آخر تحديث: الثلاثاء، ١٣ مارس/ آذار ٢٠١٨ (٠٠:٠٠ - بتوقيت غرينتش)جدة – عمر البدوي
يقول الشاعر عبدالله بيلا إن الحزن مولّد حقيقي للوجود، وجودِنا كبشر، ومولّد حقيقي للإبداع في بعض حالاته، وبعض الحزن أعظم من بعض، وإنّ نشأته وحياته في مدينة عالمية كمكة المكرمة، ترفده بالكثير من التجارب الروحية والوجدانية والتأملية، ويساعده على إثراء تجربته الشعرية وتطويره. ويوضح بيلا في حوار مع «الحياة» أن مكة المكرمة من محرضات إبراز سؤال الهوية في الواجهة لمحاولة شرحها وفهمها كما يجب، وكلما اتسعت هذه الأسئلة، ازداد الثراء والركض الفكري الذي من الجيد ألا يتوقف أبداً.
بيلا من مواليد عام 1981 بمكة المكرمة، حاصل على درجة الماجستير في الأدب والنقد العربي من جامعة المدينة العالمية في ماليزيا، صدر له ديوان تآويل ترابية 2012 وديوان صباحٌ مرمّم بالنجوم 2016.
تأهل إلى نهائيات مسابقة أمير الشعراء، النسخة الخامسة 2013 وفاز بالمركز الأول في مسابقة ملتقى جازان عام 2012 ٬ ومؤخراً فاز بجائزة السنوسي للشعر. إلى نص الحوار:
> يبدو العيش في مكة المكرمة يعطيك طفولة سخية، وطابعاً عالمياً، إلى أي مدى تركت فيك مكة أثراً وسحراً؟
- مكة المكرمة نبع أصيل من منابع الإنسانية العظيمة، التي تدفقت لتعم العالم كله، وظلت على مدى تاريخها معملاً بشرياً إنسانياً عظيماً يستوعب الناس بشتى ألوانهم ومشاربهم وثقافاتهم، لينتج تلك الثقافة والهوية
العالمية.
ولا شك أنّ النشأة والحياة في مدينةٍ عالمية كمكة المكرمة، سيرفدني بالكثير من التجارب الروحية والوجدانية والتأملية، ما يساعدني على إثراء تجربتي الشعرية وتطويرها كلما سنحت الفرصة لذلك.
محرضات سؤال الهوية
> قلق الهوية لديك يطغى في شعرك، ألا تكفي مدينة مثل مكة، لتشبع استفهاماتك وتعطيك إجابات ناضجة تطفئ حرارة الأسئلة؟
- ما يمكن تسميته قلقاً في الهوية، أسميه أحياناً اتساعاً في مفهوم الهوية، وهذا الاتساع لا يبحث عن إجابات ناجزة، على العكس تماماً هو اتساعٌ لا محدود، تتسع الأسئلة معه وتتمدد، ومدينة مثل مكة المكرمة بما تحتويه من قبائل وأعراق وأجناس مهاجرة ومندمجة فيها، هي من محرضات إبراز سؤال الهوية في الواجهة لمحاولة شرحها وفهمها كما يجب، وكلما اتسعت هذه الأسئلة، ازداد الثراء والركض الفكري الذي من الجيد أن لا يتوقف أبداً.
> هل تخلصت قصيدة النثر اليوم من ورطة الجدل في بواكير حضورها لدينا، وأصبحت تطبخ الآن بهدوء وتنضج بدون عواصف؟
- لم ولن تتخلص قصيدة النثر من هذا الجدال الممتد على مسافة زمنية تتجاوز النصف قرن، وذلك عائد إلى صعوبة التسليم بوجودٍ نصٍ شعري لا يحتكم إلى أهم الأدوات والتعريفات الكلاسيكية للشعر، وافتقاد النص النثري للوزن تحديدا أو الموسيقى الخارجية الذي اعتادت الأذن على سماعها ربما هو السبب الرئيس لهذا الجدال المستمر، وكما استطاعت قصيدة التفعيلة إثبات حضورها رغم كل الجدال الذي صاحبها في إشراقها الأول، ستفعل قصيدة النثر ذلك.
> بأي هدف تكتب انطباعاتك النقدية، خدمة لأصدقائك أم تدريب لنفسك على تلافي الأخطاء والوعي بها؟
- ما أكتبه أحيانا من انطباعات عن بعض النصوص أو الأعمال الأدبية، هو رأيٌ فني انطباعي لا يحتكم إلى صرامة الأدوات النقدية، والكتابة عن العمل الجميل صورة من صور الامتنان والتقدير، سواءً كان هذا العمل لصديقٍ مقرّب أم مبدعٍ لا تربطني به علاقة، ودائماً لا مجاملة في تقويم الإبداع.
> تبدو وكأنك ضيف مفضل على الجوائز والمسابقات الشعرية، ماذا يمكن أن تقدمه الألقاب للشاعر؟
- صراحةً أضحكني هذا السؤال ابتداءً، إذ كيف يمكن اعتباري ضيفاً مفضلاً على الجوائز وعدد الجوائز التي فزت بها لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة؟
ما يحدث هو أنّني أشعر أحياناً بأهمية أن يكون هناك تقويم لكل تجربة وعمل إبداعي، والمسابقات الشعرية على رغم كل ما يمكن أن توصف به من آراء سلبية، تظل متنفساً لا غنى عنه للمبدع، والشيء الحقيقي الذي يمكن أن يشكّل إضافة إلى المبدع هو إبداعهُ وحسب، مع التأكيد على أنّ الفوز بالجوائز لا يعني الأفضلية دائما.
كهف يزداد ظلمة
> ما زلنا نستلُّ بين وقتٍ وآخر أبشع صور الوحشية التي طبعناها في ذاكرة التاريخ منذ آلاف السنين، (عنترياتٌ، عنصرياتٌ، غزواتٌ، رقيقٌ، سبايا، تمثيلٌ بالضحايا.. إلخ) كل هذا يثبت أنّنا لم نخطُ إلى الآن في سباق الإنسانية أيّ خطوةٍ إلى الأمام، كيف نخرج من هذا النفق المظلم؟ على الأقل ثقافياً وفكرياً.
- أرجو أن يكون نفقاً كما وصفت كي يكون له مخرجٌ من الجهة الأخرى، بغضّ النظر عمّا يمكن أن ينتظرنا خارج النفق، ولكنّ المخيف حقاً أن نكون قد أوغلنا داخلَ كهفٍ يزداد ظُلمةً كلما تقدّمنا فيه أكثر، بعد أن عجزت أقدامنا عن الرجوع القهقرى.
ولا يمكن والحالةُ هذه أن يتم التعويل على أيِّ إصلاحٍ فكري إلا على المثقفين الأحرار، وهم وللأسف كالشعرة البيضاء في ظهر الثور الأسود.
> جيل شاب من شعراء مكة المكرمة يتجلى ويتبدى في المشهد، أي سرّ ساق إلينا هذا الجمال والجلال بعد غياب؟
- لا أظن أنّ هناك ما يمكن أن يوصف بغياب للشعراء الشباب تحديدا في مكة المكرمة، ولكن بين مرحلة وأخرى تبزغ أسماء وتأخذ حيزاً لا بأس به من الضوء، ثمّ تُفسح المجال لأسماء أخرى وهكذا دواليك، وأظن أنّ شعراء ما بعد الإنترنت قد أفادوا من التقنية وحازوا بها من الانتشار ما لم يتحقق لمن قبلهم.
> بوفاة أمك، رحمها الله، ينضاف إليك حزن دافق يرفد شلالات الحزن التي تغمر قصائدك، لك قصة مع الحزن؟
- كلنا لنا قصص مع الحزن، الحزن كمولّد حقيقي للوجود، وجودِنا كبشر، وكمولّد حقيقي للإبداع في بعض حالاته، وبعض الحزن أعظم من بعض، ولا أعظم من حزني على فقد والدتي، ولكن دائما ما يطل للفرح وجهٌ بين طيات الحزن، لأنّ الحياة جديرة بأن تُعاش.
> عندما تقرأ المترجم إلى العربية من فنون الأدب المختلفة، إلى أي مدى تتذوق ما تقرأ، وكيف تستطيع الترجمة أن تكون أمينة إلي درجة تجعلها تنقل أدباً مؤثراً أكثر ما تكون حرارته عندما يكتب بكراً وفي لحظته؟
- الترجمة هي محاولةُ محاكاةِ لغةٍ أخرى، وما دامت الترجمة مجرد محاولات لنأخذها على هذا الاحتمال، عندها سنقرأ النص المترجم كعمل آخر يحاول محاكاة عملٍ آخر بلغةٍ مختلفة، ولذلك لا يمكن أن تكون الترجمة أمينة بالمعنى الحرفي، إذ لكل لغةٍ مفرداتها وصورها وتعابيرها وطقوسها، ولو لم يكن من الترجمة إلاّ أنها حاولت أن تفتح أعيننا على الآخر بشتى إبداعاته وأفكاره وانتماءاته، لكفى.
> هل سنندم يوماً ما على تلك الحماقات والخطايا الجميلة التي استنكفنا عن ارتكابها؟
- طبعاً، ما نستنكف عن فعله اليوم ونسميه حماقة، سنكون غدا في غاية الندم على التفريطِ فيه، الإنسان في المحصلة الأخيرة هو مجموعة من الأخطاء والحماقات الجميلة.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق