قضية فلسطين تمثل مجرد شعار للتسويق وحشد الجماهير في أدبيات التيارات الإسلامية
عمر علي البدوي
اليوم مع مضيّ الكثير من الوقت ومع صعود حركات الإسلام السياسي، بدأت المفاضلة الحادة بين المشروع الإسلامي السياسي الصاعد ونظرته إلى القضية الفلسطينية وطريقة حلها، وبقية الحواضن السياسية والأيديولوجية التي تتقاطع مكوناتها مع الحق الفلسطيني. تتناوب حركات الإسلام السياسي الاهتمام بفلسطين كورقة دعائية تجد لها مبرراً في الوجدان العربي وتسوّقها كبضاعة مستساغة لبسط نفوذها وكسب تأييد الشارع وتحقيق مصالحها الالتفافية أحياناً، كما تهاجم بقية التيارات الأخرى وتتهمها بالخيانة والعمالة، يساعدهم على ذلك ذبول فاعلية التيارات القومية والوطنية والعلمانية التي كانت في صدارة المشهد سابقاً.
ولعل أقدم صورة تاريخية للتنافس على الفكرة الإسلامية وغيرها في تبني القضية الفلسطينية تعود إلى سنة 1969 عندما استجاب ياسر عرفات وخليل الوزير لطلب من أمين الحسيني يتضمن تأسيس قاعدة عسكرية في الأردن تكون مقصورة على مجموعة إسلامية قريبة منه. وكانت الذريعة أن أعضاء هذه المجموعة لا يستطيعون العيش في قواعد لا يصلي فيها بعض العناصر ولا يصومون. أُنشئت هذه القاعدة بالفعل قرب مدينة الزرقاء، ولكن بصورة شبه سرية.
ضمت هذه القاعدة أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين مثل عبد الله عزام (فلسطيني) ومحمد حديد (سوري) وآخرين. وعندما كُشف أمر هذه القاعدة، احتج إقليم حركة فتح في الأردن على هذا التمييز، وعلى هذه الانعزالية بين المقاتلين، وكانت ردة فعل أعضاء الإقليم سلبية جداً، فاضطر صلاح خلف (أبو إياد) مسؤول جهاز الرصد إلى إغلاق القاعدة. وفي الأثر انضم بعض هؤلاء إلى حركة فتح، وسمح لهم، لاحقاً، بإنشاء قواعد منفصلة سـُمّيت «قواعــد الشيوخ» بيــنما آثــر آخرون الانصراف إلى شؤونهم. وفي أحداث أيلول 1970 وقفت قواعد الشيوخ على الحياد في الصراع بين الفدائــيين والنظــام الأردنــي، ثم اندثــرت دون أن تترك أثرا في الحركة الوطنية الفلسطينية.
ويقترن وجود الحركات الإسلامية في الداخل الفلسطيني بفترة زمنية بدأت سنة 1945 بتأسيس فروع لجماعة الإخوان المسلمين في مدن فلسطينية عديدة في عهد الانتداب البريطاني، وهي المرة الأولى التي تظهر فيها قوة دينية في صورة جماعة سياسية متميزة عن المجموع الإسلامي العام.
وتبع ظهور جماعة الإخـــوان الفلسطينيين إنشاء حزب التحرير في القدس سنة 1953. وقد تبـــلورت الحركات الإسلامية الفلسطينية بصورة أوضح عقب انتصار الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979.
فلسطين والإخوان المسلمين
منذ البدايات الأولى للحركة في القاهرة، كان عبدالرحمن البنا هو الصوت الرئيسي والبارز للجماعة في التعبير عن هذا الاهتمام.
على أن النشاط الأساسي للجماعة في هذا المجال كان يتركز حتى ذلك الوقت في حقل الدعاية. وظلت مشكلة فلسطين محتفظة بحضورها السياسي من خلال الإشارة الدائمة لها في الصحف والكتيبات والخطب، والاجتماعات الشعبية وفي التظاهرات.
وعندما وصل المفتي، الحاج أمين الحسيني، إلى القاهرة عام 1946 قادت صحيفة الجماعة حملة مناشدة ناجحة للحكومة لمنحه حق اللجوء السياسي. وبعد صدور قرار التقسيم في تشرين الثاني 1947 اشترك البنا مع بعض الشخصيات الإسلامية مثل صالح حرب باشا من جمعية الشبان المسلمين ومحمد علوية باشا في تشكيل «لجنة وادي النيل» لجمع المال والسلاح للمتطوعين الذين أصبحوا يجندون علنا لإنقاذ فلسطين، وكان مصطفى مؤمن ممثل الجماعة في تلك اللجنة.
ليس معروفا على وجه التحديد إلى أي مدى شارك الإخوان في حرب فلسطين، كما أن طبيعة أنشطتهم خلالها ليست واضحة تماما. ومع ذلك فمن الممكن إيضاح بعض النقاط في ما يتعلق بذلك فحتى قبل أن يصل المتطوعون الرسميون «للجامعة العربية» كان الإخوان قد اشتبكوا مع الصهاينة في النقب بالإضافة إلى مساهمتهم في تعزيز الدفاع العربي عن القدس وبيت لحم، قبل وبعد الهدنة الأولى.
بعد ذلك بوقت طويل تأسست حركة المقاومة الإسلامية (حماس ) وهي حركة إسلامية تنادي بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وجذورها إسلامية حيث يرتبط مؤسسوها فكرياً بجماعة الإخوان المسلمين وتهدف الحركة إلى استرداد أرض فلسطين الوطن التاريخي للفلسطينيين بعاصمته القدس.
أصدرت حماس بيانها الأول عام 1987 إبان الإنتفاضة الفلسطينية التي اندلعت في الفترة من 1987 وحتى 1994، ثم صدر ميثاق الحركة في أغسطس 1988، لكن وجود التيار الإسلامي في فلسطين له مسميات أخرى ترجع إلى ما قبل عام 1948 حيث تعتبر حماس نفسها امتدادا لجماعة الإخوان التي تأسست في مصر عام 1928 وقبل إعلان الحركة عن نفسها عام 1987 كانت تعمل على الساحة الفلسطينية تحت اسم المرابطون على أرض الإسراء».بلغت خلافات حماس مع حركة فتح أوجها بعد إقالة حكومتها ثم إحكام قبضتها الأمنية على قطاع غزة، وتبادل الطرفان الاتهامات والتناحر السياسي، مما تسبب في شق الصف الفلسطيني وتعقيد المسألة الوطنية.
فلسطين والحركات الإسلامية الشيعية
من بين الشعارات الأخاذة للثورة الإيرانية كان شعار «اليوم إيران وغداً فلسطين» وشعارات «الموت لإسرائيل» التي كانت تدبّج خطابات قادة الثورة الإيرانية، وكانت تمثل المحرك الأساسي لعواطف الجموع الغفيرة من الجماهير الفرحة بسقوط عرش البهلوي، وكان هذا هو تطلع الشارع العربي الذي تعاطف مع هذه الثورية وشعاراتها التي توسم فيها خيراً.
ولكن الكثير من المراقبين اعتقدوا ومنذ الوهلة الأولى أن هذا الشعار لا يعدو كونه شعاراً استهلاكياً شأنه شأن شعار (لا شرقية ولا غربية) وغيره من الشعارات الأخرى التي رفعتها الثورة الخمينية.
حزب الله اللبناني ذو الميول الإيرانية والهوية الشيعية أكد في أحد إعلاناته السياسية موقفه من استمرار نضال المقاومة الإسلامية حتى محو إسرائيل من الوجود، وهو مفهوم أسس عليه حزب الله مقاومته العسكرية والسياسية والفكرية والإيديولوجية. وقد شدد الإعلان على أن وجود الكيان الصهيوني غير شرعي، فهو لا يملك أي حق بالوجود ولا يملك أي عربي أو مسلم حق منح إسرائيل أي اعتراف أو شرعية. أعلن حزب الله أن عداءه لإسرائيل هو شعار يُرفع ضد الصهيونية لتحرير القدس والأراضي المقدسة.
ولكن هذا الزعيق الشعاراتي تراجع بعد تورط الحزب في القتال إلى جانب النظام السوري في مواجهة الثورة الشعبية، ولم يسلم هذا التورط الصريح والذي واجه انتقادات واسعة من توظيف التبريرات التقليدية، كون مشاركته جاءت ضمن إستراتيجيته وعقيدته الرامية إلى تحرير فلسطين والنيل من الكيان الإسرائيلي .
الحركات الإسلامية التي تقبع داخل فلسطين أو خارجها وتستخدم القضية الفلسطينية كورقة دعائية أو ضمن أدبياتها وقواعدها الأصيلة لا تحمل مشروعاً متوافقاً، ولكنها تتخذ مواقف مختلفة فيما بينها تصل إلى درجة العداء والتنائي، وهذا مما يزيد المسألة تعقيداً وتداخلاً إلى المستوى الذي يدفع للسؤال: أيّ هذه الحركات يمثّل المشروع الأقرب إلى الرأي الإسلامي السياسي في معالجة إشكال القضية الفلسطينية المتعثرة؟
الرابط : http://www.alarab.co.uk/?p=50289
تعليقات
إرسال تعليق