جدة - عمر البدوي
كانت الإنترنت وما زالت فتحاً وفرصة على طبق من ذهب للفئات الاجتماعية التي كان صوتها يختفي في نسيج متماسك يهضم الفردية والتمايز الثري والمتنوع، قبل أن تتلمس تلك الفئات طريقها إلى النور مجدداً عبر فضاءات افتراضية.
الكاتبة الصحافية سكينة المشيخص تقول: «العالم الافتراضي كسر كثيراً من الحواجز النفسية لإظهار القدرات وفتح باب التعبير الحر عن النفس، لذلك استفادت فتيات كثيرات منه لتقديم مواهبهن واكتشاف الذات وتطوير الإمكانات الفردية، خصوصاً أن مساحات العالم الواقعي ضيقة ولا تمكنهن من إظهار ما لديهن... أو يترددن ويخفن من الفشل وخوض التجارب الضرورية لإثبات النفس».
وترى المشيخص أن ذلك العالم (الافتراضي) فرصة مثالية للخروج من دائرة الانغلاق إلى آفاق جديدة تُمارس فيها المرأة دورها المنقوص في عالم الواقع الذي ثبط همم كثيرات وحرمهن حقوقهن في أن يطورن أدواتهن الفكرية والثقافية التي تحتاج إلى عمليات تفاعل، كلما اتسعت، اتسع النطاق الفكري والثقافي للفرد. لذا، تعتقد أن استثمار العالم الافتراضي بصورة جيدة يفي بغرض الحضور الإنساني والمعرفي وتأكيد الذات والثقة في النفس، وأن في إمكان كل واحدة تمتلك موهبة وقدرة خاصة أن تقدمهما وتطورهما وتفيد بهما نفسها ومجتمعها.
فالفضاء الافتراضي كان فرصة ثمينة لتدشين مشاريع رائدة تنتظم أصوات النساء لتضج بالإبداع والتميز، وهو الأمر الذي يمكن تلمسه في مجلة «جهنمية»، وهي مبادرة لدحض الأفكار المسبقة والمعلبة التي روجها بعض المستشرقين عن النساء في الشرق الأوسط، وفي السعودية تحديداً.
«جهنمية» هي مجلة فصلية ثقافية إلكترونية تصدرها نساء سعوديات، بالتعاون مع فنانين ومصممي غرافيك من المنطقة، وترمي المجلة التي تصدر بالإنكليزية والعربية إلى إبطال الصور النمطية التي تطبع المرأة السعودية وتجربتها الحياتية في الإعلام الغربي، وتقديم صورة مغايرة لها. وتمنح المجلة هذه السعوديات منبراً للحديث عن أنفسهن بأصواتهن، والتعبير بحرية عن تجاربهن المختلفة، وخياراتهن من طريق السرد القصصي.
في مدينة جدة وأمام حشد كبير من الفتيات والسيدات اجتمعن في مركز البداية للرضاعة الطبيعية وتوعية المرأة أعلنت المبتعثة السعودية، عهد نيازي، في كلمتها الافتتاحية، تدشين الانطلاقة الأولى لمجلتها الإلكترونية «جهنمية»، وهي أول مجلة إلكترونية أدبية وفنية اقتصرت المشاركة فيها على أقلام السعوديات.
صاحبة فكرة مجلة «جهنمية» السعودية عهد نيازي تدرس في تخصص الكتابة الإبداعية بإحدى الجامعات الأميركية، وترأس تحرير المجلة التي تُعنى بمحاولة فهم أفضل لثقافة المجتمع من وجهة نظر المرأة السعودية، وإظهار ثراء اختلاف الرأي في العادات والتقاليد في المجتمع السعودي.
تصدر المجلة في أربعة أعداد فصلية سنوية، ويبحث كل عدد موضوعاً مختلفاً تدور عليه إبداعات المشاركات، وتنشر «جهنمية» أعمالاً أدبية إعلامية وفنية وشعراً ونثراً، إذ يتناول كل عدد شؤون المرأة السعودية في شكل مباشر، وأصدرت المجلة عددين: أولهما في آب (اغسطس) 2015 بعنوان «قهوة عربية»: فمنذ القدم كانت ولا تزال القهوة العربية رمز الضيافة والكرم في جزيرة العرب، في جميع المناسبات الاجتماعية، في الفرح أو الحزن، في اوساط الفقراء والأثرياء، ومع القريب والغريب، تحضر دائماً القهوة العربية. واختارت «جهنمية» أن ترحب بقرائها على الطريقة العربية بتقديم فنجان قهوة كعنوان افتتاحي لباكورة أعدادها.
وثانيهما مطلع 2016 بعنوان «اسمِك»، باعتبار ما لأسمائنا من طابع مقدّس وفق رأي تحرير المجلة، فهي أول ما نعرفه عن أنفسنا والآخرين، كما أنها تعتبر جزءاً أساسياً من حياتنا وشخصيتنا التي لا يمكننا أن ننفصل عنها أو أن نتجاهلها. ففي المجتمع السعودي أحياناً يكون تداول اسم المرأة غير مقبول ومرفوضاً بشدة. وسعى العدد الثاني من «جهنمية» الى فهم أعمق لعلاقة النساء بأسمائهن، وكيفية تأثير هذه الأسماء على جوانب حياتهن المختلفة ومدى تأثيرها في شخصياتهن. ويعمل فريق عمل «جهنمية» هذه الأيام على استقبال المشاركات الراغبات في النشر عن الموضوع المطروح، عبر إرسال قصصهن الشخصية مع الرجال في حياتهن لعدد خاص من المجلة.
الروائية سالمة الموشي لم تعد ترى مساحات الإنترنت افتراضية بقدر ما أصبحت عالماً جاداً، يعتد به، ومتنفساً، بل يكاد يكون المتنفس الوحيد للمرأة السعودية، وهي التي ليس لديها الكثير من المنابر لتظهر فيها مواهبها وإمكاناتها وتجد فيها مبتغاها من نشاط أو معرفة أو حضور.
المرأة كما تقول الموشي بطبعها ذكية وتجيد استثمار الفرص وتوظيفها لتحسين حياتها وإمكاناتها. ولذا، فإن النساء من مختلف الشرائح والأعمار والتوجهات سلكن الطريق إلى العالم الافتراضي وقمن بترسيخ وجودهن فيه، فحازت بعضهن منصات على «السوشل ميديا»، ولهن جمهور عريض ويقمن باستثمار وجودهن بالعالم الافتراضي والدخول في مجال الإعلانات والتسويق. أما على مستوى التجارة الإلكترونية، فبادرت نساء وفتيات الى توظيف إمكانات العالم الافتراضي لتغيير حياتهن وإنشاء استثمارات عديدة وجادة على «إنستغرام» كمثال، حتى أنه أقيم لهن تجمع على أرض الواقع، قبل وقت قريب، عرف بتجمع تاجرات «إنستغرام». وتضيف الموشي: «نعم، وظفت المرأة العالم الافتراضي لطرح أفكارها وقضاياها المصيرية والمجتمعية».
عندما بلغت «خلود عطار» 24 عاماً أسست شركة تنضوي تحت مظلتها المجلة الأولى في المملكة في مجال التصميم، لتصدر عددها الأول في 2008، وتطبع باللغتين العربية والإنكليزية.
خلود تحمل البكالوريوس في تصميم الغرافيك من جامعة دار الحكمة بجدة، وبعدها دخلت مجال الأعمال، وقبل ذلك بذلت مجهوداً كبيراً في فن تصميم الشعارات ومجالات أخرى، ولكنها تفقد المرجعية التي تضم أطراف هذ الفن الذي شغفت به كثيراً. وتأثرت خلود بمجموعة الأفكار التي يقدمها المصورون والمصممون والكتاب العاملون في هذا الحقل، فقررت الانطلاق بمشروعها الفني الفتيّ الذي يقترب الآن من سقف العدد الـ50 من عمر المجلة التي حصلت وصاحبتها على جائزة رواد الأعمال الأكثر إبداعاً في مجلة «فوربس». وواجهت كثيراً من المصاعب والمتاعب في بدء مسيرة المجلة، فأصيبت بإحباط شديد وشعرت برغبة في الاستسلام لكنها جبهت المشاعر السلبية وهزمتها في سبيل الهدف الذي تنشده.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق