30 يونيو 2012 مرسي يخطب في التحرير؛ من هنا بدا أن الرئاسة عند الجماعة غاية
بغض النظر عن وصف ما حدث في مصر بعد 30 يونيو بالانقلاب العسكري أو تنفيذ الجيش لإرادة مظاهرات تمرد المليونية باسم الشرعية الشعبية في مقابل شرعية الصندوق التي امتلكها الرئيس المعزول مرسي بفارق بسيط وفي الجولة المتأخرة، فإن مصر كادت أن تنحرف عن ثورتها المجيدة منذ أن أخطأت في ترتيب مسار ما بعد الثورة بتعيين رئيس منتخب قبل أن تكنس آثار الدولة العميقة السابقة أو تبني مؤسسات الدولة ودستورها على نمط توافقي ومواطني كبيرين.
عمر علي البدوي
كان الانحراف الأول هو استعجال ثمرات الثورة، وبدا وكأن انتخاب رئيس مدني جديد وعبر صناديق الاقتراع هو الحلم الوحيد لشعب عاش 60 عاماً تحت سلطة العسكر، اصطف المصريون لإبداء آرائهم في انتخابات الرئاسة وظهرت النتائج بما يكشف عن ذهنية مبددة بين الدولة العميقة أو جماعة الإسلام السياسي الأبرز آنذاك.
حتى عندما بدأت بواكير ثورة 30 يونيو، استخدم الرئيس المعزول مرسي كلمة الشرعية بدرجة جنونية وكأنه يكشف عن زاوية الانحراف في ترتيب الثورة المصرية على نمط صالح ومجد، إذ لا تكفي شرعية الكرسي الرئاسي في ظل دولة صاعدة باتجاه الديمقراطية الناضجة وتواجه في سبيل ذلك أعباء ثقيلة تعيق حركتها وتجذبها إلى وحل ستيني عميق.
فوز صغير واستعلاء
حصل الإخوان على الفرصة الذهبية لحكم البلاد بفارق ضئيل لا ينبئ عن شعبية جارفة ولكنهم تعاملوا وكأنهم الناطقون باسم كل الشعب والمعبرون عن أعماق نياته ومنتهى طموحاته، سريعاً ما شرع الإخوان في فرض رؤاهم السياسية المتواضعة في مقابل إرث استبدادي ضخم، وحصل الإخفاق بفرضهم العزلة على أنفسهم وتبنيهم مشروع تصحيح أوضاع البلاد بمفردهم وإقصاء الأطراف السياسية، أو تراجع تلك الأطراف والقوى عن المشاركة لأسباب وعلل متفاوتة.
مارس الإخوان في فترتهم الرئاسية المجهضة أخطاء قاتلة زادت المخاوف حول نيتهم فرض سيطرتهم المطلقة والأبدية على البلاد، لم يتبنّ الإخوان أي خطوة في سبيل التشارك وطمأنة الأطراف السياسية، وأمعنوا في تجاهل الجميع بحجة الاستغراق في بناء «دولة الحلم الثوري». لم تتخلص الجماعة من أزمتها التاريخية ومن عقد الماضي، تعاملت مع الفلول ومع المنافسين السياسيين على درجة واحدة من الشك والتخوين، رمتهم في زاوية النوايا السيئة واعتبرت تصرفاتهم وانتقاداتهم من قبيل سرقة الثورة. وجاء الإعلان الدستوري في سياق هذا الخوف المستبد مدفوعاً بشكوك مؤامراتية يبرمها الفلول وبقايا الدولة العميقة.
أخفقت مصر في التوافق على الدستور، والاتفاق على الوزارة، وإحداث المشاركة السياسية الحقيقية، وتطهير الإعلام على نحو غير إقصائي أو استشفائي، أو بناء اقتصاد ثوري لا يرتهن إلى المعالجات الرأسمالية الباهتة وإرساء ملامح العدالة الاجتماعية ورفع القدرات الاقتصادية المشلولة، وأخفقت إعادة تأسيس نظام قضائي مصري حر ومستقل ونزيه.
كانت الملفات شائكة ومعقدة، وفي المقابل كانت أساليب المعالجة باهتة ومترددة وتفتقد إلى الزخم الشعبي أو التوافق السياسي أو الحشد التوافقي، كانت كل الإخفاقات التي حصلت تقع على مصر وليس على الإخوان وحدهم، إذ لم يتحقق بناء وطن لكل المصريين، أو تقعيد لشكل مصر ما بعد الثورة.
بدأت الأزمة تتصاعد، وتعرض الإخوان لسلسلة من خذلان الجيران وانسحاب التحالفات على أساس ديني أو مصلحي، وبالغ الإخوان في التجاهل وخسروا مقابل ذلك حاضنتهم الشعبية والثورية، وتحالف الجميع لإفشال حكم الإخوان وإسقاطه لرد اعتبارهم السياسي أو إنقاذ مصر واسترداد الثورة.
الإخفاق إخواني والتبعات على مصر
أخفقت الرئاسة، هكذا ظهر للجميع قبل عزل مرسي، أو ظهر وكأن مصر تتجه إلى انحراف لأهداف ثورتها، عندما تبنت ترتيباً غير مستساغ لما بعد الثورة، فلم تتبن مشروع الترويكا الحاكمة التي تنتظم الأطراف والقوى السياسية المختلفة لولادة مشروع وطن ديمقراطي توافقي للجميع، ولم تبعث تطمينات كافية للأقليات، وتراجع دور الشباب عند أول عتبات الخروج من الحالة الثورية إلى «الدمقرطة» الدستورية، وأخفقت النخب السياسية الطليعية وعلى رأسها الجماعة الإسلامية الحاكمة.
العسكر بديل عن «القطبية»
تدخل الجيش، ولم يكن تدخله محل ترحيب مطلق لدى بعض القوى الدولية والمحلية رغم برقيات التهنئة وحشود الاحتفالات المليونية في ميادين مصر القاهرية، أبصرت قوى المجتمع الدولي ملامح لعودة الحكم العسكري وتأخير الاستحقاق المدني الديمقراطي في أرض الكنانة، وتباينت المواقف في توصيف ما حدث بأنه انقلاب عسكري أو ثورة تصحيحية؟
واجه الإخوان المسلمون عسر الهضم العسكري، وهو ما يشبه إلى حد قليل ما حدث في تركيا والجزائر، وتوقفت درجة المطابقة بينهما على رد فعل الإخوان تجاه تصرف الفريق السيسي، ظهرت ملامح عنف مبعثرة وكأن عشرية جزائرية تطل برأسها.
ولكن انشقاقات شبابية وردود فعل مختلفة نادت بضبط النفس والركون إلى الاعتدال والتأني وحفظ الدم المصري والإبقاء على بريق الثورة المصرية المشرقة خففت من حدة التوتر. اليوم تواجه مصر مسؤولية المستقبل الغامض، بين عودة العسكر إلى الحكم، أو ردة «قطبية» للساحة المصرية تعيث في الأرض فساداً، وبكلا الحالين فإن حاجة جماعات الإسلام السياسي إلى مراجعة داخلية ضرورية إلى الدرجة التي تفرض عليها التنازل عن أدبياتها المنغلقة والمفاصلة، وتحتّم على الجيش المصري وخطة طريقه الجديدة أن تخفف من حالة الاستقطاب والاستعداء السياسي، وأن تعيد عبر مجلس قيادة مدنية انتقالية الخروج بمصر من قبضة الفوضى العارمة إلى بر الأمان، وأن يعيد إلى الثورة وهجها عبر التشارك السياسي والتوافق الوطني ونبذ الإقصاء والتشاحن، وإعادة ترتيب مسار الثورة على نحو لا يعيد إنتاج النظام القديم أو حرف الثورة وأهدافها عن المسار السليم.
الرابط : http://www.alarab.co.uk/?p=51816
الرابط : http://www.alarab.co.uk/?p=51816
تعليقات
إرسال تعليق