جدة - عمر البدوي
قضى الشيخ عمر بن محمد المتحمي قرابة 45 عاماً كإمام وخطيب لجامع بلدة الصفة جنوب محافظة القنفذة، قبل أن يغادره لكبر السن ووهن العظم وعينيه تغرورق بالدموع في لحظة شهدتها أجيال متصلة من المجتمع عاصرت لحظاته المختلفة على منبر الجمعة، ويوم وداعه حضر الجميع محملين بالهدايا يعبرون عن بعض شكرهم وتقديرهم للعمر الذي قضاه خطيبهم على المنبر يعظهم ويوجهم ويقاسمهم هموم المجتمع على مرّ الأجيال.
80 رمضاناً أو تزيد قضاها الشيخ عمر المتحمي على وجه الأرض، عاصر فيها أجيالاً مختلفة ووقف على حجم التبدلات الاجتماعية خلال رمضان من أقصى العفوية والبساطة التي كانت تكسو لياليه، حتى مشارف البذخ والتعقيد التي تكبله هذه الأيام.
يحن إلى الأجيال التي كانت تملأ المسجد بالصلاة وتلاوة القرآن، قبل أن يحين جيل منكب على هواتفه ومستغرق فيه، جيله الذي كان يقاوم للبقاء أطول ما يستطيع من الوقت في المسجد بين صلاة وتلاوة وذكر مع نية صالحة وطوية لا يخالطها الحسد والشك والغيرة، ويتمنى لو زار أبناء هذا الجيل طيف من تلك السماحة القديمة والعفوية البسيطة. كان صوت الشيخ عمر المتحمي بالأذان والصلاة ينطلق في الأرجاء كعلامة لازمة لليالي الشهر، وكان دعاء القنوت خاصته محفوظاً في صدور أبناء البلدة ومحفوفاً بالتقدير، قبل أن يخفت بمرور الوقت بعد أن أوهنته أعباء الحياة وأثقله العمر، ثم انقطع تماماً بقرار الاستقالة وانسحب رويداً رويداً من واقع الناس وكمن في ذاكرتهم، تحثه الليالي الرمضانية الدافئة كل عام مرتبطاً بكل الماضي الجميل.
وفي الوقت الذي كانت تحيط بمسجد الشيخ عمر عشرات المساجد الصغيرة بين الحارات وداخل الأحياء، كان أبناء جيله ممن علاهم الشيب وجعد الوقت ملامحهم، لا يفطرون ولا يكفون عن الطعام إلا على وقع أذانه وأثير تكبيره، إذ لا يقنعهم ولا يملأهم يقيناً إلا ذلك الصوت الهادئ الذي يصدح بشعار الحق في آذانهم وكأنه الوفاء لنداء الماضي وصوته في أعمق معانيه.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق