أبها - عمر البدوي
< منذ مدة طويلة وسّعت سوق محايل عسير الشعبية مدة إقامتها وهو يوم (السبت)، إذ كان اسم السوق يعود اليوم إلى نفسه، ليصبح متاحاً لقاصديه طوال أيام الأسبوع، باستثناء أنه يزيد معروضاته وزواره يوم السبت، حفاظاً على التقاليد وإشعالاً لحركة السوق.
وتقع سوق السبت في محافظة محايل عسير إلى الشمال الغربي من مدينة أبها بمسافة ثماني كيلومترات، وجعل موقع المحافظة الذي يتميز بوجودها على ملتقى الطرق التي تربطها بأبها وجازان ومكة المكرمة محطة جذب تجاري وسياحي ذات أهمية كبيرة، حيث تحتل المحافظة المرتبة الثانية على مستوى منطقة عسير بعد محافظة خميس مشيط من الناحية التجارية، والأولى على مستوى محافظات تهامة.
ما زالت السوق تحتفظ بعادة الأسواق الشعبية المنتشرة في أطراف المملكة، والتي لا تزال متماسكة منها حتى الآن، إذ تعمل «المرأة» إلى جانب الرجل من دون أن تشعر بضيق أو حرج، وسوق محايل الشعبية تزخر ببعض البائعات ممن قضين في هذا المكان أكثر من 20 عاماً، فضلاً على أخريات وآخرين من الباعة، وبدأ البيع في السوق وما زال منذ 50 عاماً.
وتضم السوق المعروضات الشعبية والصناعات اليدوية والملبوسات القديمة والمأكولات الشعبية والأدوات الفخارية والتمور والخضراوات والفواكه والعسل والسمن البلدي وزيت السمسم والذرة والحبوب والأغنام والعديد من الصناعات اليدوية والتراثية، وعملت بلدية محايل على توسعة السوق وتخصيص موقع خارج المدينة لبيع الأغنام والمواشي، وكذلك موقع آخر لبيع الحبوب من القمح والذرة والسمسم.
السوق في ما مضى كانت مؤتمراً أسبوعياً تعقده قبائل المنطقة للتشاور في ما بينها، وتستغله في إعلان المناسبات، كقدوم ضيف أو حفلة ختان. ومن أبرز ما كان يعلن، رفع الراية البيضاء لأهل الخير والكرم والجود على مسمع ومرأى من الجميع، اعترافاً بفضلهم وإشهاراً لكرمهم، كما كان يتم الإعلان أيضاً عن الحاجات الضائعة أو الدعوة لأداء صلاة الاستسقاء أو قدوم شهر رمضان المبارك أو إعلان نهاية الشهر وقدوم العيد، فكثيراً ما كنت تجد أحدهم يطوف في السوق رافعاً رايته البيضاء ومنادياً بأعلى صوته (اطلبوا الله يا مسلمين).. (اطلبوا الله يا مسلمين)، وكان هذا إيذاناً لتحديد موعد الصلاة ومكانها.
السوق أشبه ما تكون الآن بمتحف مفتوح، وعند زيارتها ستلمس كل ما ابتدعه الإنسان قديماً لمواجهة ظروف الحياة وتلبية حاجاته اليومية، وهي ما زالت تباع وتستخدم حتى الآن، إما بغرض الاستمتاع ببعض الأدوات التي تضفي نكهة خاصة ومذاقاً فريداً ممن اعتاد عليها، أو للاحتفاظ بما كان عليه الآباء والأجداد من التقاليد والعادات لا سيما من الأجيال الجديدة الشابة.
وتحظى السوق أحياناً بزيارة بعض الأجانب من الأوروبيين وسواهم، وكثيراً ما يلتقطون الصور ويحتفظون ببعض المعروضات، ويجدون رحابة لدى الباعة والجائلين، ويسألون عن تاريخية هذا التجمع. وعندما تزور السوق لن تغادرك مشاعر الاستئناس بالحياة وأنت تطالع حجم التنوع في المعروضات وطريقة تقديمها وتسويقها، لا سيما من نساء ورجال بلغ بهم العمر، وفي غالب الأحيان يكون الواحد منهم في غنى عن المردود المالي للعمل، سوى أن العادة والتعلق بذكريات السوق تدفعهم للاستمرار وعدم حرمان أنفسهم من دور يقومون به في الحياة. وفي طريق مغادرتك لا يمكن أن تتجاهل وجبة من «الحنيذ»، إذ يقف أصحابها في صف واحد ينتظمهم ويقدمون عبره وجباتهم المتنوعة بين خبز التنور وقطع اللحم، وهو من ألذ وأطعم وأشهر الأكلات الشعبية في سوق محايل الشعبية، ويستخدم معه بعض الشجر المنتشر في المنطقة، مثل السلع والمرخ، ليعطي الوجبة مذاقاً فريداً لا تجده في مكان آخر.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق