آخر تحديث: الثلاثاء، ٢٠ يونيو/ حزيران ٢٠١٧ (٠١:٠٠ - بتوقيت غرينتش)جدة - عمر البدوي
{ يحنّ الكاتب الصحافي فاضل العماني إلى الذكريات الرمضانية التي كانت تطل من كل البيوت والنواصي والسكك الضيقة التي كانت تسعنا جميعاً، وينفي أن يكون رمضان مساحة للهدوء من الجدل، بل يتحول هذا الشهر الفضيل إلى بازار كبير وذروة موسمية لعرض كل ما تقذفه تلك البيوت الفنية الكبرى من بضاعة فنية فاسدة وموجهة ورخيصة.
الكاتب القادم من تاروت جزيرة الفرح وأيقونة الجمال كما يحب تسميتها، يعتقد أننا يجب أن نحتفل بتعددنا وتنوعنا، ونعتبره حالة متقدمة من التميز والإبداع والإنجاز، لنكون في «عيشة راضية».
«الحياة» التقت العماني للوقوف على جانب من طقوسه وتقاليده وآرائه في المشهد الثقافي والاجتماعي:
> كيف تقضي يومياتك في رمضان؟ ماذا يتغير لديك من العادات التقليدية؟
رمضان بالنسبة لي، كان ومازال، هو روزنامة الفرح ومساحة الألق. رمضان، على رغم كل ما طرأ عليه من أنماط وثقافات وسلوكيات جديدة وغريبة، لكنه يبقى ألبوم الذكريات وذاكرة الطفولة. منذ سنوات، ورمضان يفقد الكثير من بريقه ووهجه ودهشته، وبخاصة بعد رحيل أمي وأبي. سفرة رمضان التي كانت تعدها أمي (أم عزيز)، صورة لا تكاد تغيب عن قلبي.
> هل تحنّ إلى شيء من رمضان لم تعد تجده الآن؟
يبدو أن الحنين لكل تفاصيل ذلك الزمن الجميل، هو كل ما نملك في حياتنا الراهنة. أحن كثيراً للذكريات الرمضانية التي كانت تطل من كل البيوت والنواصي والسكك الضيقة التي كانت تسعنا جميعاً. أحن كثيراً لتلك العادات الرائعة التي كان يزخر بها رمضان الأمس، جمعة الأهل وزيارة الأقارب وممارسة الألعاب الشعبية ومتابعة الأعمال الفنية الحقيقية. يبدو أنني أحن إلى رمضان آخر، يختلف كثيراً عن رمضان اليوم.
> هل يصح أن يكون رمضان فرصة للهدوء من ضجيج الأيديولوجيات، للسلام، للتعايش مع المختلف؟
على العكس تماماً، فقد تحول هذا الشهر الفضيل إلى بازار كبير وذروة موسمية لعرض كل ما تقذفه تلك البيوت الفنية الكبرى من بضاعة فنية فاسدة وموجهة ورخيصة، وليت الأمر يقف عند هذا، فهناك من يستغل هذا الشهر الكريم لبث سمومه الطائفية ونشر صراعاته البغيضة. فقدنا الهدوء والسكينة والسلام في شهر رمضان، ولعل الأحداث والمواقف والتطورات التي تزامنت مع رمضان الحالي تؤكد على ذلك. كنّا ننتظر رمضان لنُمارس الصوم والعبادة والتقوى، تماماً كما نمارس الفرح والتسامح والبهجة، ولكننا بكل حزن فقدنا كل ذلك.
> ماذا تعني لك «تاروت»؟
- تاروت، جزيرة الفرح وأيقونة الجمال، هي عشقي الحقيقي، وهي الصورة التي كنت أحلم برسمها في وعي الدهشة. تاروت جزيرة حالمة، حط بها طائر الفينيق قبل ٥ آلاف سنة، ولم يبارحها حتى الآن. أن تسكن جزيرة يُصافحها الموج ليل نهار، وتزورها الطيور المهاجرة من كل العالم، وتسمع فيها صوت أذانين متناغمين متسامحين، وتقرأ عنها في كل سجلات التاريخ والحضارة والخلود، فأنت بلا شك محظوظ حدّ الفخر. تاروت الرمز الرائع للتعايش المجتمعي والمذهبي، تستحق أن تُحكى في مسامع الوطن، كل الوطن.
> يبدو أن رياح العلمانية ومستتبعاتها من النظم الليبرالية والديمقراطية تجري بعيداً خارج المنظومة العربية، هل أعلنت هزيمتها في ظل الأوضاع الراهنة؟
يبدو أن هذه المنطقة العربية الطاردة لكل رياح التغيير والتحديث والإصلاح، على موعد دائم مع الصراعات والمواجهات والتحولات التي لا تُفضي لشيء. نحن حتى لم نبدأ بعد في تلك الخطوة التي ينتظرها ألف ميل. أمسكت المجتمعات والشعوب والأمم المتحضرة بطوق النجاة الذي ثبّت بوصلتها باتجاه التحرر والتحضر والتطور، بينما نحن مازلنا في خلاف حاد حول تعريف الليبرالية والديموقراطية والعلمانية! تعلم الآخرون من هزائمهم وخيباتهم فتقدموا وسيطروا، أما نحن فقررنا بكامل وعينا وإرادتنا - هذا إذا كنّا نملك ذلك الوعي وتلك الإرادة - أن نسكن الماضي.
> البعض ينتقد غياب الهوية الوطنية الجامعة لدى السعوديين، البعض يعرف منتسبي المذاهب الأخرى بما خارج الوطنية انتساباً وحقوقاً، إلى أي حد تمتلك «الوطنية» ملامح واضحة لدينا؟
تُبنى الأوطان الحية بسواعد أبنائها بمختلف ثقافاتهم وانتماءاتهم وخلفياتهم. وكلما تم تغليب مصالح الأمة العليا، فوق كل المصالح المذهبية والفئوية والقبلية تحولت هذه الأمة إلى حصن منيع ضد كل مصادر الفتن والمحن. «لا يهم من تكون ولكن الأهم هو ما تقدم للوطن»، تلك هي القيمة الحقيقية لمعنى المواطنة. عندما نحتفل بتعددنا وتنوعنا، ونعتبره حالة متقدمة من التميز والإبداع والإنجاز، فنحن في «عيشة راضية»، أما إذا مارسنا الإقصاء والتهميش والتفريق بين مكونات وتعبيرات الوطن، فنحن حتماً نتجه إلى «الهاوية».
> تتأجج «الطائفية» بشكل غير مسبوق، أين الداء والدواء؟
- الطائفية، كانت ومازالت، التجارة الرابحة التي يبرع فيها عشاق الأضواء والمصالح والنزعات الشيطانية. الطائفية مجرد ذريعة لصراعات وتجاذبات ونزاعات من أجل السلطة والمال والنفوذ. الطائفية مرض عضال، وبخاصة إذا استفحل، ولكنها كبقية الأمراض الأخرى التي تحتاج إلى دواء لا مسكّن. كثيرة هي الأدوية والعلاجات والحلول لهذه الظاهرة الخطرة، وعلى رأسها تجفيف المنابع وليس الاكتفاء بملاحقة البعوض.
> مصطلح «الطابور الخامس» متداول، تتقاذفه أطراف مختلفة في حق بعضها، أنت ممن استخدمت هذا المصطلح في مناسبات مختلفة، من يستحق هذا الوصف برأيك؟
- أنا لم استخدمه، ولكنني اتهمت به ضمن التهم الجاهزة التي يتفنن البعض في تلفيقها ضد كل من يختلف معه. أن تنتمي لمذهب آخر، فأنت طابور خامس. وأن تغرد خارج السرب، فأنت خائن لمجتمعك. وأن ترفع «لا» في وجه كل تلك الـ«نعم»، فأنت تغريبي. وأن ترسم الصورة كما هي، فأنت عين للأعداء. من لا يُريد أن يكون مجرد رقم في هذه الحياة، ومن يعشق السباحة حتى وإن كانت عكس التيار، ومن يؤمن بقيمته كإنسان ويكره أن يكون مجرد صدى، فلن يلتفت كثيراً لكل تلك التهم.
> بخصوص برامج رمضان، أيدت مسلسل غرابيب سود، وانتقدت ظهور فايز المالكي عبر «مجموعة إنسان» ووصفته بالناقم من كل شيء؟
- غرابيب سود، مجرد عمل درامي، كنت أظنه سيؤلم أصحاب الفكر المنحرف، ولكن المحزن في الأمر أن الكثير من المثقفين والمفكرين والكتاب، بل ومن كنت أظنهم وسطيين، هاجموا هذا المسلسل بشراسة لا تخلو من طائفية أو عصبية، تماماً كما لو كان بعضهم يحمل في وعيه بعض هذا الفكر المتشدد.
أما فايز المالكي، فهو أحد نجوم الميديا الجديدة بكل ما تحمله من إيجابيات وسلبيات كطبيعة كل الأشياء. فايز المالكي، الذي كان يمتهن الفن بتلقائية لا تخلو من التهريج، أخذ معه كل ذلك في العمل الخيري والإنساني. بلا شك، هو يقوم بأعمال إنسانية رائعة، ويستثمر شعبيته في «سناب» و«تويتر» وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي في إيصال صوت الفقراء والمحتاجين، ولكنه مازال الممثل المهرج الذي يقول أي شيء ويفعل أي شيء، من دون مراعاة لقيمة وخطورة وتأثير العمل الخيري والإنساني. على كل حال، هو يستحق منا الشكر والتقدير والفخر، وكذلك النقد والنصيحة والتوجيه.
> طالبت غير مرة بتفريغ الكتاب لضمان إنتاج محترف وحقيقي، لكن البعض يشك في وجود كتاب حقيقيين لدينا بما يستدعي تفريغهم للكتابة والنشر؟
- طالبت بتفريغ أو تكليف بعض المثقفين الحقيقيين الذين يملكون القدرة على إنجاز بعض المهمات الصعبة. فلماذا لا يُفرغ أديب أو أدباء عدة لعمل موسوعة ثقافية وطنية؟ ولماذا لا يُفرغ رياضيي أكاديمي لكتابة مسيرة الحركة الرياضية في وطننا؟ ولماذا لا تُفرغ إعلامية متخصصة لعمل برنامج سياحي لإبراز مظاهر السياحة السعودية؟ وهكذا.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق