جدة - عمر البدوي
{ يطالب أستاذ الدراسات اللغوية رئيس نادي القصيم الأدبي الدكتور حمد السويلم بالحديث عن المسؤولية قبل الحرية، معتبراً أنها الوعي الذاتي لدى المبدع بدوره التنويري. ودعا السويلم إلى أن ينهض المثقف بواجبه تجاه المرتكزات الرئيسة للمجتمع، مؤكداً في حوار مع «الحياة» أن دعم الدولة للشأن الثقافي لا يزال دون المأمول، لكنه يعقد آمالاً على إنشاء هيئة للثقافة، وإن بقي الطموح كبيراً في قرار يليق بالثقافة، وهو إنشاء وزارة معنية بالشأن الثقافي وحده، بعد أن ملّت الثقافة من التبعية. فإلى نص الحوار:
> قلت مرة إنك تفاجأت في أمسية نظمها مهرجان «الجنادرية» في إحدى دوراته السابقة وأقيمت في نادي القصيم بأن بلادنا غنية بالإبداع وثرية بالمبدعين، وأن الشعر العربي أخذ يعود إلى منابته الأولى، هل رحل الشعر عن منابته ليعود؟
- الشعر يرتبط بالإنسان وبالأرض أكثر من ارتباطه بالحدث التاريخ أو المناسبة الآنية، والإنسان العربي نبت في هذه الأرض، حيث كانت الجزيرة العربية المهد الذي احتضن العرب في عصورهم الأولى، وكان الشعر الغنائي من أوائل الأجناس الأدبية التي اصطفاها العرب للتغني بذواتهم. وسادت في الجاهلية وصدر الإسلام حركة شعرية ثرية تمثل المعلقات أسمى نماذجه، وحينما انتقل المركز السياسي من المدينة المنورة إلى دمشق في العصر الأموي، ثم بغداد في العصر العباسي انتقل التوهج الإبداعي إلى حيث السلطة السياسية، وران على الجزيرة العربية قرون من التخلف الإبداعي.
لكن هذا الحراك الإبداعي الذي بدأنا نشهده منذ نصف قرن والذي بلغ حداً من الثراء والتنوع في هذين العقدين الأخيرين يؤكد أن الوطن مقبل على نهضة إبداعية ثرية، وآية ذلك هذا الإقبال الكبير على معارض الكتاب، وهذه الأمسيات التي تعمر المنتديات والمحافل.
> هل ستكون قصيدة النثر هي الجنس الأدبي المقبل ليحتل الصدارة في مجتمعات تناثرت فيها القيم، واختلت بعض الأنظمة ودبت فيها الفوضى غير الخلاقة؟
- حديثي عن قصيدة النثر جاء في سياق ندوة اشتركت فيها مع الناقد المعروف الدكتور حسن الهويمل، وهو من المنتصرين للشعر التقليدي، ويرى أن قصيدة النثر هجين لا يملك هوية، وخالفته في ذلك، إذ رأيت أن من حق المبدعين التجريب في أجناس أدبية جديدة تثري فن الأدب، وأنا لست مع أو ضد قصيدة النثر، وأي أثر أدبي يحقق الشرط الجمالي ويحمل رؤية إنسانية، فهو مقدر عندي حتى لو خرق أفق الانتظار والتوقع. وكنت منذ سنوات أتطلع إلى أن تتبوأ قصيدة النثر مكانة مرموقة، لكن حتى الآن لم تصل إلى مستوى يؤهلها إلى ذلك، ربما لصعوبة وتعقد تقنياتها، فهي تنعتق من الوزن لتؤسس شعرية خاصة تنبثق من تكثيف اللغة.
> في ملتقى الكتّاب السعوديين الثاني الذي نظمه نادي الشرقية الأدبي أخيراً، قلت: «قبل الحديث عن الحرية لا بد من أن نتحدث عن المسؤولية». ألا تعتقد أن المسؤولية قد تكون كلمة اعتذارية غير مناسبة في مناخات بخيلة بالحرية لدينا؟
- المسؤولية التي أقصدها هي وعي ذاتي لدى المبدع بدوره التنويري، ولا أعني تملق المثقف للمجتمع أو الخنوع للسلطة، بل أن ينهض المثقف بواجبه تجاه المرتكزات الرئيسة للمجتمع. لا شيء يزين المثقف ونتاجه مثل الحرية وروح المسؤولية والإرادة الصلبة التي لا تستسلم لشيء، إلا للحق ولكل ما هو صحيح من رؤى وأفكار. والمبالغة في التخلي عن المسؤولية سيجور على الحرية، حيث ستتحول الحرية إلى انفلات محموم، ولا أتفق معك بالقول إن المناخات بخيلة بالحرية، فنحن في السنوات الأخيرة انفتحنا على وسائل تواصل متعددة، وقد تتأبى هذه الوسائل على قيود الرقيب، فالفضاء الثقافي أصبح متعدد الأبعاد، وإذا أغلق أفق انفتحت أمامه آفاق.
> قلت أيضاً: «لا بد من احتياط الكاتب في حديثه عن القضايا التي يستغلها العدو»، ماذا كنت تقصد؟
- نعم، هناك أعداء لنا يتربصون بأية مقالة أو تغريدة يمكن أن تخدم أغراضهم، ومع الأسف أن هؤلاء الأعداء استغلوا سذاجة بعض الكتاب، ووظفوا كتابات وتغريدات كتبها أبناء الوطن ضد الدولة وضد المجتمع وضد ثوابتهما.
> نادي القصيم الأدبي تمكّن بصعوبة وبفضل مكرمة ملكية من تسديد بعض مستحقات المقاول للانتقال إلى مقره الجديد، هل تعاني الثقافة من ضعف الدعم والتمويل، وهل فقرها يؤثر في توجهاتها واستقلالها ومن جهة في نشاطها وإنتاجها؟
- نعم، ما زلت أقول إن دعم الدولة للشأن الثقافي لا يزال دون المأمول، وأشار إلى ذلك ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في حديثه عن خطة الدولة في التحول، ونؤمل بأن يكون هذا التصريح بداية تحول في نظرة الدولة للثقافة. وإنشاء هيئة للثقافة أمر جيد، بيد أننا نطمح إلى قرار يليق بالثقافة، وهو إنشاء وزارة معنية بالشأن الثقافي وحده. لقد ملّت الثقافة هذه التبعية، فهي كانت تابعة للرياضة تحت مظلة هيئة الرياضة والشباب، ثم غدت تابعة للإعلام، فمتى يكون للثقافة وزارة مستقلة؟
> انتقدت ركض الجامعات السعودية خلف مؤسسات الاعتماد الأكاديمي، وعن جدواه على التطوير الفعلي للجامعات والرقي بمستوى طلابها، ألا تعتقد أن الاعتماد نزيه ويدعم الاعتراف بجهود الجامعات ومستوياتها؟
- كان انتقادي لبعض الجامعات السعودية في البحث عن رضا مؤسسات الاعتماد الأكاديمي نابعاً من قناعاتي بأن تحقيق الرضا الذاتي والارتفاع بالعمل الأكاديمي إلى مستوى طموح الدولة والمجتمع أهم من نيل تصنيف آني تقوم به أحياناً مؤسسات ضعيفة تستغل الجامعات في بدعة الاعتماد الأكاديمي، وهي تعتمد على معايير غير متوافقة مع بعض التخصصات في جامعاتنا السعودية. ومارست العمل الأكاديمي إدارياً و محاضراً ما يزيد على ربع قرن، ووجدت أن مخرجات التعليم الجامعي تدنت حينما ظهرت بدعة الاعتماد، لأن الجامعات انشغلت بالشكليات بدل الاهتمام بالوظائف الرئيسة للجامعة، كالاهتمام بالعنصر المستهدف وهو الطالب، ثم تعزيز المراكز البحثية وخلق بيئة علمية حية.
> أنشأ نادي القصيم الأدبي جائزة خاصة للتميز النسائي بقصد تكريم المرأة وتقدير منتجها العلمي والإبداعي، هل هي جائزة للعزلة والفصل أكثر منها للتقدير والاحتفاء حتى لو من دون قصد؟
- أنشأ نادي القصيم الأدبي بالشراكة مع بنك الرياض جائزة للتميز النسائي، وهي الجائزة الوحيدة التي تخص بها المرأة في ما أعلم. وأثارت هذه الجائزة منذ أن أعلنا عنها ردود أفعال مؤيدة ومعارضة، ونحن نريد خلق مثل هذا الحراك. وهدف الجائزة التقدير والاحتفاء وليس العزل والتمييز. والدليل أننا نجد العالم المتحضر يخصص يوماً عالمياً للمرأة، وهناك جوائز في أوروبا و أميركا خصت بها المرأة.
> توقفت مرة عن التغريد استجابة لتوجيه نبوي كريم «ودع عنك أمر العامة» عند وقوع الفتن، هل ينبغي للمثقف أن يستقيل في وقت تحتاج إليه الشعوب لقيادتها والاستضاءة بمواقفه وأفكاره؟
- حينما توقفت عن التغريد في فترة كثر فيها الهرج والمرج لا يعني ذلك أن المثقف عليه التوقف حينما تستفحل الفتن، وإنما عليه الانتظار حتى يستبصر الأمر وتتضح أمامه الرؤية. فالمثقف الحقيقي يتحدد دوره التنويري من خلاله وعيه الخاص، وبالتالي عليه أن يتريث ويتأمل كل أبعاد الموقف.
> كتبت مرة عن ملاحظة أن النخب المثقفة لم يعد لها التأثير الكبير في القرارات السياسية، ولم يعد لها الدور الفاعل في مساعدة الأمة على تجاوز المحن الطارئة، منذ متى كان للنخب هذا الدور في عالمنا العربي أو الإسلامي وفقدته؟
- ما يسمى بالربيع العربي يمثل تحولاً سريعاً صنعته مجتمعات مقهورة. ووجد المثقف العربي نفسه على محك اختبار حاسم، فإما أن ينضم إلى حشود المجتمع أو أن يقف مع السلطة أو يكون في الحياد. والتحولات السياسية قد تأتي مفاجأة، بينما التحولات الثقافية تخضع لقانون التحول البطيء، ومن هنا نجد أن غالبية المثقفين العرب وقفوا حائرين، فالمتغيرات المتسارعة لم تترك لهم فرصة التروي والتفكير.
> تعاني بعض الأندية من مواقف متشددة وتحفظات تصل أحياناً إلى مشاهد للاقتحام والمطاردة، هل يعاني نادي القصيم أي نوع من هذه المواجهات أم يمارس عمله في سياق رعاية التوجهات المتعددة وربما مهادنتها؟
- المشكلات التي تنشأ في الأندية الأدبية إما أن تكون مشكلات داخلية مبعثها خلافات بين أعضاء مجلس الإدارة، أو مشكلات خارجية طرفاها النادي من جهة والمجتمع من جهة أخرى. ونحن في نادي القصيم الأدبي لم نتعرض لأي نوع من الصراع أو المواجهة.
حدثت بعض الأمور الخفيفة في بداية دورة المجلس الحالي، لكننا استطعنا استيعاب الموقف، وحولنا الاختلاف إلى تكامل، والذي يعمل في مؤسسة ثقافية وفي مجتمع محافظ عليه أن يكون مثل لاعب السرك الذي يمارس حركاته بمهارة وتوازن، فلا يتعرض للسقوط.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق