جدة - عمر البدوي
يذرع «محمد السلمي» أميال الصفا والمروة بنشاط على رغم تقدمه في العمر، منذ 20 عاماً وهو على هذا الحال، إذ يستقبل زوار الحرم المكي ببشاشة لم تغيرها ملامح كبر السن، ولا الشيب الأبيض، ويبدأ في مفاوضة زبائنه بناء على شدة الزحام وذروة الوقت.
التقت به «الحياة» وهو صائم يرتدي سترة العمل المخصصة لدافعي العربات، وينتظر في صف طويل من زملائه زبونه المقبل، وهم عادة كبار السن أو البدناء أو من يعاني أمراضاً تعوقه من أداء العمرة على قدميه، وقليل جداً من يختار العربة من واقع ترفه وهرباً من المشقة.
يقطع السلمي مثل بقية زملائه كيلومترات طويلة مع المعتمر الواحد، وهو يتناول اثنين إلى ثلاثة في اليوم.
أسوأ ما يجده هو الزحام الذي يعوق حركته، وكثيراً ما وقع في حرج وخصومة بسبب عرقلة أحد المعتمرين أو إصابته بأذى أسفل قدميه، ولكنه في كل الأحوال منضبط وملتزم بهدوء النفس وحسن التعامل وإبداء العفو.
تتنوع الشخصيات على السلمي ورفاقه على صعيد الحرم الذي يستقبل عشرات الجنسيات وملايين الضيوف، وتزيد تنوعاً وثراءاً خلال ليالي شهر رمضان الكريم وحتى شهر ذي الحجة، إذ تتمتع هذه الفترة الممتدة إلى أربعة أشهر بأفضل مواسم العمل وأغزرها.
مع الوقت أصبح السلمي ماهراً في النطق بلغات عدة، إذ إن الوقت الذي قضاه في الاحتكاك بشخصيات عدة وجنسيات مختلفة ساعده في القدرة على التلفظ بكلمات وظيفية من لغات عدة.
في أوقات الراحة يجد دافعو العربات فرصتهم لالتقاط الأنفاس، وتبادل أطراف الكلام، في التعرف على بعضهم، وهضم المنضمين الجدد إلى سلك المهنة، وعن مواقفهم المتعددة خلال أوقات العمل، وعن ذلك الضيف الجديد الذي يهدد مهنتهم ويذكرهم بمستقبل عملهم الذي تحاصره العربات الإلكترونية ذاتية الدفع.
في ظل اتساع الحاجة إلى هذه الخدمة، دشن الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ عبدالرحمن السديس المرحلة الأولى من تحديث العربات الكهربائية الخاصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وكبار السن، ذات المواصفات والمقاييس العالمية المعتمدة من جانب الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، وهيئة الدواء والغذاء، مثل «منتج طبي».
وتعتبر هذه الخطوة مرحلة أولى من إحلال العربات القديمة، التي تأتي ضمن منظومة الأعمال التطويرية التي يشهدها المسجد الحرام والعمل على الاستفادة من أحدث ما توصلت إليه التقنية الحديثة في المجالات كافة، مما يخدم روّاد المسجد الحرام من الحجاج والمعتمرين والزوار.
يذكر هذا التطور بالانتقال الذي حدث لخدمة نقل العجزة والمسنين من الطراز القديم أو ما يسمّى بعربات منحة الملك عبدالعزيز، إذ كانت قبل سنوات آلة مهيئة على شكل حمالة يحمل فيها المعتمر ويرفع على رأس شخصين على الأقل بأجرة معقولة.
وعادة ما كان يستطيع حملها أشخاص يتمتعون ببنية جسمانية ضخمة، في حين تطورت هذه الحمالة حتى أصبحت على شكل عربة، وهو الأمر الذي عليه الحال الآن، قبل أن تزاحمه العربات الكهربائية التي قد تضر به وتجعله نسياً منسياً.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق