جدة – عمر البدوي
منذ 20 عاماً والكاتب السعودي عبدالله بن بخيت يكتب في الصحافة، تحت اسم عموده «يارا» التي يرافقها وبقية أخواتها في كندا للدراسة، وفي المدة نفسها من السنوات دافع ابن بخيت عن أفكاره في حراك سعودي يزداد مع الوقت تأججاً.
وعبر رواياته استمر ابن بخيت في عادته المحببة لكشف الغطاء عمّا يضمره المجتمع ويخبئه في أعماق أفكاره، متسلحاً في سبيل ذلك بسخريته التي تجري منه عفواً من دون قصد، ومرة أخرى عبر حسابه على «تويتر» وما يزال اسمه مضافاً إلى قائمة من المناسبات المثيرة للجدل. في حواره مع «الحياة» يتطرق عبدالله بن بخيت إلى الرياض كمكان في الرواية، وإلى النقاد في السعودية، وإلى المجتمع...
إلى نص الحوار:
> يبدو وكأن لديك علاقة مزمنة مع «الدعاة»؟
- ليس بيني وبين فئة من البشر مشكلة، ولم أتحدث عن الدعاة كأشخاص ولكني أتحدث دائماً عن وظيفة اسمها «الداعية»، التحق بها آلاف مؤلفة من البشر، هذه الوظيفة التي ظهرت لنا من تحت الأرض في منتصف السبعينات (في مصر وانتشرت في المملكة في الثمانينات)، واندسَّت بين كل الوظائف. وظيفة الداعية هي أخطر الوظائف التي تخلقت في القرن الـ20. ما هو عمل الداعية؟ هل هو مؤذن! هل هو عالم دين! هل هو طالب علم شرعي! هل هو إمام مسجد! وظيفة تم اختراعها لتكون الأداة التي تندسُّ تحتها الحركات المعادية للحضارة. من يروج للجهاد من يروج للخلافة من يروج للإعجاز العلمي في القرآن من يروج للجن من يروج ضد الموسيقى والفنون من يروج ضد حقوق المرأة من يروج ضد الحضارة من يروج للعداء ضد الأمم الأخرى، من هو غير الداعية.
وظيفة لا علاقة لها بالأدب ولا علاقة لها بالعلم الشرعي ولا علاقة لها بعلم الاجتماع ولا علاقة لها بالعلم الطبيعي ولا علاقة لها بالسياسة، ولكن من يتعاطاها يتعاطى مع كل هذا في الوقت نفسه. حرضوا على الجهاد ولم يذهب واحد من أبنائهم إلى الجهاد، حرضوا على الزهد وأصبحوا يملكون القصور والسيارات والبشوت الفاخرة، حرموا السفر وها هم يتسابقون على لندن وباريس وتركيا وقطر ودبي، حرموا الصور وها هي صورهم تملأ لوحات الإعلانات، حرموا القنوات الفضائية وأصبحوا أهم نجومها. لا يوجد أي معيار نقيس به وظيفة الداعية، خريج جامعة أو خريج سجن، مدرس يصبح داعية أو مفحط يصبح داعية لا فرق، أي ممارسة تريدها هي جزء من الدعوة. مهرج تضحك الناس أو قبوري تخيفهم أو حزبي تحرضهم سياسياً أو جهادي تحرض على القتل أو محتسب تقودهم إلى تخريب معارض الكتاب أو تكسير الآلات الموسيقية، أنت في كل هذه الحالات داعية، وظيفة مفتوحة لمن يجد في نفسه الرغبة. أنت وأنا وهذا الذي يقرأ الجريدة نستطيع أن نتحول إلى دعاة في أي وقت نشاء حتى قبل أن يصل طول اللحية إلى الكثافة المطلوبة. خريج السجون يستطيع أن يكون داعية والمفحط يستطيع أن يكون داعية وبائع الخضار يستطيع أن يكون داعية وخريج الجامعة يستطيع أن يكون داعية. ما هي هذه الوظيفة التي تتسع لكل هؤلاء.
اقرأ مقالي «هل الداعية مهندس الإرهاب» الذي نشر في جريدة «الرؤية» الإماراتية لتعرف وجهة نظري أكثر.
> هل ما زالت الرياض تحتاج من يكتبها بعد ما أحدثته التطورات العمرانية والثقافية فيها، على رغم كمية الروايات المشهورة والمثيرة من روائيين سعوديين بعد روايتك «شارع العطايف»؟
- ربما لم أفهم سؤالك بالصورة التي تريدها، ولكني أحب أن أقول أن المدن والحارات التي تظهر في الروايات ليست سوى مسرح للعملية الإبداعية. الكاتب الجاد لا يوثق المدينة التي يتخذها مكاناً تدور فيها أحداث الرواية، الأحداث والأماكن قيمتها إجرائية في النص، فالمنزل لا يؤرخ بحيطانه بل بسكانه. أياً كانت الفروق الجغرافية في الرواية فإن الألم الفرح والسعادة واحدة في كل مكان، الرواية تدور في منطقة العواطف الإنسانية، ولا يديرها سوى عمقها الفلسفي، صراع الشخصيات الروائية مع وجودهم وليس مع محيطهم، يأخذ الروائي الأمكنة كمادة لتشكيل النص، المكان مثل الزمان، جزء من تركيبة الشخصيات الروائية وشخوصها.
> بدأ الجدل مبكراً مع تشكيل «الهيئة العامة للترفيه»، هل أنت متفائل؟
- أكثر ما أعجبني في حديث ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلوه من اللغة التقليدية التي تتوسل رضا فئة معينة من الناس (وفقاً للضوابط وما أدراك ما الضوابط)، تحدث الشاب بلغة علمية اقتصادية، إن خلو لغة الأمير من التوسلات المعتادة يدل أن المسألة جادة وليس أمام من يريد البقاء في الماضي إلا البقاء في الماضي، أما المملكة فهي تتحرك نحو مجدها المتجدد دائماً. تشكيل هيئة للترفيه حاجة قصوى تؤكد أن الملك سلمان بن عبدالعزيز يمتلك مشروعاً متكاملاً لبناء المملكة الحديثة بكل المعاني. لا أحد يستطيع المزايدة على تدين الملك أو دعمه للإسلام والمسلمين، ولكن الملك سلمان يعرف كيف يضع بلاده في مصاف الدول المتقدمة. من يريد أن يجلس في الماضي ستتركه مملكة سلمان في ماضيه وستمضي قدماً نحو مجدها الذي تستحقه إمكاناتها وقدرات شعبها.
> كيف ترى خطوة تنظيم عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاحتساب، وهل هو نتيجة طبيعية للتطور أم صدى للكتابات الناقدة والضغوط الصحافية؟
- تنظيم «الهيئة» جاء ضمن برنامج وطني واضح، يدخل ضمن مشروع الملك سلمان لأخذ البلاد إلى المستقبل. لا يمكن الذهاب إلى أي مستقبل بحمولة اسمها «الهيئة». وضع الهيئة السابق لا علاقة له بالحضارة أو حتى بالواقع، على رغم أني سعيد بأني أول كاتب سعودي ينتقد «الهيئة» في الصحافة السعودية، إلا أني لا أرى أن الكتابات والنقد هي السبب الرئيس، لقد اختنقت البلاد بهذا الجهاز. لا يمكن جرجرت «الهيئة» وأخذها إلى العصر الحديث. كأنك تريد أن تسافر إلى لندن وتأخذ معك بعيرك. على كل حال، «الهيئة» التي عرفناها في السنوات الماضية انتهت إلى الأبد، أرجو أن يوفقهم الله في عملهم الجديد وأن يسامحونا إذا كنا قد قسونا في نقدهم والله المستعان.
> هل تجد في العيش في كندا فسحة لتأمل عيش المجتمعات المتعافية، وهل تسهم الفجوة وحمى المقارنة المعاشة في إضعاف واقعيتك وتصورك السليم للأمور في مجتمعنا؟
- أنا موجود في كندا بصحبة بناتي اللاتي يدرسن في كندا، لم أسافر للهجرة أو للاستقرار، قانون الابتعاث يفترض أن يكون مع أي امرأة محرم وأنا بصفتي «فاضي» صرت كاتباً ومحرماً في نفس الوقت. في عصرنا هذا لم يعد للمكان أهمية، أعيش في كندا وأتابع «الحياة» في الرياض مثلي مثل من يعيش فيها. ثمة زملاء يعيشون في لندن وفي دبي وغيرها ولم يؤثر هذا على وجودهم وعلاقتهم الحميمية مع المملكة أو إسهامهم في نهضتها.
> هل تتفق مع من يرى كتاب الصحف السعوديين مجرد مناكفين يغرقون في الإثارة والجدل من دون تقديم مضامين ورؤى متماسكة لأفكارهم؟
- هذا حكي المطاوعة، كتاب الصحف والمثقفون هم الذين يديرون البلاد فكرياً وثقافياً، وهم الذين يحركون الأحداث إلى الأمام. اقرأ تاريخ المملكة في السنوات الـ10 الماضية أو الـ20 إذا شئت، من أين تأتي الأفكار التي تنتصر دائماً، حرموا الفضائيات وفرضها كتاب الصحف عليهم حتى صاروا نجومها، حرموا جوال الكاميرا وفرضها كتاب الصحف حتى أصبحوا أكثر الناس توظيفاً لها، حاصروا المرأة في العباءة المصمتة وها هي الآن عضوة في مجلس الشورى. الكتاب هم شعلة النور ليس في المملكة فقط ولكن في الحضارات كلها.
> كنت تحذر من تشكيل وزارة للثقافة وأنها ستسبب هزة فكرية، أين دقة موقفك الآن بعد تشكيل «الهيئة العامة للثقافة»؟
- مازلت عند رأيي، الثقافة لا تحتاج إلى تدخل حكومي، يجب أن تكون إدارتها جزءاً من المجتمع المدني مثل اتحاد الكتاب، لا أعرف ما الذي يمكن أن تفعله هيئة الثقافة! سننتظر ونرى. أرجو أن تكون مشروعاً مولداً للمشاريع، وأنصح كل من سيعمل بها أن يطّلع على تجربة وزارات الثقافة في دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي، ليرى كيف تتحول النوايا الطيبة إلى قيود.
> لماذا ترفض «العمل النقدي» قراءةً ومنهجاً على رغم كونه مجالاً مقدراً ومثمناً في العالم كله؟
- سأبوح لك بسر، 90 في المئة من النقاد الذين يتحدثون وينظرون عن الرواية في المملكة لم يقرؤوا رواية واحدة في حياتهم، هذا ليس سراً محليا بل سراً عالمياً. النقد يستخدم نظريات تخلقت خارج الأدب، الناقد الأكاديمي يمكن أن يقدم لنا تاريخ الرواية، وأهم عناصر الرواية في عصر من العصور، وعدد الكتاب، وكيف بدأت الرواية وهكذا. لا يمكن أن تصبح شاعراً بقراءة نقاد الشعر ولا يمكن أن تتعلم كتابة الرواية بقراءة كلام النقاد، بل ضرر نصائح النقاد فادح. إذا أردت أن تكتب رواية عليك أولاً أن تحب الرواية، والشيء الثاني أن تقرأ عيون الروايات في العالم.
> يعتقد البعض أن أطروحاتك قد تنطوي على تقدير متواضع للمجتمع وموقف حاد تجاه طبيعته المحافظة واختياراته الثقافية التي قد لا تتفق مع تصورك الأكثر انفتاحاً، ما يدفعك لكتابة نصوص حادة وقاسية إلى حد بعيد؟
- أيضاً هذا كلام مطاوعة، انظر إلى المجتمع في أي اتجاه يتحرك، خذ قائمة بما كتبته قبل 10 سنوات وخذ قائمة بما قاله خصومي وأعدائي عني في نفس الفترة، أياً منا أصبح كلامه واقعاً يعيشه الناس؟ هؤلاء اختلقوا مجتمعاً في خيالهم وصاروا يعيشون فيه. في كل مرة تسمعهم يقولون مجتمعنا محافظ يرفض هذا ويرفض هذا، يوهمون أنفسهم أن ما يؤمنون به هو ما يؤمن به المجتمع.
عند دمج تعليم البنات مع تعليم الذكور في وزارة واحدة صرخوا قائلين المجتمع يرفض وتم الدمج ولم نر هذا المجتمع الذي يرفض، وقالوا هذا عن تغيير الإجازة الأسبوعية ولم نر هذا المجتمع الذي يرفض، قالوا هذا عن طاش ما طاش، وقالوا هذا عن المنتديات الاقتصادية التي تشارك فيها نساء، وأخيراً قالوا هذا عن «الهيئة» والشر والمستطير الذي سينتج عن تنظيمها وها نحن نعيش بلا هيئة، لم نشهد الشر المستطير ولم نر هذا المجتمع الذي يرفض. على فكرة هؤلاء يحولون خصومهم إلى شياطين، قالوا عني كل شيء حتى أنهم جردوني من شهاداتي الجامعية ولم يتفضلوا علي ولا حتى بالابتدائية.
> رواية «التابوت النبيل» تأخذ طابعاً سياسياً بعض الشيء، هل قررت اختراق التوابيت السياسية بعد رحلة من تجشم التحديات الثقافية والاجتماعية؟
- «التابوت النبيل» ليس ككل الروايات، في كل الروايات ستجد أن الشخصيات أحضرت من الخيال إلى الواقع، في رواية «التابوت النبيل» أخذت شخصيات من الواقع وحولتها إلى شخصيات خيالية، نتنياهو تركي الحمد الخميني علي عبدالله صالح الأسد عبدالرحمن الراشد عثمان العمير صدام حسين إلخ، ولم أكتف بتحويل الشخصيات الحقيقية إلى خيالية، بل حولت الأمكنة والمدن (الرياض وطهران وتل أبيب وبغداد) وغيرها من المدن أصبحت مسرحاً لأحداث أكثر من أن أصفها بالخيالية، كما حولت التاريخ الحقيقي إلى خيال. يأتي الجزء الأول الذي بين يديك في 500 صفحة يغطي فترة مهمة من تاريخ المسلمين والمؤامرة التي تحاك ضدهم وضد عقيدتهم وضد حجاب المرأة. مشروع من أهم المشاريع في حياتي أرجو أن أوفق في إتمام أجزائها الباقية.
الرابط:
تعليقات
إرسال تعليق