آخر تحديث: الإثنين، ١٦ أبريل/ نيسان ٢٠١٨ (٠١:٠)الظهران - عمر البدوي
مايزال موضوع القدس حاضراً في خريطة الأحداث بلا توقف، لم يؤثر فيه خفوت القضية الفلسطينية عموماً جراء الأحداث العاصفة التي تلهب الشرق الأوسط بما حجب المشكلة المركزية للمنطقة منذ عقود، إذ بقيت القدس أزمة وجرحاً عربياً نازفاً لا يغيب طويلاً قبل أن يقفز مجدداً إلى واجهة الأحداث.
غير أن قرار الرئيس الأميركي ترامب بنقل سفارة واشنطن إلى القدس فجّر قضية القدس مجدداً وأعادها إلى صدارة المشهد لا ينازعها فيه شيء من هموم العربي التي تتناسل من دون حسم ولا أفق لنهاية مقنعة، فيما كررت السعودية مواقفها الثابتة من القضية الفلسطينية على مر العصور وفي عهد كل ملوكها بإعلان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمس (الأحد) بإطلاق مسمى «قمة القدس» على القمة العربية الـ29 المنعقدة في مدينة الظهران بالمملكة تأكيداً لاستمراراً القدس بمكانها من الوجدان السعودي، وليعلم القاضي والداني أن فلسطين وشعبها في وجدان السعودية والعرب والمسلمين.
وتوج خادم الحرمين الشريفين «قمة القدس» بإعلانه عن بتبرع المملكة بمبلغ 150 مليون دولار أميركي لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس، ومبلغ 50 مليون دولار أميركي، لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لتغرق القاعة في تصفيق حار تلته كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي افتتحها بشكر الملك سلمان والسعودية على دعم القضية بكل نزاهة وصدق عبر امتداد تاريخها الطويل.
وعلى مر عقود استثمر العرب كل الحلول الممكنة، ابتداء بالخيار العسكري في ثلاث حروب عربية متتابعة، لم تنتهي إلا بزيادة تأزيم الوضع، فالمقاومة المسلحة والمقاطعة السلمية، فضلاً عن طاولة المفاوضات التي لم تخلو من تجاذبات، انتهاءً إلى قائمة من المبادرات الإقليمية والدولية التي لم تقابلها سلطة الاحتلال الاسرائيلي إلا بمزيد من التعنت والتجاهل.
اختارت بعض العواصم العربية بعد أن دبّ إليها طول الأجل أن تذهب إلى خيار السلام مع اسرائيل، فيما ألتف آخرون على القضية بأقل قدر من حساب القيم الأخلاقية والعربية، ومدوا جسور علاقاتهم الوظيفية باسرائيل كما فعلت الدوحة لاستثمار العلاقة كورقة مساومة أمام الراعي الأميركي وقطف ثمار انتهازية قد تضيف إلى مكاسب المشاريع السياسية.
بقيت القدس ومن ورائها القضية الفلسطينية عموماً محل توظيف واستثمار الكثير من الجهات السياسية التي تمكنت من امتطاء القضية والجرح العربي لتمرير أجندتها وحاجاتها التوسعية، وهو الأمر الذي ضاعف من حجم المعاناة وأبطأ من إنجاز حل ينهي ملف القضية، مستثمرين ميليشيات محلية تعتاش على شعارات المقاومة والممانعة المزيفة، تخفّ إلى توجيه فوهات بنادقها الأجيرة إلى أبناء جلدتها قبل عدوها المفترض.
تشرذم الحل الذي قد ينهي معاناة القدس وهي تئن من طول الاحتلال، أمام افتراق الصف العربي الذي يجد من يذكيه ويشعل حرائقه مستفيداً من ثمار ذلك لزيادة الملتحقين بمشروعه، تخالف العرب فيما بينهم لمصلحة محاور مفترضة تقسم المنطقة بلا طائل.
انسحبت كل المشاريع التي ادعت ساعة من زمان أنها مشغولة بهم القدس وفك عقدتها، وفي لحظة انتفاضات الشارع العربي ومن شدة الفرح بما لمع من فرص التمكين والاستحواذ، تطايرت صحف المشاريع المندسة تحت شعارات نصرة القدس ومقاومة المحتل، وانكشفت عورة الممانعة المزيفة التي كانت تروج لسلوكها بوصفه نصير القضية المركزية.
بقيت السعودية وحيدة بعد انسحاب الحواضر العربية التقليدية، تراهن على الوضوح والمباشرة في تناول الهمّ العربي الذي لا ينازعه مكسب ولا تزاحمه أيديولوجيا، تلوّح بمقترحها البيّن الذي أجمعت عليه العرب كلها.
وعلى رغم كل ما تواجهه من افتراء، تظهر الرياض ما تضمر، أن حل مسألة القدس والقضية الفلسطينية لا يكون إلا عبر أبنائها أولاً ومن دون إملاء، بما يضمن لهم الحق في الاستقلال وتمكينهم من أرضهم المشروعة ويرد عنهم كيد أعدائهم وخصومهم. تفعل ذلك وهي تصمّ آذانها عن كل الزعيق والصخب الذي يريد لها أن تستسلم لهلوسات الزيف الإعلامي وخديعة التضليل وإعلام الظل الموجه، وذلك من أجل القدس وأبنائها فقط.
«القدس» ثابت سياسي للسعودية.. من عهد المؤسس إلى عهد الحزم
تعد قضية فلسطين واحدة من الثوابت السياسية الأصيلة والراسخة بالنسبة للسعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن وموقفه المؤيد والمناصر للشعب الفلسطيني ضد الاستعمار البريطاني والصهيونية العالمية.
وقد أراد البريطانيون أن يعترف الملك عبدالعزيز بمركز خاص لهم في فلسطين، وأن يعترف بـ«وعد بلفور» المضمن في صك الانتداب البريطاني، وقد رفض الملك عبدالعزيز المساومة على الحقوق الثابتة للأمة العربية في فلسطين، ودعم ثورة الشعب الفلسطيني في ثورته في ذلك العام ضد الاحتلال، وبعث تبرعاً عاجلاً للفلسطينيين بلغ مئات الجنيهات، على رغم ضيق ذات اليد للحكومة السعودية آنذاك، وتسلمها رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين محمد أمين الحسيني مع رسالة عاجلة من الملك عبدالعزيز.
وفي عام 1935 بعث الملك عبدالعزيز ولي عهده الأمير سعود بن عبدالعزيز إلى فلسطين لتفقد أوضاع الشعب الفلسطيني بعد ثوراته المتعددة، كما أرسل الملك عبدالعزيز وزير خارجيته الأمير فيصل إلى فلسطين لدعم الموقف الفلسطيني.
وعند صدور مشروع تقسيم فلسطين، الذي أقرته لجنة بيل، أعلن الملك عبدالعزيز عن رفضه للمشروع، وبذل جهوداً كبيرة على المستويين العربي والدولي لمنع هذا المشروع، وكلف الأمير فيصل بتكوين لجان شعبية في أنحاء السعودية لجمع التبرعات لإنقاذ فلسطين وشعبها، وخاطب أمراء المناطق ليحثوا أبناء المملكة على الاحتجاج ضد قرار التقسيم.
وأصبحت وزارة الخارجية السعودية بمثابة الهيئة الدبلوماسية لفلسطين تتابع المحاولات السياسية لحل القضية الفلسطينية وتتصل بالحكومات وتوضح الحقائق.
وعبر كل الملوك الذين مروا في السعودية، دعمت المملكة جميع القرارات الصادرة من المنظمات والهيئات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وشاركت في العديد من المؤتمرات والاجتماعات الخاصة بحل القضية الفلسطينية ابتداء من مؤتمر مدريد وانتهاءً بخريطة الطريق ومبادرة السلام العربية. من ذلك مواقف الملك فيصل الثابتة وكلماته الرنانة التي لم تطوى على رغم تقادم الأيام، إذ قال في خطاب له يستنكر فيه ما يدور في القدس من تدنيس وانتهاكات على يد جنود الاحتلال: «إن القدس الشريف يناديكم ويستغيثكم لتنقذوه من محنته ومما ابتلي به، فماذا ننتظر وإلى متى ننتظر، ومقدساتنا وحرمتنا تنتهك بأبشع صورة».
وأردف: «إنني حينما أتذكر حرمنا الشريف ومقدساتنا تنتهك وتستباح وتمثل فيها المفاسد والمعاصي والانحلال الخلقي فإنني أدعو الله مخلصاً إذا لم يكتب لنا الجهاد وتخليص هذه المقدسات ألا يبقيني لحظةً واحدة على الحياة».
كما كانت السعودية من أوائل الدول التي قدمت الدعم للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني منذ نشأت القضية الفلسطينية، وذلك في إطار ما تقدمه من دعم سخي لقضايا أمتيها العربية والإسلامية.
وبقيت مواقف قيادة المملكة ثابتة على مر العصور منذ عهد الملك المؤسس، ولم تتأخر في القول أو الفعل وبكل جهد من أجل حصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه التاريخية، وتشهد سجلات الرمان بما قدمته المملكة لفلسطين والشعب الفلسطيني.
وبتسمية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملكاً على السعودية، ثبّط كل الأخبار الزائفة وتتبدد بقراراته الجازمة والتي تعزز وتؤكد على النهج السعودي لثابت في دعم حق الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه المشروعة وفي مقدمها حقه في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريفة.
وبعد قرار الرئيس ترامب باعتراف الولايات المتحدة الاميركة بالقدس عاصمة لإسرائيل، أبدت السعودية أسفها الشديد جراء هذا الإعلان، مؤكدة أنها سبق أن حذرت من العواقب التي وصفتها بـ«الخطرة» لمثل هذه الخطوة غير المبررة وغير المسؤولة. ودعت إلى مراجعة القرار، وعدّته انحيازاً كبيراً ضد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس.
وأصدر الديوان الملكي السعودي بياناً، جاء فيه: «تأمل حكومة المملكة العربية السعودية أن تراجع الإدارة الأميركية هذا الإجراء، وأن تنحاز للإرادة الدولية في تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه المشروعة، وتجدد التأكيد على أهمية إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة، والمبادرة العربية، ليتمكن الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه المشروعة، ولإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة».
الروابط :
تعليقات
إرسال تعليق