جدة – عمر البدوي
ثلاث مرات يصاب فيها الرقيب حامد الفيفي ثم يعود بعدها أكثر نشاطاً وهمة لمواصلة جهده الحربي والعسكري في مواقع الواجب الدفاعي عن الوطن، في حربه الشرسة ضمن التحالف العربي ضد ميليشيات الحوثي والرئيس المخلوع علي صالح.
غير أن المرة الرابعة التي أصيب فيها كانت القنطرة الأخيرة إلى الدار الآخرة وتضمين اسمه شهيداً على جبين التاريخ الذي يحتفظ بتضحياته ومواقفه البطولية التي يرويها زملاؤه ورفقاء سلاحه.
بعد عودته من إصابته الثالثة، قضى أسبوعاً واحداً في منازل القتال قبل استشهاده، إذ قام بتغطية عمل زميله يوم الخميس الذي ينطوي على قصة رحيله بعد أن طلب منه زميله تعويض غيابه لظروف أسرية ألمت به، فأبدى الفيفي موافقته كما عهد عنه.
أصيب أحد زملائه المرابطين برصاصة قناصة قبل أذان المغرب، فهرول إليه الفيفي وهو يضم إلى يده وجبة الإفطار، وما إن وصل الموقع لإنقاذ زميله المصاب حتى بادره الحوثي بإطلاق النار عليه، ما أدى إلى إصابته وإسعافه إلى المستشفى وهو يردد الشهادة قبل أن تغادر روحه المعلقة بأرض المعركة عند باب المستشفى.
طوى القدر قصة الشهيد حامد بن محمد قاسم المثيبي الفيفي التي بدأت في الخطوط الأمامية لمنطقة «الرمضة» مقابل منفذ الطوال الحدودي في مواجهات مترددة مع مسلحي مبنى الأمن السياسي اليمني المحتل من ميليشيات صالح والحوثي.
مكث في المهمة شهرين من دون مواجهات مباشرة أو خروقات قبل التوجه إلى موقع «أبوالرديف» العام الماضي الذي كان جبهة مشتعلة ومسرحاً للالتحام مع العدو، كان في حينها رجلاً لا يهاب الموت جل كلامه عن الشهادة والدفاع عن العقيدة والوطن، وكانت كلماته محفزاً لزملائه.
يتذكر زميله عبدالمحسن موقفه الرجولي عندما ترجل من الدبابة حاملاً سلاحه وقطع مسافة على الأقدام لينقذ أفراداً كانوا محاصرين، ويقترب العدو منهم، إلا أنه تبادل معهم إطلاق النار وقتل من قتل وتمكن بفضل الله من إنقاذهم وذلك بشهادة كل الزملاء.
ويضيف: «طلب منا في إحدى الليالي الدخول إلى مواقع من القيادات وكانت المواقع محتشدة بالقوات المعادية، وكان هناك نقاش حول من يدخل لأن الموقف خطر، وبادر الفيفي بإبلاغ المسؤولين بالدخول واحتلال الموقع في ذلك الليل الدامس مع زخات المطر وبمسيرة على الأقدام قرابة خمس ساعات بين الأودية والشعاب».
استمر تمركزهم الناجح في الموقع أشهراً، يناوشهم فيه العدو الحوثي في كل مرة ويخفق في وجه الرقيب الفيفي وزملائه، توجه بعدها إلى جبهة «الحثيرة» التي كانت آخر الشاهدين على بطولات الفيفي.
قبل وفاته وخلال الأيام الأولى من شهر رمضان استطاع الرقيب الفيفي برفقة مجموعته المغامرة الإيقاع بأكثر من 10 قتلى في صفوف العدو من بينهم قيادي كبير، تسبب ذلك في تنامي الغضب واشتعال الثأر في قلوب أعدائهم وبادلوهم برمي كثيف للنار ولكن نتائجه كانت مخيبة لهم وفرصة لاستبسال مجموعة الفيفي المقاتلة، وأصيب خلال صده هجوم الحوثيين ورفض الانسحاب أو مناداة المسعفين حتى انتهاء المهمة، وبعد ساعات انتقل لمعالجة إصابته وامتنع عن مواصلة العلاج والوفاء بموعد الطبيب حتى يتمكن في اليوم الثاني من العودة إلى زملائه ومواصلة صد هجوم الحوثيين.
كان الفيفي يحكي لأمه هول ما يحدث على الجبهات ثم يغادرها إلى الحدود محفوفاً بدعواتها، كثيراً ما حوصر واستطاع ببسالة إنقاذ زملائه من قبضة العدو على رغم إتلاف آلياته أحياناً من شدة الاشتباك، وخلال المعارك المتفرقة أصيب في كل طرف من جسده تقريباً وفي أوقات متباعدة، استشهد عدد من أصدقائه وزملائه خلال مناسبات القتال أمام عينيه ولم يستسلم، في كل يوم يجري اتصالاته ببقية إخوته الأربعة المشاركين في القتال على جوانب مختلفة من الحدود السعودية - اليمنية.
كان الشهيد ذا أخلاق عالية وكرم واسع مع زملائه وأهل بيته، ترك خلفه سبعة من البنات أكبرهن لم تتجاوز الـ16 عاماً، وكان باراً بأمه ويلبي كل حوائجها، ومعطاءً في أسرته وأهله بعد أن مات والده منذ عام وكان لها أباً ومعيلاً وكافلاً.
يتمنى شقيقه عبدالعزيز إلحاقه إلى خميس مشيط ليتكفل بأسرة الشهيد، ويرعى شؤون أهله، بعد أن ترك حامد فراغاً واسعاً لا يسده أحد، وفي ظل اشتغال بقية الذكور من العائلة في جبهات القتال المختلفة.
في مستشفى أحد المسارحة دخل عيسى لإلقاء النظرة الأخيرة على جسد شقيقه الشهيد حامد الفيفي، وكان النور بادياً على وجهه، وفي كل طرف من جسمه أثر لموقعة أو ندبة لإصابة.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق