القنفذة - عمر البدوي
الأحد ١٤ يوليو ٢٠١٣
تعتبر عادة «الذُّواقة» واحدة من معالم شهر رمضان الكريم بالنسبة إلى أهالي وادي حلي الواقع في محافظة القنفذة (جنوب غربي المملكة).
وراجت هذه العادة في الزمان القديم، إذ يتبادل الجيران أطباقهم المتواضعة في ما بينهم، حتى لا يكاد يخلو بيت من طبق زائر يجمع أصناف المأكولات المتعارف عليها وقتئذٍ، وتصل الحال إلى درجة كبيرة من المشاركة والتواصل عندما لا تعود أواني البيت إلا نهاية الشهر الكريم بعد أن تطوف بيوتات القرية كسفراء حب وتراحم وود في ما بينهم. وتحرص ربات البيوت على ألا تخلو الأطباق من واحد من الأصناف المعمولة لديها، إلا وجعلت منه جزءاً لجارتها لتصبح بذلك السُفر وكأنها نسخة متفقة. ويتعرف الجيران على ما يأكلون ويشربون ويطعمون، وذلك في وقت كانت تغيب فيه الحواجز بين الجيران ولا يحول دون التواصل والتشارك مانع وحائل مادي أو معنوي.
تقول أم صديق إحدى ربات بيوت قرية الصفة إنها كانت تجد في ذلك متعة لا تضاهى، وتضيف إلى الاستئناس بدخول الشهر الكريم تقارب القلوب والتشارك في ما بينها وجاراتها في المأكل والمشرب، ويتلاشى بذلك تأثير الفروقات المادية والتباينات المعيشية في إطار اجتماعي يحضّ على التشارك ويجمعهم على «العيش والملح».
ومن اللافت أن ربات البيوت يجعلن لهن ترتيباً مجدولاً للبيوت اللاتي يخترنها كل يوم لتزويدها بالذُّواقة، بما يعطي فرصة كافية لتصل إلى كامل بيوت القرية وعلى امتداد الشهر الفضيل، فلا يكاد ينتهي الشهر إلا واستطاع كل بيت أن يكون له حظ من طبخ الآخر ونصيب من سفرتهم العامرة. أم محمد التي بلغت التسعين من عمرها تقص شيئاً من تلك المواقف وفي محاجرها دمع متوقف من دون انسكاب، وهي تستذكر مواقف رمضانية كانت فيها الألفة الاجتماعية أكثر قوة وتماسكاً مما هي عليه اليوم، وتذكر أنها كانت في أيام صباها تتنقل بنشاط بين البيوتات وهي توزع الأطباق أو تنتظر طارق الباب وتهرع لفتحه، وهي على يقين أن وراءه طبقاً من جارتها الملاصقة، أو آخر من تلك التي تسكن في طرف القرية.
وتستطرد أم محمد في حديثها الآسر بلهجتها التهامية الصلبة أنه قد تجتمع على سفرتهم الرمضانية في تلك الأيام أصناف متنوعة جاءت من بيوت الجيران المختلفة، وبمقادير تناسب تعداد كل بيت على حدة من دون إسراف أو تقتير. وعادة ما يتولى الأطفال الصغار حمل الأطباق إلى بيوت جيرانهم، فضلاً عن ترسيخ التواد والتراحم بين الجيران في نفوس الصغار بتوظيفهم في هذا الدور الاجتماعي النبيل، تحمل كل فتاة أو صبي رسالة اجتماعية تفيض بالود والتراحم وتعتذر عن التقصير في الطبخ أو المقدار يلقيها الطفل في مسامع من يصادف أن يحمل منه هذه الأطباق. اليوم تغيب إلى حد بعيد هذه العادة الاجتماعية الراقية بعد أن ضرب بين الجيران ببنيان سميك، ونما لديهم شعور قاسٍ بالتنائي والتباعد.
الرابط : http://alhayat.com/Details/532444
وراجت هذه العادة في الزمان القديم، إذ يتبادل الجيران أطباقهم المتواضعة في ما بينهم، حتى لا يكاد يخلو بيت من طبق زائر يجمع أصناف المأكولات المتعارف عليها وقتئذٍ، وتصل الحال إلى درجة كبيرة من المشاركة والتواصل عندما لا تعود أواني البيت إلا نهاية الشهر الكريم بعد أن تطوف بيوتات القرية كسفراء حب وتراحم وود في ما بينهم. وتحرص ربات البيوت على ألا تخلو الأطباق من واحد من الأصناف المعمولة لديها، إلا وجعلت منه جزءاً لجارتها لتصبح بذلك السُفر وكأنها نسخة متفقة. ويتعرف الجيران على ما يأكلون ويشربون ويطعمون، وذلك في وقت كانت تغيب فيه الحواجز بين الجيران ولا يحول دون التواصل والتشارك مانع وحائل مادي أو معنوي.
تقول أم صديق إحدى ربات بيوت قرية الصفة إنها كانت تجد في ذلك متعة لا تضاهى، وتضيف إلى الاستئناس بدخول الشهر الكريم تقارب القلوب والتشارك في ما بينها وجاراتها في المأكل والمشرب، ويتلاشى بذلك تأثير الفروقات المادية والتباينات المعيشية في إطار اجتماعي يحضّ على التشارك ويجمعهم على «العيش والملح».
ومن اللافت أن ربات البيوت يجعلن لهن ترتيباً مجدولاً للبيوت اللاتي يخترنها كل يوم لتزويدها بالذُّواقة، بما يعطي فرصة كافية لتصل إلى كامل بيوت القرية وعلى امتداد الشهر الفضيل، فلا يكاد ينتهي الشهر إلا واستطاع كل بيت أن يكون له حظ من طبخ الآخر ونصيب من سفرتهم العامرة. أم محمد التي بلغت التسعين من عمرها تقص شيئاً من تلك المواقف وفي محاجرها دمع متوقف من دون انسكاب، وهي تستذكر مواقف رمضانية كانت فيها الألفة الاجتماعية أكثر قوة وتماسكاً مما هي عليه اليوم، وتذكر أنها كانت في أيام صباها تتنقل بنشاط بين البيوتات وهي توزع الأطباق أو تنتظر طارق الباب وتهرع لفتحه، وهي على يقين أن وراءه طبقاً من جارتها الملاصقة، أو آخر من تلك التي تسكن في طرف القرية.
وتستطرد أم محمد في حديثها الآسر بلهجتها التهامية الصلبة أنه قد تجتمع على سفرتهم الرمضانية في تلك الأيام أصناف متنوعة جاءت من بيوت الجيران المختلفة، وبمقادير تناسب تعداد كل بيت على حدة من دون إسراف أو تقتير. وعادة ما يتولى الأطفال الصغار حمل الأطباق إلى بيوت جيرانهم، فضلاً عن ترسيخ التواد والتراحم بين الجيران في نفوس الصغار بتوظيفهم في هذا الدور الاجتماعي النبيل، تحمل كل فتاة أو صبي رسالة اجتماعية تفيض بالود والتراحم وتعتذر عن التقصير في الطبخ أو المقدار يلقيها الطفل في مسامع من يصادف أن يحمل منه هذه الأطباق. اليوم تغيب إلى حد بعيد هذه العادة الاجتماعية الراقية بعد أن ضرب بين الجيران ببنيان سميك، ونما لديهم شعور قاسٍ بالتنائي والتباعد.
الرابط : http://alhayat.com/Details/532444
تعليقات
إرسال تعليق