التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مؤتمرات «رابطة العالم الإسلامي» تعيد تحرير مفاهيم الدين وتفعيل مضامينه


ماتزال فعاليات التقريب بين الأديان والفرق والمذاهب تتواصل وتنمو، بوصفها طريقا مضيئا في أدغال وحقول الواقع الملغمة بمناسبات الصدام والتناحر، غير آبهة بسحابة الإحباط التي تخيّم في سماء البشرية، وتخنق كل محاولات النهوض إلى عالم سلمي تسوده المحبة المتجاوزة للاختلافات، وتربط ما بين البشرية من دون اختلاف ولا خلاف.
واخيراً اختتمت أعمال المؤتمر الدولي «السلام في الأديان السماوية»، الذي عقدتـه رابطة العالم الإسلامي، بالتعاون مع مركز إكسفورد للدراســـات الإسلامية بجامعة إكسفورد بالمملكة المتحدة، على مدى يومين، بمشاركة نخبة مميزة من كبار القيـــادات الدينية والفكرية والأكاديمية من ذوي العلم والرأي والتأثير حول العالم.

تبدو اللحظة الراهنة أكثر إلحاحاً إلى دعوات ومنصات السلام والتواصل والتفاهم بين المدراس والفرق المختلفة، إذ تشتد حلكة الواقع المتفجر بالأحداث، ويزيد توريط الدين في التوظيف السياسي غير النزيه، وتصل الحال المتمثلة بصور من الطائفية والعنصرية البغيضة إلى إراقة شلالات من الدماء والدمار، الذي يأتي على البشر والحجر ومستقبل الأجيال التي تنتظر أن تخرج إلى هذا العالم محفوفة بالآمال والاستقرار، ولكن الفجائع تحرمها حقها في الاستمتاع والبناء والنماء في الحياة.


وتهتم هذه اللقاءات بتعزيز السلم العالمي، في ظل ما يشهده العالم اليوم من الحروب والمآسي، وقد تتلبس هذه الحروب اللبوس الديني، إلا أن الأديان ليست سبباً في الحروب، وإنما هي دعوة للمحبة والسلام.

وكما أن الأديان عموماً هي أكثر المواضيع استغلالاً وعرضة لانتهازيات البشر، فإن بإمكان العقلاء في كل دين أن يحولوه إلى رأس قاطرة التحول إلى عالم أكثر أمناً وسلاماً وازدهاراً، بإعادة تحرير المفاهيم التي اختطفت لمصلحة شعارات التذابح السياسي، وتفعل المضامين الجوهرية والنوعية التي ينطوي عليها كل دين، في سبيل رفاه الإنسان وإعمار الأرض وإعادة وصله بهداية السماء.

تفصح المؤتمرات المتعاقبة، التي تنطلق من مؤسسات راشدة اختارت تحمّل هذه المسؤولية العريقة، عن ﺿـﺮورة ﻣـﻠﺤﺔ؛ لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه الإنسانية ﻋـﻠﻰ كل المستويات، وبخاصة ﻓـﻲ ظـﻞّ اﻟـﻌﻨﻒ المستشري والهشاشة غير المسبوقة، التي تسم الأوضاع الراهنة على مستوى العالم، إذ تتفاقم يوما بعد آخر مشكلات الفقر والبطالة والنمو اﻟـﺴﻜﺎﻧـﻲ، والتدهور اﻟـﺒﯿﺌﻲ، وانعدام الأمن، والتمييز اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ والعرقي، ومواجهة العنف، والظلم الذي يلحق بالمستضعفين عموماً في الوقت الراهن، وذلك ليس بسبب الاديان، وإنما بسبب منحرفين ومتطرفين اختطفوا الدين لغايات سياسية، فألحقوا الأذى بالبشرية عموماً.

يحتّم الواقع اليوم الحاجة البشرية إلى «حلف فضول» عالمي جديد جامع للقيم المشتركة، وهي التسامح وقبول الاختلاف والتعددية والحوار والتواصل، ليعمل هذا الحلف بمثابة دعوة عامة لاتحاد أصحاب النيات الطيبة من أجل المحافظة على شعلة الأمل في مستقبل أفضل للعائلة الإنسانية الكبرى، وصناعة جبهة فكرية موحدة، وصياغة تحالف إنساني يقوم على تفعيل دوائر المشتركات التي أدى تجاهلها إلى كثير من العنف والكراهية والدمار.




الرابط :
http://www.alhayat.com/article/4585530/


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...