التخطي إلى المحتوى الرئيسي

«حارات» المدن السعودية تتزين بمبادرات شبابية فنية وتشكيلية


آخر تحديث: الإثنين، ١٠ يوليو/ تموز ٢٠١٧ (٠١:٠٠ - بتوقيت غرينتش)جدة - عمر البدوي 

تهتم بعض المبادرات الاجتماعية، التي تتبناها مؤسسات أهلية أو أفراد، بإضفاء طابع فني على الحارات والأحياء التي تكوّن المدن السعودية، لاسيما القديمة والتاريخية التي كانت نواة لها ومنطلقاً لتوسعها إلى حيث تشرئب جغرافيتها النهمة.
وتقوم تلك المبادرات بتزيين الحارات والتخفيف من تجهمها، ومعالجة مظاهرها العشوائية بما يجعلها أكثر ألقاً وأناقة، مستفيدين في سبيل ذلك من المواهب الكامنة لدى أهل كل حارة وحي في فنون الرسم والتلوين والقدرات التشكيلية لدى أبنائها.
وتحولت بعض حارات مكة وجدة وأبها وجازان والخبر إلى معارض فنية وتشكيلية، كما اكتست ألواناً زاهية ورسومات مشبعة بالجمال والإبداع، يضيف إلى بهجة تلك الشوارع وحميميتها التوظيف العبقري والفني للأدوات المستعملة في شكل من إعادة تدوير المنتجات بشكل إبداعي وملهم.
ولأن تلك الحارات تحتفظ بجزء من تاريخ تلك المدن وقصص ساكنيها التي انطبعت في جدرانها ومنعرجاتها، فإن أبناءها يبادلونها هذه الأمانة الرصينة بالتقدير الكبير، ويكنّون لها الكثير من الحب والامتنان، ما يدفعهم لتبني مبادرات من هذا النوع من شأنها أن تجدد وتنعش هذه العلاقة الأثيرة بشكل مستمر.
مبادرة «الفانوس» واحدة من أكثر تلك المبادرات شهرة وتأثيراً، انطلقت قبل عامين، وأنعشت حارات مكة المكرمة بالألوان المبهجة والرسوم السعيدة، وخلال عيد الفطر المبارك ضاعف شباب المبادرة من جهودهم بعد أن لقيت صدى وقبولاً لدى أهالي مكة المكرمة وحاراتها العتيقة.
المبادرة التي انطلقت من حارة الأشراف بحي المسفلة، انتقلت لتزين بقية حارات المدينة بجهود ذاتية، وبالاستثمار في مواهب شباب الحارات ممن يجدون في الرسم والتلوين وبقية صور الفن التشكيلي متعتهم وفرصتهم لخدمة محيطهم، وكان لهم ذلك عبر هذه المبادرة المميزة، التي تهتم بمعالجة الحارات والأحياء العشوائية.
ويؤكد الشباب ممن يوظف مواهبه في إطار هذه المبادرة، أنهم يحاولون استخدام الألوان الأكثر بهجة، تلك التي تترك أثراً إيجابياً في نفوس ساكني الحي ومرتاديه، كما يبهج الأطفال ويساعدهم على قضاء أوقاتهم باستمتاع واستئناس كبيرين، بدلاً من البقاء في بيوتهم حبيسي الهواتف والشاشات، لاسيما وأن الحارة تلعب دوراً حقيقياً في تشكيل أذهانهم وذكائهم الاجتماعي، وأن المبادرة ضمن ما تهدف إليه إعادة الاعتبار لقيمة الحارة في نفوس الأهالي، ودورها في تشكيل هوية المدينة.
في مدينة جدة، تعودت حاراتها على استقبال المواسم الدينية والوطنية بفرح كبير، المنطقة التاريخية لجدة ما زالت تحتفظ بتقاليدها التاريخية في استقبال رمضان والعيد والحج والصيف والشتاء، يقول ساكنو تلك الحارات والمدن التاريخية بلهجتهم المعجونة بألوان الناس كلهم، إن البهجة والفرح بحلول المواسم ونزولها ثقافة، وما زالت هذه الثقافة حاضرة جيلاً بعد آخر، إذ تغير المواسم الحارات والطباع والنفوس، والحارات المضاءة والمشرعة بأدوات الزينة ما هي إلا انعكاس لبهجة النفوس وانخراطها في هذه المواسم وعلى منوالها.

في منطقة جازان جنوب السعودية، ينظم أحد الأحياء فيها منافسة بين الحارات للظفر بلقب أجمل حارة، وهي تعيش هذا العام موسمها الثالث، وتنظمه لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية بمركز الشقيري. ويتعاون أبناء كل حارة على تزيين حارتهم وإنارتها وتركيب الأعلام واللوحات الإرشادية على المنازل، وعمل تصاميم ومجسمات مبتكرة غلب عليها في هذه السنة الطابع العسكري، تضامناً منهم مع «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل»، ليسجلوا وقفة مع الجنود المرابطين على الحدود الجنوبية. واكتسى أبناء الحارات الزي العسكري وصمموا مدافع ودبابات تعكس مدى تضامنهم، وبدأت في الاستعداد والتجهيز منتصف شهر رمضان الماضي، وخلال يوم العيد حضر أعضاء اللجنة المشرفة لتقييم الحارات واحتساب النقاط الموضوعة مسبقاً على بنود المسابقة.



الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...