التخطي إلى المحتوى الرئيسي

«المِفْقَديّة والرمَّضة والمعَاون» عادات نسائية في «وادي حلي» تنتعش في رمضان



القنفذة - عمر البدوي
الخميس ١١ يوليو ٢٠١٣

يتضاعف التواصل الاجتماعي في رمضان، على رغم قوته في قرى الريف الجنوبي من المملكة ولكنه يتنامى في صورة ظاهرة خلال ليالي شهر رمضان المبارك، لما لها من روحانية دينية فائقة التأثير وتاريخ اجتماعي مميز وطابع ثقافي مغاير.
وبخصوص النساء اللاتي يتزاورن في قرى وادي حلي في شكل دوري، فإنهن قديماً خلال شهر رمضان ينفردن ببعض عادات التزاور التي تنقطع على امتداد العام ويوقظها حلول الشهر الفضيل.
في مطلع الشهر وخلال لياليه الثلاث يلتزم النساء البقاء في بيوتهن ولا يغادرنها مطلقاً في ما كان يعرف بـ«الرمّضة» ويقصد بذلك الترحيب بشهر رمضان وتوقيره على طريقتهن الخاصة، والانقطاع عن التزاور اليومي إلا بعد مضي ثلاثة أيام من عمر الشهر، يقضيه النساء عادة في ترتيب شؤون المنزل والعناية بحاجات ساكنيه وتهيئة الناشئة.
وفي عادة أخرى تسمى «المفقدية» تزور النساء خلال شهر رمضان المبارك البيوت التي تعيش رمضان في ظل الغياب الأول لأحد أهلها، ويأتي هذا من باب المواساة وتسلية مصاب البيوت التي فقدت أحد أبنائها أو آبائها كباراً أو صغاراً قبل أن يتمتع ببركة هذا الشهر الكريم.
ويكاد يتحول ذلك البيت إلى نسخة مكررة من العزاء الأصلي للفقيد لكثرة ما تطؤه أقدام الزائرات والمواسيات، وتجد الأسرة في ذلك كثيراً من التسلية والترويح بمصاب الفقد الجلل.
في حال المرض أو النوازل التي تذكي التواصل الاجتماعي وتستدعي مواقف اجتماعية مضاعفة يتكفل الجيران بمؤنة الإفطار والسحور من دون تكليف أهل المصيبة بمشقة أو عناء، وتجد الأسرة المصابة في ذلك تخفيفاً عن عناء التعب وتجهيز إفطار أهل البيت في ظل الحزن الشديد أو الاشتغال بالتطبيب.
وفي حال كانت المرأة حاملاً تعاني لأواء الحمل أو وضعت طفلاً أو منشغلة بالرضاع والاهتمام في شأن مولودها، يتم توفير الأكل للمرأة الحامل حتى في نهار رمضان من دون أن يجد الجيران في ذلك مدعاة للتثاقل أو التكاسل، وأبعد من ذلك عندما يتطوع بعض نساء القرية لكنس البيت وتنظيفه وتجهيزه وترتيبه حتى لا يجتمع على ربة البيت شؤون بيتها وحاجة ولدها.
يبدو هذا السرد التاريخي للواقع الاجتماعي في رمضان قديماً ضرب من الأسطورة التي تذهب بالخيال إلى ما لا يطيق تصديقه، ولكن التماسك الاجتماعي وقتها كان يؤسس لهذا التواصل العميق بين الجيران ويضيف إليه حلول رمضان الكريم مبرراً دينياً ودافعاً وجدانياً ودفقاً إيمانياً قوياً.


الرابط : http://alhayat.com/Details/531649

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...