جدة - عمر البدوي
أوضح الشاعر الدكتور فواز اللعبون أن المرأة اعتادت المديح من العامة، والغزل من الخاصة، مشيراً إلى أنه عانى من هذه القضية، ودفع الثمن مشاحنات على المستوى العلمي والاجتماعي، الأمر الذي جعله ينهزم ويرفع راية المجاملات.
اللعبون الذي يعمل أستاذاً في جامعة الإمام محمد بن سعود قال في حوار مع «الحياة» إنه ينتظر من «هيئة الثقافة» أن تدعم المثقفين أولاً، ثم الإداريين الذين يعملون على خدمة المثقفين، وليس العكس. ولفت إلى أن ما يتمتع به الشعر الشعبي من حظوة، يعود إلى أن المجتمع شديد الوفاء لتراث أجداده القريبين.
ويضيف سبباً آخر، وهو أن انقسام الشعر الفصيح إلى تيارات فنية وفكرية متصادمة أسهم في شتات الجهود، وفي أجواء هذا التناحر خلت الأجواء للشعر الشعبي... إلى نص الحوار:
> خضت سجالات شعرية عبر حسابك في «تويتر»، هل أصبح العالم الافتراضي هو عتبات الشعر الجديدة، وأين أضرت به؟
- نعم خضت الكثير من السجالات الشعرية ذات الطابع الودي مع عدد من الشعراء في «تويتر»، وكانت لهذه السجالات الشعرية أصداء عذبة عَرَّفت الناس بأحد مسارات الشعر الفصيح، وحببتهم إليه، وأزالت حواجز كانوا يتوهمونها.
وأعي تماماً أن هذه السجالات تتطلب أحياناً قدراً من التنازلات الفنية لأجل أن يتحقق شرط التواصل الأمثل، غير أن الناقد المنصف لا يستطيع التغاضي عن الإيجابيات التي يحققها تفاعل الشعراء مع بعضهم ومع الأعداد الغفيرة من الهواة وشداة الأدب، والشعر الإخواني ليس جديداً، فهو ضارب في القدم، وله حضور محمود، ويكفي أنني وغيري استطعنا أن نجذب من خلاله فئة من الجمهور إلى مسارات الشعر الأخرى، فصاروا من متذوقيه.
> رسالة الدكتوراه خاصتك كانت عن «شعر المرأة السعودية» هل في التجربة الأدبية النسائية ما يقنع، ولماذا لا تكاد تُرى؟
- ثمة تجارب شعرية نسائية لافتة، وهي - وإن قَلَّتْ - تبشر بأن القادم أفضل، والحاصل الآن يؤكد ذلك، فالتجارب الشعرية الراهنة للمرأة السعودية تتفوق على ما كانت عليه قبل عقدين تفوقاً ملحوظاً.
> شاركت في عديد الملتقيات والندوات وتحكيم الجوائز والمسابقات الشعرية، ما قيمة مثل هذه الفعاليات في دعم الشعر الذي يستند إلى الموهبة والفطرة أكثر من أسباب تصنعها التجمعات؟
- هذه الملتقيات بمختلف أسمائها ظاهر صحية تشهد على حراك وترصده بما فيه من مزايا وعيوب، ولها ما لها وعليها ما عليها، وقد شاركت في فعاليات متنوعة داخلية وخارجية، وأزعم أن ما تحقق من خلالها مشجِّع يدعو للاستمرار والتطوير.
> تفوز فعاليات الشعر الشعبي على مقابلها الفصيح بحصة جماهيرية أكبر، هل هي علامة غير صحية بالضرورة؟
- في خليجنا العربي يبدو الشعر الشعبي أكبر حظوة؛ لأن المجتمع شديد الوفاء لتراث أجداده القريبين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أرى أن انقسام الشعر الفصيح إلى تيارات فنية وفكرية متصادمة أسهم في شتات الجهود، فالتيار الفلاني يقصي التيار الثاني، ويحبط جهوده، وكذلك يفعل التيار الثاني بالأول والثالث...، وفي أجواء هذا التناحر خلت الأجواء للشعر الشعبي، فباض وأصفَر.
> تصنف ضمن «شعراء التيار التجديدي المعتدل»، هل هو وصف لطيف لقلق ثنائية الحداثة والمعاصرة؟
- إن ساغ لي أن أصف موقعي في خريطة الشعر فأنا في المنتصف بين خط الاستواء والمحيط المتجمد الشمالي، حيث التجديد المعتدل الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويقدر الموروث، وينطلق منه، ويطوره، وفي الوقت نفسه يتأمل الناضج من مخرجات التحديث، ويفيد منها.
> خلال مشاركتك أمسية شعرية بمكة المكرمة، أغضبت قصائدك إحدى المشاركات، واعتبرت اختياراتك تحرشاً بالنساء، ما قصة الموقف؟ وهل ثمة صورة ملتبسة للمرأة في مجتمعنا من جهة تصوراتهم المتبادلة؟
- مشكلة المرأة أنها اعتادت المديح من العامة، والغزل من الخاصة، ولم تكد تبرمج نفسها على غير هاتين النبرتين، وحقيقة عانيت كثيراً في هذا الجانب، ودفعتُ ثمنه مشاحنات على المستويين العلمي والاجتماعي، إلى أن انهزمتُ أخيراً، ورفعتُ راية المجاملة مع الجميع، فأرحتُ واسترحتُ. وما حدث في أمسية مكة هو أن بعض النساء جئن مشحونات، ويتوقعن أنني سأقول وأقول، فتأهبن بأسلحتهن البيضاء، ولم أقل شيئاً يثير الاستفزاز سوى بعض المشاغبات الشعرية التي ابتسم لها الجميع نساءً ورجالاً، وكانت أمسية رائعة ناجحة.
> ألقيت أخيراً قصيدة أمام خادم الحرمين الشريفين ولقيت تفاعلاً جماهيرياً وقتئذٍ، ما درجة ما يظفر به الشعر الفصيح من مكانة لدى الأجيال الجديدة؟ وهل قدر على الشعر العربي الفصيح أن يكون ضيفاً ملازماً لبلاط الملوك؟
- تشرفتُ بإلقاء قصيدة «الفجر الجديد» أمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، وأزعم أنني نجحتُ نجاحاً باهراً في إثبات أن الشعر الفصيح يستطيع مخاطبة الجمهور وجذبهم لو أعطي الفرصة، وأَعَدَّ الشاعر ما يناسب المقام مضموناً وبنية، وما زالت أصداء القصيدة تؤكد أن الشعر الفصيح ينتظر الفرصة ليناوِر كما يجب، ويأخذ مكانه اللائق. والشعر الفصيح منذ 16 قرناً وهو يطرق أبواب العاشقين، ويدلف إلى خيام البسطاء، ويعبر بلاط الملوك، ويقف على منابر الحكمة، ولا يزداد إلا بهاءً وجمالاً.
> بصفتك شاعراً ومثقفاً، ماذا تنتظر من «الهيئة العامة للثقافة»؟
- أنتظر منها أن تدعم المثقفين أولاً، ثم الإداريين الذين يعملون على خدمة المثقفين، وليس العكس.
> لديك حضور واسع عبر شبكات التواصل الجديد، هل هو تعويض عن غياب الجماهير وانسحابهم من أمسيات الشعر ومناسباته؟
- حين قررتُ الاندماج في عوالم التواصل وضعتُ نصب عيني فئة مستهدفة رئيسة، وهدفين رئيسين، فالفئة هي: هواة الأدب وشداته، والهدفان هما: تقريبهم إلى الأدب العربي الفصيح، وتحبيبهم في اللغة العربية الفصحى.
وحتى أحقق ما خططت له قدمت لهم ما يلائم أذواقهم وإمكاناتهم، وأعترف أنني بذلتُ لهم من جهدي ووقتي الكثير، وأعتز أنني وجدت من حفاوتهم وتفاعلهم وتأثرهم وتطورهم ما يؤكد أنني وصلتُ إلى الكثير مما كنت أرجوه بحمد الله وفضله.
> وأنت رئيس قسم الأدب بجامعة الإمام، يقال «الأكاديميا تعلم صنعة الأدب، وهي فكرة غربية أن تدرس الناس ليصبحوا أدباء، كيف نطور السليقة وهي طريقة عربية في صناعة الأدب وقوله»؟
- الأدب علم يدرس، وصنعة الأدب تُرصَد، ويمكن للأديب أن ينطلق منها، ويتطور عنها، وأكثركم يعرف أن دراسة الأدب لا تصنع أديباً حقيقيّاً من عَدَم حتى لو حاز أعلى الشهادات في التخصص.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق