التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سعود الصاعدي: عدم تدريس «العامية» في الجامعة لا يعني محاربتها


آخر تحديث: الخميس، ١٦ فبراير/ شباط ٢٠١٧ (٠٠:٠٠ - بتوقيت غرينتش){ جدة - عمر البدوي 


{ يعتبر أستاذ البلاغة والنقد بجامعة أم القرى الشاعر سعود الصاعدي أن أدوات النقد المنهجي صالحة لمقاربة كل النصوص الشعرية، فصيحة كانت أم عامية، إذ لا فرق بحسب رأيه في السياق النقدي بين هذه وتلك، مطالباً بفهم ودرس الشعر العامي في الجامعات من داخل وجدانه اللغوي، لكنه لا يرى في حوار مع «الحياة» أن الجامعة تصلح لأن تكون فضاء للشعر العامي، وهذا لا يعني إقصائه وافتعال الحرب معه، بل درسه وتذوّقه والإقبال عليه للوصول إلى العقل اللغوي الكامن في ضميره الشعبي وبساطته. إلى نص الحوار الذي تطرق إلى عدد من القضايا الأدبية والشعرية:



> هل يمكن القول إن هناك علاقة بين المنبر والقصيدة الحديثة في تلقّي الشعر؟
- القصيدة الحديثة ذات فضاء ورقي تأمّلي، وهي في نموذجها التنظيري بحسب نقادها الكبار لا تتناسب مع طبيعة المنبر والتلقي الشفاهي، خلافاً للقصيدة العمودية سواء في شكلها القديم أم الحديث الذي لم يخرج عن سمة الإيقاع، ففي هذا النموذج ثمة علاقة مع المنبر، لكنها ليست بالضرورة علاقة صوتية محضة، وإنما علاقة ذات بعد تخييلي وإيقاعي يتناسب مع طبيعة التلقي المنبري في مستواه الإبداعي الفخم مجازاً وإيقاعاً وأداء منبريّاً.
> عادة، وخلال التاريخ العربي القديم والمعاصر، تضمر الشعوب انطباعاً سلبياً وعدم ارتياح تجاه ما يسمى «شعراء البلاط»، فما رأيك؟
- بالضبط، عدم الارتياح في هذا الجانب يعود في الأساس إلى العلاقة المتوتّرة بين الشعب والسلطة أحياناً، بيد أننا لو قرأنا الشعر من جانبه الفني عبر تاريخ الشعر نفسه لظهر لنا ما يعزّز قيمة هذا الشعر الذي يصنع النموذج بصرف النظر عن الواقع، فالمتنبي مثلاً صنع لنا نموذجاً للفارس العربي من خلال سيفياته بصرف النظر عمّا يكون سيف الدولة في الواقع.
> في رأيك، لماذا أصبح الشعر باهتاً بلا ملامح؟
- لأنه صار مادة استهلاكية وتهميشاً على الحدث، وما لم يكن الشعر هو الحدث نفسه، هو المحفّز على التحوّلات وصانعها، فإنّه يفقد ملامحه، بل يفقد جوهره.
> البعض يقول إن الشعر استعاد بعض حضوره بفضل جيل شاب ضخ روحاً جديدة ولغة وجدانية وتراكيبية حية، ولكنك تقول عنها مجرد «وهج إعلامي»؟
-لا، أبداً، لم أقل ذلك، وإن كنت قلته فلا أعني النوع الجيّد، فأنا مع الرأي الذي يقول إن الشعر استعاد حضوره ووهجه بفضل شباب جدد، أعادوا له فخامته وعذوبته، بل وأعادوا له فلسفته ومجازه، وحتى شكله العمودي القديم أعادوه برؤية رحبة في فضائها المجازي والإيقاعي.
> تجمع بين الشعر الفصيح والشعبي، في إنتاجه أو نقده، كما وتطالب بمنحه حق الوجود في جامعاتنا؟
- أيضاً هنا لا أطالب بتدريس الشعر العامي في الجامعات، وإنما أطالب بفهمه ودرسه من داخل وجدانه اللغوي، وإلا فالجامعة لا تصلح لأن تكون فضاء للشعر العامي، لكن هذا لا يعني إقصاءه وافتعال الحرب معه، بل درسه وتذوّقه والإقبال عليه للوصول إلى العقل اللغوي الكامن في ضميره الشعبي وبساطته التي هي في ظني طريق إلى فهم السليقة العربية.
> لكنك لا تجد الأمر نفسه تجاه «الشعر الصوفي»، ولا تجد فيه تجربة تستحق الاستثناء وهو مجرد تكرار واستنساخ برأيك؟
- موقفي من الشعر الصوفي ليس موقفاً فنيّاً، فعلى العكس أرى أن التجربة الصوفية لا تصلح إلا ضمن فضاء المجاز الشعري، وهي لذلك تدعم المخيّلة الشعرية بصور فريدة ومبتكرة، وفي ظني أن المجاز في الفكر الصوفي مدخل إبداعي لا شرعي، ويضيف إلى تجربة كل شاعر يمتاح من هذا التراث، لكني مع ذلك أوضحت في مقالة لي بعنوان «المجاز الفخم وإشكالية التماثل» ضرورة أن يتفطّن الشعراء الذين طرقوا هذا الباب إلى التنوّع والثراء والالتصاق بالتجربة الإنسانية حتى لا تؤدي بهم رؤية الفناء إلى الفناء في ذات كليّة فتنطمس التجربة وتتلاشى في نسخة واحدة.
> هل يمكن إقحام النقد الأكاديمي بأدواته العلمية في تناول الشعبي الذي يعتمد السليقة والمعايير الذوقية غالباً؟
- أدوات النقد المنهجي صالحة لمقاربة كل النصوص الشعرية، فصيحة كانت أم عامية، فلا فرق في السياق النقدي بين هذه وتلك، لأنّ الناقد يتفاعل مع نص له عناصره الإبداعية وسياقه الثقافي وفضائه القابل للمقاربة والدرس، والنقد الأدبي يتعامل مع الشعر بوصفه شكلاً جمالياً، كما يتعامل النحّات مع المنحوتات دون النظر إلى المادة المنحوتة، سواء أكانت من حجر خسيس أم نفيس، لأن حكم الناقد متعلّق بالعمل لا بالمادة الخام، وبالتشكيل الفني الذي يحضر في كل النصوص، وإن كان نقد العمل الفخم ينعكس على النقد فخامة وخلوداً، وهذا ما يجعل النقد الأكاديمي بحسب وصفك ينأى عن مقاربة النصوص العامية، وخصوصاً في المؤسسات العلمية كالجامعات ونحوها.
> في طرحك، يمكن ملاحظة دفين بدوي ما، فِيم قد يفيد ويضر ذلك إن صدقت الملاحظة، ولا سيما أن «البداوة» لا تحتفظ بصورة جيدة في الذهنية العلمية؟
- البداوة لها معنيان، معنى شعبي، وآخر قسيم الحضارة بمفهومها الاستيطاني، ويبدو أنك تعني البداوة بالمفهوم الشعبي الذي يتعلّق بالقبيلة، لأن البداوة بمفهومها الثقافي لم تعد حاضرة في المجتمع الثقافي المتمدّن، وسواء عنيت هذا أم ذاك فليس في البداوة ما يمكن اعتباره ساذجاً أو معيباًَ، ولا يكون ذلك إلا في ذهن ضيق الأفق لا يفهم من العلم والمعرفة إلا معنى الاستقرار والتحضر، مغفلاً جانباً عميقاً لا ينبغي إهماله معرفياً وعلمياً وثقافياً.
> في ثورة التقنية التي تنافس الشعر في أداته الرئيسة «الصورة»، هل أصبح الشعر مجرد ممارسة تاريخية لنخبة اللغويين منفصلاً عن الناس وواقعهم؟
- هذا سؤال جيد، ويتضمّن وعياً بالحاضر وبأثر العالم التقني الافتراضي على العالم الواقعي الذي هو في أساسه مادة الشعر وملهمه، والحق أن ثورة التقنية كما وصفت سبب من أسباب شحوب المخيلة الشعرية، وعدم إنتاج تجارب شعرية معجونة بطين الواقع وبالتجربة الإنسانية الحية إلا في ما ندر.
> درست علاقة الحلم بالشعر، كما أنك توظف أدوات تأويل الرؤى في قراءة ونقد النص الشعري، هل الارتباط منطقياً أم تعسفياً؟
- العلاقة بين الحلم والشعر واضحة وضوح الشمس، وأدوات التأويل متقاربة جداً هنا وهناك، ولا أرى في الأمر تعسفاً، فكنت مسبوقاً إلى هذا، وما فعلته علمياً هو توسيع الميدان واستنباط منهج تأويلي منضبط في قراءة النص الشعري وتأويل الرؤى على حد سواء.
> ماذا تعني «الطبعة الأولى» أو باكورة الإنتاج لكل مؤلف وكاتب؟
- فرحة المولود البكر، ودهشة الأشياء الأولى، والشعور بالذات في جسد مطبوع.
> بعد حصول روايتك الثالثة «الساحلي» على جائزة أبها الأخيرة، يبدو أنك بدأت تنحاز أكثر إلى السرد، ولماذا الضوء فيه أكبر؟

- عالم السرد، بصرف النظر عن إنتاجه، عالم يوسّع آفاق الرؤية لدى كل كاتب، وتعاطيه قراءةً أهمّ من المشاركة فيه، لكن المشاركة بالنسبة لي تعني طرح أفكاري ورؤاي في عمل أدبي خارج الإطار العلمي الصارم، كما يساعدني أيضاً على أن أعيش الحياة بشكل أفضل وأجمل، هذه هي جائزة السرد الأولى، أما فوز روايتي «الساحلي» بجائزة أبها فجاءت تبعاً، ولم تكن في الحسبان، لكنها على كلّ حال لا تعني النضج الكامل في كتابة السرد، وفي الوقت نفسه كانت محفزاً كبيراً للتفكير في إنتاج ما هو أفضل وأعمق.



الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...