آخر تحديث: الثلاثاء، ٣٠ مايو/ أيار ٢٠١٧ (٠١:٠٠ - بتوقيت غرينتش){ جدة - عمر البدوي
{ يرى الكاتب والباحث وحيد الغامدي أن من أجمل ما في رمضان هي تلك اللحظة الحالمة قبيل أذان المغرب، إنها فترة هدوء مقدّس، ولحظة فاخرة من التجلي اللذيذ، كما أنها تأتي للصائمين كالفصل الأخير من المسرحية قبيل انسدال الستار، لتشكّل نهاية سعيدة ومنتصرة لدرامية الصبر والمقاومة. ولذلك فإنه يحرص في هذه اللحظة مع العائلة على الهدوء وكذلك إضاءة الفوانيس الجميلة التي تُعطي النكهة الرمضانية الفاخرة على المكان واللحظة، كما يحرص على الإضاءة الخفيفة أيضاً، وفي تلك اللحظة أيضاً يتحول منظر الحرم المكي على التلفاز قبيل الأذان إلى وجبة رئيسة على الإفطار، حقاً تلك اللحظات بالذات هي خلاصة رمضان على الإطلاق. وعن كون «رمضان» فرصة للهدوء من ضجيج الآيديولوجيات للسلام للتعايش مع المختلف، يعتقد أن الهدوء لن يتحقق في حياة من سننها التجاذب والتدافع والصخب المستمر.
> لماذا يردد البعض (المجتمع غير مهيأ أو مستعد)؟
- هذه العبارة تحمل في عمقها اعترافاً ضمنياً بأن التغيير مقبل لا محالة، ولكن يُراد فقط تأجيله أطول وقت ممكن، بدعوى عدم استعداد المجتمع.
تبالغ هذه النظرية كثيراً في وصف تقبل المجتمع تجاه بعض أنواع التغيير، وأظن أن هناك مبالغة كبيرة في تصوير المجتمع بتلك الصورة البدائية التي دائمة ما تُصعّب عليه تقبّل أي متغير.
> هل تساعد المواسم الدينية مثل رمضان، على ترميم الوعي الأخلاقي والسلوكي الذي تشكو من انهياره على شبكات التواصل الاجتماعي؟
- هذا ما يفترض في رمضان وفي غيره، ولكن واقعياً لا للأسف، لأن منطق بعض الذين يعانون من الخصومة مع الذات، ومن الانهيار الأخلاقي أيضاً، لن يتأثروا فعلياً برمضان أو بغيره، ولو كان هناك إمكان لاستيعاب روحانية رمضان مثلاً لما كانت تلك المخرجات الأخلاقية بذلك السوء أصلاً. التأسيس الأخلاقي والسلوكي مشكلة حقيقية قد تواجهنا باتساع خلال السنوات المقبلة. المعضلة الكبرى أن نمطية التربية لدينا تنتهج تجذير بعض الأولويات الفكرية والآيديولوجية على حساب الأولويات الأخلاقية والإنسانية المفترضة.
إن نمطية التربية حين تنحرف أولوياتها عن تجذير المشتركات الإنسانية والأخلاقية التي يشترك فيها جميع البشر، ولمصلحة أولويات مؤدلجة ومرهقة لعقل ووجدان النشء، فلا تسأل عن مخرجات تلك التربية التي تكشف عن فراغ هائل تُحدثه تلك النمطية التي تدفع بأولوياتها الخاصة على حساب مستقبل أجيال كاملة، رأينا شرائح عريضة منها تفتقد مهارات التعايش والتسامح، وتفتقد حمل الهم النهضوي أو الجاهزية للتحول الحضاري والاندماج مع هذا العالم.
> هل تشعر بأن الطائفية تتغول بيننا؟
- جيد أن هذا السؤال دقيق جداً، فهناك فرق بين الانتشار وبين التغول، نعم الطائفية لدينا منتشرة، تبعاً لحال التزييف الفظيع في الوعي والتصورات، ولكنها ليست متغولة ولله الحمد.
يظل المشكل الطائفي مربوط بحال الوعي والتخلص من الارتهان لأفكار الغلو والتشدد، ومحاولة التطلع لآفاق إنسانية ووطنية جامعة وأكثر رحابة من ذلك المنظور المغالي الذي يفرز البشر بحسب عقائدهم، ثم يبني كافة أحكامه وعلاقاته وفق تلك الصورة المرسومة سلفاً. والأدهى أنه يجزم قطعاً وفق تلك الحال من الفرز بحتمية مصائر الناس وأخلاقهم وسلوكهم، وبالتالي تحكم تلك الانتماءات العقائدية أسس التعامل مع المنتمين إليها.
كل هذا يجب أن ينتهي في مرحلة الدولة الوطنية والمدنية، والتي يشكل فيها القانون والنظام العام الذي ينص على تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات أساس التعامل، وتنظيم العلاقات البينية المتبادلة بين مكونات الوطن الواحد.
وأستطيع أن أؤكد حال الوعي الملاحظ عند الجيل الجديد، نعم تعرض هذا الجيل لعملية تشويه مفاهيم المواطنة في المدارس، ولكني مؤمن بأنه جيل مرتبط بوعي عصره أكثر من ارتباطه بالحاضنة التعليمية التي ظلّت تؤسس لديه التصورات والأفكار.
أعتقد جازماً أن النَّفَس الطائفي يتراجع بوضوح أمامنا، سواء في مواقع التواصل أم في مستويات الحكي والنقاشات العامة.
أثمرت جهود العقلاء وكتاباتهم في الرد على الحمقى والمجانين من الطائفيين من كل المذاهب على السواء، لكن المسألة بحاجة إلى تشريعات وأنظمة تضبط تلك العلاقات وتوجهها التوجيه الصحيح.
الاعتماد ليس دائماً على الوعي، في الحقيقة القانون هو ما يؤسس الوعي ويجذّره في المجتمع ويحلّ كل إشكال.
> موقف مؤثر لا يغادر ذاكرتك؟
- الذاكرة تنوء بمواقف لا تنتهي، لكن من بين تلك المواقف كان موقف التخرج من الجامعة. شكّلت مرحلة الجامعة بالنسبة إليّ مرحلة حرجة جداً من الناحية المادية والنفسية، لكني أزعم أن كل تلك الظروف التي مرّت بي صقلت عندي لاحقاً عنصر الكفاح والمقاومة، وتركت في وجداني بعض الشراسة في مواجهة الحياة.
حين جاءت لحظة التخرج كانت تتويجاً درامياً فاخراً لكل تلك المعاناة المرهقة، إلا أن مما زاد من جرعة الحزن في تلك الحال هو أن في حفلة التخرج كان زملائي برفقة آبائهم الذين قدم بعضهم من خارج مكة، إذ كنا ندرس في جامعة أم القرى، أما أنا فذهبت بعد الحفلة إلى شقتي لأناجي والدي - رحمه الله - وأطلب من الله أن (يخبره بتخرج ابنه)!
> هل أنت متفائل؟
- بكل تأكيد، على رغم الألم الذاتي الخاص من أشياء كثيرة، وعلى رغم الخيبات المتوالية، وعلى رغم أن الأصدقاء يسخرون مني في هذا التفاؤل، ولا ألومهم، ولكن فعلياً هناك سُننية كونية في التغيير، إضافة إلى أن هناك إرادة جادة عند أصحاب القرار في التغيير، ورغبة حقيقية عند الناس وعند جيل جديد.
ولذا فالتفاؤل مطلوب لدعم هذه الحال من الحراك النوعي والشامل دولة ومجتمعاً، وكذلك الصبر والتأني في انتظار النتائج التي لن تكون وقتية، لكنها ستفتح الطريق لجيل مقبل ومرحلة مفصلية. أوصي دائماً كل من أراد تقويم الواقع أن يقومه من خارج إطار رؤيته الشخصية أو تجربته الخاصة، وعليه أن يقوم الواقع، أو أي شأن آخر، من خلال معطياته المجردة والماثلة على الأرض.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق