آخر تحديث: الأربعاء، ٤ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٧ (٠٠:٠٠ - بتوقيت غرينتش){ جدة - عمر البدوي
< في ظل التساؤل الذي يدور في الأوساط الثقافية عن متانة البنى التحتية للمؤسسات الثقافية، وعن المشاريع الجديدة لها، في ظل الدور «الريادي» الذي يُنتظر أن تلعبه الثقافة والمثقفون في المرحلة المقبلة للسعودية في ظل رؤية المملكة ٢٠٣٠، التي تعول كثيراً على الحاضنة الثقافية، في تفعيل إمكانات التعليم والاقتصاد والسياحة، يتجدد السؤال عن نصيب الثقافة من الضخ الحكومي في مشاريع البنية التحتية، وعن الإمكانات «المعيشية» و«التشريعية» التي يمكن أن يحظى بها المثقف في العصر الجديد.
يرى المؤلف والقاص فيصل الشهري أن المثقف السعودي تدحرجه عناكب الفقر من كل جانب، إذ إن تفرده في المشهد الثقافي الخليجي لم يكن إلا بحرصه على تدجين بنيته الثقافية، من دون أن يمد يديه إلى أية مؤسسة حتى لا يصدم بعودة يديه فارغتين.
وأضاف الشهري: «يكابد المثقف السعودي الفقر التشريعي، الذي يمنحه حق التحرك بحرية، فالمبدع لن يبدع ما دام لديه شعور بأن التشريع ضده لا معه، ولنا في قصة المقهى الثقافي، الذي أغلق أخيراً، أنموذجاً واقعياً، فبدلاً من أن يكون المشرع داعماً استخدم سلطته وتحول إلى معرقل».
وزاد: «لكي يكون للمثقف السعودي ما لنظرائه الخليجيين، فإن على المؤسسة الثقافية أن تعي أن المثقف هو المشروع الأول الذي يجب أن تستثمر فيه، من خلال الدفاع عنه عندما يقوم المجتمع بشيطنة نتاجه ونشاطه، وذلك بسنّ القوانين التي تحمي المبدع ونتاجه من التشويه والتسفيه، أيضاً عليها التخلي فوراً عن رقابة الضيوف المتحدثين داخل المؤسسات الثقافية، وبهذا القليل وغيره الكثير سيتعزز موقع المثقف السعودي عندما يمنح الحق في افتتاح ديوانيته ومكتبته الخاصة بسهولة ويسر، إذ سينتقل من ظهوره في شخصية (الحاسد) إلى (المحسود)، عندما يُعنى به ويصبح شريكاً في صناعة البرامج الثقافية».
واستطرد الشهري: «انظر إلى المكتبات (الميّتة)، أي العامة، لماذا لا يكون لها برامج ثقافية، ولماذا لا يستفاد من المثقفين في صياغة هذه البرامج، وتقحم لداخل المشهد، بدلاً من كونها مجرد مدخل رزق لموظفيها، من دون أدنى أثر أو مقروئية يعتد بها، وبوصفها مثالاً على عناية الإمارات بالمثقف، فإنه في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، فأنت لست بحاجة إلى شراء حقيبة لأنها ستوزع عليك مجاناً».
من جهته، قال أستاذ الأدب بجامعة الطائف أحمد الهلالي: «ربما أختلف مع غيري، فالبنية التحتية للمؤسسات الثقافية لدينا لا تعد عائقاً للإبداع والعمل الثقافي، إذ إن لدينا بنية تحتية في ظل وجود المؤسسات، ذات الصلة في الشأن الثقافي، الحكومية وغيرها، ناهيك عن مؤسسات القطاع الخاص في الصالونات الأدبية والثقافية المنتشرة في المملكة». وأضاف الهلالي: «أؤمن بأن البنية التحتية ليست شيئاً ملموساً، بل وجودها الحقيقي يكمن في أذهان المثقفين أنفسهم، حين يتبنون رسالة ثقافية مؤثرة في المجتمع، فالمباني والقاعات لا تبني المثقف، لكنها من المساعدات على أداء الرسالة الثقافية، وغيابها لا يؤثر بشكل عميق، ولو كان يؤثر لما رأينا مثقفين عرب يؤثّرون في الوطن العربي بكامله، وتبلغ أعمالهم العالمية، وهم يعيشون في بلدان ربما لا تحوي بعضها قاعة تضاهي أبسط قاعاتنا، وما أراه حقاً ألا ننظر إلى دول تحوي بنيات تحتية فارهة، بل أن نوجه أنظارنا إلى رؤوس مضيئة لا يحجب ضياءها غياب بنية تحتية أو وجودها».
واستطرد: «لا يعني ما تقدم أنني أبرئ المؤسسات من تقصيرها في جانب توفير التسهيلات، بل هناك نقص في الكثير من المدن والمحافظات، وفي تأسيس المراكز الثقافية، وتوجيهها إلى خدمة الثقافة ونشرها، وأستبشر خيراً في توجه الدولة إلى ذلك في ظل (رؤية 2030)، التي سقتنا أملاً بإنشاء هيئة عامة للثقافة، نعقد على انطلاقتها الآمال». بدوره، قال رئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للأدب العربي ظافر العمري: «لا أوافق على أن البنية التحتية لبيئة الأدب والثقافة في بلادنا غائبة، ولن أصفها بأنها مكتملة، ولكن الصحيح أن لدينا بنية تحتية، لكنها ليست عند مستوى التطلعات، فالمثقف السعودي برز بوعيه وقدرته وتميزه بين أمثاله الخليجيين والعرب».
وقال: «مهما تحقق للمثقف السعودي من طموحات فهو يسعى للأفضل دائماً، ويبحث عن الرقي إلى أكثر مما تحقق، ولذلك فلا يُلام المثقف السعودي حين نراه يلح على الوصول بما يحتاج إليه في المؤسسات الثقافية، ومراكز المعرفة، ومن برامج وبُنى تكمل حاجاته للمضيّ نحو الأفضل».
وبيّن أن الأديب والكاتب والناقد والأكاديمي والباحث يشكلون بنية الثقافة لوطنهم، والاهتمام بحاجاتهم من مراكز ثقافية وحضارية، إضافة إلى دعم نشاطهم وتبني رؤاهم يصب في مصلحة ثقافة الوطن عموماً، باعتبار الثقافة ركناً مهماً في ترسيخ العمق الوطني داخل المشاعر الإنسانية، إذ تحمل الثقافة رسالة الرقي والتقدم الحضاري وتفسر مكوناتها للمجتمع وأفراده.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق