تهتم بعض المبادرات الاجتماعية، التي تتبناها مؤسسات أهلية أو أفراد، بإضفاء طابع فني على الحارات والأحياء التي تكوّن المدن السعودية، لاسيما القديمة والتاريخية التي كانت نواة لها ومنطلقاً لتوسعها إلى حيث تشرئب جغرافيتها النهمة.
وتقوم تلك المبادرات بتزيين الحارات والتخفيف من تجهمها، ومعالجة مظاهرها العشوائية بما يجعلها أكثر ألقاً وأناقة، مستفيدين في سبيل ذلك من المواهب الكامنة لدى أهل كل حارة وحي في فنون الرسم والتلوين والقدرات التشكيلية لدى أبنائها.
وتحولت بعض حارات مكة وجدة وأبها وجازان والخبر إلى معارض فنية وتشكيلية، كما اكتست ألواناً زاهية ورسومات مشبعة بالجمال والإبداع، يضيف إلى بهجة تلك الشوارع وحميميتها التوظيف العبقري والفني للأدوات المستعملة في شكل من إعادة تدوير المنتجات بشكل إبداعي وملهم.
ولأن تلك الحارات تحتفظ بجزء من تاريخ تلك المدن وقصص ساكنيها التي انطبعت في جدرانها ومنعرجاتها، فإن أبناءها يبادلونها هذه الأمانة الرصينة بالتقدير الكبير، ويكنّون لها الكثير من الحب والامتنان، ما يدفعهم لتبني مبادرات من هذا النوع من شأنها أن تجدد وتنعش هذه العلاقة الأثيرة بشكل مستمر.
مبادرة «الفانوس» واحدة من أكثر تلك المبادرات شهرة وتأثيراً، انطلقت قبل عامين، وأنعشت حارات مكة المكرمة بالألوان المبهجة والرسوم السعيدة، وخلال عيد الفطر المبارك ضاعف شباب المبادرة من جهودهم بعد أن لقيت صدى وقبولاً لدى أهالي مكة المكرمة وحاراتها العتيقة.
المبادرة التي انطلقت من حارة الأشراف بحي المسفلة، انتقلت لتزين بقية حارات المدينة بجهود ذاتية، وبالاستثمار في مواهب شباب الحارات ممن يجدون في الرسم والتلوين وبقية صور الفن التشكيلي متعتهم وفرصتهم لخدمة محيطهم، وكان لهم ذلك عبر هذه المبادرة المميزة، التي تهتم بمعالجة الحارات والأحياء العشوائية.
ويؤكد الشباب ممن يوظف مواهبه في إطار هذه المبادرة، أنهم يحاولون استخدام الألوان الأكثر بهجة، تلك التي تترك أثراً إيجابياً في نفوس ساكني الحي ومرتاديه، كما يبهج الأطفال ويساعدهم على قضاء أوقاتهم باستمتاع واستئناس كبيرين، بدلاً من البقاء في بيوتهم حبيسي الهواتف والشاشات، لاسيما وأن الحارة تلعب دوراً حقيقياً في تشكيل أذهانهم وذكائهم الاجتماعي، وأن المبادرة ضمن ما تهدف إليه إعادة الاعتبار لقيمة الحارة في نفوس الأهالي، ودورها في تشكيل هوية المدينة.
في مدينة جدة، تعودت حاراتها على استقبال المواسم الدينية والوطنية بفرح كبير، المنطقة التاريخية لجدة ما زالت تحتفظ بتقاليدها التاريخية في استقبال رمضان والعيد والحج والصيف والشتاء، يقول ساكنو تلك الحارات والمدن التاريخية بلهجتهم المعجونة بألوان الناس كلهم، إن البهجة والفرح بحلول المواسم ونزولها ثقافة، وما زالت هذه الثقافة حاضرة جيلاً بعد آخر، إذ تغير المواسم الحارات والطباع والنفوس، والحارات المضاءة والمشرعة بأدوات الزينة ما هي إلا انعكاس لبهجة النفوس وانخراطها في هذه المواسم وعلى منوالها.
في منطقة جازان جنوب السعودية، ينظم أحد الأحياء فيها منافسة بين الحارات للظفر بلقب أجمل حارة، وهي تعيش هذا العام موسمها الثالث، وتنظمه لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية بمركز الشقيري. ويتعاون أبناء كل حارة على تزيين حارتهم وإنارتها وتركيب الأعلام واللوحات الإرشادية على المنازل، وعمل تصاميم ومجسمات مبتكرة غلب عليها في هذه السنة الطابع العسكري، تضامناً منهم مع «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل»، ليسجلوا وقفة مع الجنود المرابطين على الحدود الجنوبية. واكتسى أبناء الحارات الزي العسكري وصمموا مدافع ودبابات تعكس مدى تضامنهم، وبدأت في الاستعداد والتجهيز منتصف شهر رمضان الماضي، وخلال يوم العيد حضر أعضاء اللجنة المشرفة لتقييم الحارات واحتساب النقاط الموضوعة مسبقاً على بنود المسابقة.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق