وُلِدَ أحمد زايد المالكي قبل أكثر من 30 سنة في إحدى قرى الطائف، ولد صحيحاً وعاش ردحاً من عمره يلعب ويشارك أترابه نشاطاتهم، وكعادة الأطفال يرافق أحمد والده في كل مرة إلى متجره الصغير في القرية. وذات يوم كان أحمد يجلس مقابل المتجر، فمرت السيارات أمامه، ولكن إحداها انحرفت بعد أن فقد السائق السيطرة عليها، وانقضّت على قدمي أحمد ودهسته.
وفقد الطفل كلتا قدميه، خسرهما أحمد لكنه كسب في المقابل عزيمة قوية، وفي الوهلة الأولى كان يشعر بالضيق من الحال التي وصل إليها، وبصعوبة تغلب على حقيقة واقعه، وتدرب جيداً على مقاومة ذلك بالطموح ومساعدة الآخرين.
ولم يرضَ أحمد أن يعيش بقية عمره في خانة ذوي الإعاقة المحتاجين إلى معونة الآخرين، بل تحسس قوة القلب الذي يخفق داخله وسطوته على تجاوز التحديات، وأن الروح التي تسكنه وتنبض بالحياة أقوى من الأعضاء الباردة التي ربما ركّبت على روح ميتة لا نفع منها.
وكسر أحمد في البداية عقدة الوصف، وانتقل إلى مواجهة الحياة متسلحاً بالعلم والإيجابية، وأنهى دراسته الجامعية في تخصص اللغة العربية، وبدأ مشوار البحث عن وظيفة، وقال لـ«الحياة»: «كوني من ذوي الإعاقة، واجهت مصاعب في الحصول على وظيفة مناسبة بعد حصولي على شهادة البكالوريوس ودورات في الحاسب الآلي، لكنني اصطدمت بكوني من ذوي الإعاقة، وعلى رغم قرار وزارة العمل باحتساب الموظف المعوق مقابل أربعة موظفين سعوديين، إلا أن بعض أصحاب العمل، استغلوا هذ القرار وقتلوا حلم أي معوق يرغب في بناء حياته والعيش كالأسوياء لبناء الوطن».
وأثمر إصراره الحصول على وظيفة مناسبة، وأكثر من ذلك تكوين أسرة مستقرة مطمئنة تساعده في خوض الحياة مستمتعاً لا يعكر صفوها شيء. ويمشي الآن أحمد مثل طائر على قدمين اصطناعيتين تساعده عكاز معدنية، ولكن روحه أخف من ريشة، لأنها تنطوي على نفس مجبولة على التحدي والفأل.
وساعدته الصعوبات التي واجهها خلال دراسته وبحثه عن العمل في إيجاد الرغبة في خلق ظروف أفضل لذوي الإعاقة، وفكّر في حل لتحقيق حلم كل معوق في الوظيفة، وأطلق أحمد العام 2011 مبادرة «وساطة»، وهي عبارة عن موقع إلكتروني يسهم في الحد من البطالة لذوي الاحتياجات الخاصة، من طريق إيجاد وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية ونوع الإعاقات التي يعانون منها. وتمثل المبادرة حلقة وصل بين الباحثين عن عمل من ذوي الاحتياجات الخاصة وأصحاب العمل الباحثين عن موظفين من تلك الفئة.
وتخدم المبادرة جميع المستهدفين من ذوي الاحتياجات الخاصة (الذهنية، والحركية، والبصرية، والفكرية، والنفسية وغيرها من الإعاقات)، وتوفّر لهم غطاء قانونياً، إذ اتفق صاحب المبادرة مع متخصصين قانونيين متطوعين، للنظر في الشوؤن القانونية في حال حدوث أي استغلال في توظيف هذه الفئة أو حدوث فصل تعسفي لهم.
ويدقق صاحب المبادرة في جميع إعلانات الوظائف الشاغرة، للتأكد من ملاءمتها للباحثين عن العمل (الراتب الشهري المجزي، وتوفير المصاعد الكهربائية، والمكان الآمن وغيرها). وتنشر جميع الإعلانات على الموقع مجاناً، وحُظِرَ أصحاب الشركات المشبوهة التي تعمل بنظام السمسرة من الإعلان في الموقع، وخصصت صفحة بالموقع بأسمائهم للتحذير من التعامل معهم.
وخصص ركن في الموقع لسرد قصص نجاح ذوي الإعاقة بعد توظيفهم من طريق الموقع. وأسهم صاحب المبادرة في توجيه ومساعدة مواقع إلكترونية أخرى تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة، مثل موقع حقوق المعوقين للتوظيف.
وواجه أحمد الكثير من المصاعب من أرباب العمل وعدم اعتراف الجهات الحكومية بهذه المبادرة، لكن مشكلة أكبر كادت تحبطه وتفسد عمله، وهي حقيقة أن هناك عدداً كبيراً من الأشخاص ذوي الإعاقة لم يحصلوا على فرصة التعليم النظامي. وقال عن سبب ذلك: «أسباب نفسية تخص المعوق، أو مجتمعية برفض المجتمع الصغير للمعوق خروجه من منزله، خوفاً من نظرة الناس إليهم واحتجاجهم له بأنهم سيوفرون له كل حاجاته، وأخرى حكومية بعدم تهيئة المدارس قديماً لتناسب ذوي الإعاقة، وهذه الأسباب وغيرها سبب عطالة الأشخاص ذوي الإعاقة، بل سبب في ارتفاع نسبه السعودة الوهمية التي يبحث عنها بعض أصحاب العمل بأسهل الطرق وأقل الكلفة».
واستطاعت المبادرة حتى الآن الإسهام في توظيف أكثر من 600 شخص من ذوي الإعاقة من الجنسين في مختلف مدن المملكة، وحصلت على دعم من مؤسسة الملك خالد بعد تكريمها ضمن المؤسسات التنموية في المجتمع، وشهدت تدشين تطبيقات موقع المبادرة على الأجهزة الذكية.
وحصل أحمد على دورات متعددة، من بينها دورة لتدريب المدربين، وقدّم مجموعة من الدورات التدريبية لمستفيديه. وينوي في القريب العاجل دعم ذوي الإعاقة.
ولأحمد مشروع أكبر من ذلك وهو بصدده، إذ يترأس لجنة تسمى «الطائف مدينة صديقة لذوي الإعاقة»، إضافة إلى فرق تطوعية، ويفكر في الوصول الشامل من الناحية الخدمية، وما يحتاجه ذوو الإعاقة في المرافق العامة والمباني والأسواق وجميع المُنشآت الحكومية وغير الحكومية والحدائق العامة والخاصة في الطائف، وتطوير البيئة العمرانية بما يسهل تنقل ذوي الإعاقة. وطالب هو ومعوقون آخرون بتغيير مسمى «ذوي الاحتياجات الخاصة» إلى «ذوي الإعاقة».
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق