بهدوء، وعلى غير العادة، مضت الفعالية التي نظمها النادي الأدبي في تبوك، واعتلت فيها محاضِرة منصة الأمسية لإلقاء أطروحتها، فيما تدير الأمسية أخرى في قاعة واحدة تجمع الجنسين من دون فواصل أو عوازل. ونظم النادي في مقره أخيراً، محاضرة بعنوان: «الإعلام التنموي ما بين الأسرة والمجتمع.. رؤية مستقبلية باتجاه رؤية 2030».
وتناولت المحاضرة، التي ألقتها الإعلامية نوال بخش، وأدارتها نورة العنزي، رؤية الإعلام المستقبلية باتجاه رؤية المملكة 2030، ودور الإعلام في توعية الجيل الجديد وتحذيره من حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي تشكك في الدين والوطن.وتعد هذه سابقة في تاريخ «أدبي تبوك» منذ تأسيسه؛ أن تجلس النساء والرجال في قاعة واحدة، كل في جهة، والاستغناء عن الدوائر التلفزيونية المستخدمة غالباً في هكذا مناسبات. ربما كان لمناسبة من هذا النوع في وقت سابق، أن تثير جدلاً لا يتوقف في مساحات النقاش المعتمدة لدى السعوديين، بين طرفين تعودا الاشتباك بينهما في كل فرصة تلمع بالجدل والنقاش الحاد. كذلك شهد مسرح «أدبي جازان» قبل أيام، اعتلاء امرأة سعودية منصة مسرح النادي، ولكنها لم تكن الأولى، ففي عام 2011، شهد المرة الأولى حضوراً نسائياً ورجالياً تحت سقف واحد، لكن الندوة لم تسلم من الجدل واللغط، ثم تتالت المناسبات، التي بلغ فيها حد المناداة بإنزال النساء من فوق خشبات المسارح والمنابر، التي تجاوزت ما كان بالنسبة إلى بعض الفئات «خطاً أحمر يمسّ ثوابت وتقاليد المجتمع». في عام 2012، تطورت الحال بين مسؤولين في النادي الأدبي الثقافي بجدة ومجموعة مشايخ وطلبة علم، بسبب حضور نساء أمسية، وأطلقوا عبارات استهجان ضد هذا الأمر في قاعة المحاضرات بالنادي، مطالبين بإخراج النساء من القاعة. حدث مثل هذا في مناسبة ثقافية أخرى نظمها نادي الباحة الأدبي، اضطر حينها وكيل وزارة الثقافة والإعلام إلى نصح بعض المعترضين على ما وصفوه بـ«وجود المرأة بين الرجال» بالانصراف. إلا أن التحولات العميقة التي تشهدها السعودية هذه الأيام غيرت الحال، وخفت صوت «المعارضة العشوائية» بصورة كبيرة، تدعم ذلك خطوات رمزية تتبناها بعض المؤسسات الثقافية الوطنية، منها قرار النادي الأدبي في الرياض الشهر الماضي، إزالة الحواجز التي كانت تفصل بين النساء والرجال في قاعات المحاضرات والندوات التي يقيمها النادي. بدورها، قالت الكاتبة سالمة الموشي لـ«الحياة»: «قبل أكثر من عام من اليوم لم يكن وضع المرأة السعودية مثل ما هو عليه اليوم، على مستويات عدة»، مضيفة: «مازلنا نتذكر بتفاصيل كاملة الجدل والرفض والصخب الذي صاحب ظهور امرأة اعتلت منبر نادي أدبي، بينما اليوم تعتلي امرأة ربما منبر المكان ذاته ويصفق لها ويرحب بها الحضور».
وأشارت إلى أنه في فترة سابقة «بلغ التطرف المجتمعي والديني حداً أن وجد في ظهور امرأة على منبر مكان عام لنشاط أدبي ثقافي عارا كبيرا وخرقا للأنظمة وتابو وغيتو زج بالمرأة داخله حقبة طويلة ومظلمة»، ذاهبة إلى حد القول: «لم تتخذ أمة موقفاً متطرفاً متشدداً تجاه النساء كما حدث في مجتمعنا، إذ كان غياب المرأة لافتاً، وحضورها مقنناً، وفي كل حالاته كان حضوراً غير مرغوب فيه آثماً ومداناً تماماً، لكونهن الطرف الأضعف ضمن جماعات تحول دون استقلاليتهن وتضعهن في الصفوف الأخيرة». وعلقت الموشي صاحبة كتاب «الحريم الثقافي» على ما اسمته «التحولات الدراماتيكية» التي ظهرت في الفترة الأخيرة، والتي أظهرت نمطا وصورا جديدة تختلف عن نمط الحياة السابقة التي عايشنها النساء داخل المؤسسات الثقافية، لتتحول من دور متلقٍّ الى دور مشارك يسمح لها بالظهور العلني من دون أية محاذير. ورأت أن عملية التحول كانت «بطيئة بصفة عامة، لكنها مطّردة وقوية، وباتت واقعاَ»، مضيفة أن «التغيرات الجذرية التي طاولت تغيير شكل وحراك حياة النساء أتت بفعل قرار سيادي، والقرار السيادي يختلف كلياً عن أي قرار إداري، إذ ظلت المؤسسات الثقافية كافة لا تمتلك الاقدام عليه بشكل من الأشكال».
وأكدت أن «القرارات السيادية اليوم شكلت قفزاتٍ نوعية بالنسبة للمرأة، ونجحت في إعادة ترتيب الأولويات، وعلى رغم أن مؤسسات الدولة كافة رحبت بكل قرار يسمح للنساء بممارسة حياتهن الطبيعية فإن النوادي الأدبية والثقافية تدرك مدى الدور المخجل الذي كانت تمارسه ضد المرأة في السابق، وكم هو مدهش ومثير اليوم أن نشهد هذه المؤسسات ذاتها وهي تصفق وترحب بما كان عائقاً ومحظوراً أمس»، مضيفة أن «الدرس المستفاد كان قاسيا، ولا ينبغي أن نكتفي بالدرس المستفاد، بل أن نستمر في وقف آلية التحريض والاقصاء، وتغيير النظرة وإخراجها من سياق القوى الذهنية التي وصمت المرأة بالناقصة والعورة وغير كاملة الأهلية».
الهلالي: إقصاء تيار التشدد منح المرأة حقها المشروع
رأى الأكاديمي في جامعة الطائف أحمد الهلالي في اعتلاء المرأة منصة المؤسسات الثقافية «حقا مشروعا لها، وهو الأمر الطبيعي الفطري للبشر». وقال لـ«الحياة»: «لعل أكثر مؤرقات التلقي لخطاب المرأة أنها تتحدث من وراء جدر، لا تواصل بينها وبين متلقي خطابها إلا بالصوت، وحين تكون الخطابات طويلة فإني أفقد تركيزي ولا أستطيع متابعة القول، ما يعني ضياع الجهود والأموال التي بذلت، ناهيك عن الأعطال التقنية التي تكدر صفو كثير من الفعاليات». وأضاف «اللغط الممتد حول هذا الأمر كان يأتي قديماً من تحكم تيار متشدد، تحكمه نظرة سلبية تجاه المرأة، وخصومة عتيدة مع المؤسسات الثقافية، استمر في اتخاذها ذريعة لبث خطابه السلبي إلى المجتمع، ولعلنا نتذكر الهبة الاحتسابية التي مارسها حين ضاق الناس ذرعاً بخطابه، فظل يحاول تشويه كل فعالية ثقافية في الأندية الأدبية وفي معرض الكتاب وفي غيرها، لكن الأمور تعود إلى طبيعتها اليوم في ظل التوجه الرسمي إلى استئصال الخطاب المتشدد، وعودة البلاد إلى ما قبل انطلاق المد الصحوي 1979، بحسب التصريح الشفاف والصريح لولي العهد».
الرابط :
http://www.alhayat.com/article/4576491
تعليقات
إرسال تعليق