يتغير كثيراً، ولكنه كان بالنسبة لنا يعني التقارب وعودة الناس الذين يعملون في المدن، فنلتقيهم ونسعد بعودتهم.
> بالنسبة إلى ابن قرية تكتفي بمحاصيلها وتجد فيها الغنى، ما تفسير النجاح؟ هل الانتقال إلى المدينة والقدرة على العيش فيها بمستوى متقدم هو النجاح بحد ذاته، أم هناك معنى أعمق للنجاح في ذلك؟
- النجاح نسبي بشكل كبير، وتعريفه صعب. لكن الفرص في المدن أكثر، لذلك ينتقل أبناء القرى إلى المدن للدراسة والعمل، وهذا بحد ذاته خلل اجتماعي ديموغرافي يهدد القرى الصغيرة. بالنسبة لي، انتقالي للمدينة لم يكن خياراً سهلاً، ولكن اضطررنا إليه بحكم عمل والدي وقتها حارساً لمدرسة بنات، إذ إن العمل في زراعة الأرض قل مردوده بشكل كبير، لاعتمادها على الأمطار والسيول الموسمية، وعدم معرفتهم بزراعة محاصيل غير الذرة، وكانت فرصة كبيرة لي لزيادة التحصيل العلمي. بعدها حصلت على فرصة عمل مجزية جعلتني استقر بشكل دائم.
> إلى أي حد أصبحت الظروف متساوية بين مدن وأرياف الأطراف ومدن القلب والمركز؟ هل الفرص متاحة للجميع؟
- ليس صحيحاً، فمستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ما زالت مختلفة كثيراً، لذا فالهجرة للمدن ما زالت مستمرة، وأتمنى أن يتم التطرق لهذه المشكلة ضمن رؤية المملكة ٢٠٣٠، لأهميتها على المدى الطويل.
> ابن الريف الذي يستوطن المدن ويحقق نجاحاً ما، هل تقتضي واجباً أخلاقياً عودته ليفيد بلدته وأهلها؟ وكيف تنظر إلى هذه المعادلة المشتبكة؟
- لا أرى الموضوع له علاقة بالواجب الأخلاقي، فهو لم يرتكب ذنباً يتطلب التكفير عنه، لكن هناك قول إنك تستطيع إخراج القروي من القرية، ولكنك لن تستطيع إخراج القرية من القروي. وهذا صحيح لحد كبير بالنسبة لي، وأحرص ما استطعت أن أدعم كل فكر ريادي - وليس بالضرورة العودة - ينبع من المنطقة، وكان لي شرف التوجيه والتسويق، مثلاً لمشروع مانغو جازان للصديق الشاب عبدالرحمن الساحلي. إذ استطعنا - بتوفيق الله - تحويل محصول زراعي استراتيجي من مجرد محصول لعلامة تجارية مميزة لها صدى كبير في السوق الآن، وعلى رغم أنه ليست لي مصلحة مادية من هذا المشروع، لكنه كان من باب دعم مشاريع المنطقة والزراعة غير التقليدية، وحالياً أتابع بشغف مشروع تحويل «بن» المنطقة لعلامة تجارية، تبناها مقهى أكسير القهوة في الرياض للقهوة المتخصصة بتحميص وتقديم «بن» الداير في جبال جازان لمتذوقي القهوة الراقية.
> مبادرات مثل جمع الملابس للمحتاجين وسواها، هل تؤتي نفعاً وأكلاً حقيقياً؟
- لعلك هنا تقصد مبادرة موظفي شركة بوبا العربية، التي أتشرف كوني منهم، فهذه المبادرة بدأها الزملاء والزميلات، بهدف رفع مستوى الوعي لدينا بالمشاركة المجتمعية، وكانت سابقاً محصورة على الموظفين. وقبل عامين قررنا إشراك المجتمع معنا بالتعاون مع شركة كريم، وهذا رفع حجم التبرعات بشكل كبير جداً، وعمق المشاركة المجتمعية، ولا أعتقد أن حجم التبرعات هو المقياس الحقيقي لهذا العمل، ولكن الفكرة النبيلة خلفه هي المقياس، وإشراك أهلنا في ذلك يشعرهم بأهمية دعم من هم بحاجة إلى الدعم.
> تعد البطالة تحدياً حقيقياً لبعض شباب السعودية، كيف تمكن مواجهتها على الصعيد الشخصي؟
- هي فعلاً من أكبر التحديات لدى صناع القرار والتشريعات، وعلى المستوى الشخصي أواجهها بحث بناتي على تجربة العمل متى ما سنحت الفرصة لذلك، للتأقلم مع سوق العمل ومعرفة كيفية التعامل مع العملاء. وخلال الفترة الماضية شاركت مع بناتي لقضاء ليلة نعمل فيها في مطعم - دعماً لمبادرة مجتمعية -، نخدم العملاء ونأخذ طلباتهم، وكانت تجربة ثرية لي ولهما، وجعلهما تقدران قيمة العمل وقيمة العاملين في المطاعم والمتاعب التي يواجهونها.
> ماذا عن رؤية ٢٠٣٠؟ هل تعد بمستقبل أفضل؟ وكيف يستعد الشاب السعودي ليتوافر على متطلباتها؟
- رؤية السعودية ٢٠٣٠ رؤية طموحة بكل المقاييس، ولا تحتاج إلى تزكيتي، ولكن التحدي يكمن في القدرة على جعل الجميع يتبناها بصدق ويعمل وفق خططها، لتكون نتائجها المرحلية محسوسة للجميع، ما يشجع الجميع المواصلة حتى تؤتي كل ثمارها للمواطنين والوطن. الشباب السعودي هو المحرك الرئيس لهذه الرؤية، بداية من مهندسها الأمير محمد بن سلمان، وهم المستفيد الأكبر منها، لذا يجب عليهم العمل على تطوير أنفسهم ومهاراتهم واستغلال الفرصة التي ستخلقها الرؤية.
> وأنت ابن المجال ومن رواده، البعض يعتقد أن «التأمين الطبي» هي عملية تجارية منزوعة الأخلاق، وربما تهدد المستقبل الصحي للوطن والمواطن أكثر من رعايته.
- للأسف لعب الإعلام في ترسيخ أفكار مغلوطة عن صناعة التأمين وتصويرها بالصناعة الاستغلالية التي تأخذ أموال الناس من دون تقديم الخدمة الطبية، وقد يكون هذا صحيحاً، نظراً لبعض الممارسات الدخيلة على هذه الصناعة، ولكن الواقع يقول إن التأمين الصحي يدفع عشرات البلايين لعلاج الناس وتوفير إمكان الوصول إلى العلاج بطرق ميسرة، ولو نظرنا إلى لغة الأرقام لوجدنا أن هامش الربحية في قطاع التأمين - وهو ضروري لاستمراره - هو الأقل بين مختلف قطاعات السوق، ولا يتجاوز ٦-٨ في المئة.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق