ما تزال صرخة الأديب السعودي جار الله الحميد، الفتى الغضّ الذي كبر حتى أصبح من أهم روّاد كتابة القصة في العالم العربي، تدوي في أذهان المثقفين وذاكراتهم، كأنما تحذرهم من المصير نفسه. لقد ذوت شعلة قلم الحميد الوقّاد، بعد أن أحاطت به الظروف الصعبة وأنهكه العوز. سال حبره مؤخراً يشكو من ضيق ذات يده، ويد الكثير من الأدباء والمثقفين السعوديين ممن أزهق عمره في سبيل الأدب، وخذلته الحياة، حبس قلمه لسنوات قبل أن ينفجر أسى وحسرة على حاله.
من حين لآخر نرى ونسمع عن أحد الرموز الثقافية، وهو في حال لا تليق باسمه ولا بتاريخه، من محمد الثبيتي إلى سراج عمر ثم مصطفى إدريس.. الخ، كما يقول الروائي عبد الله ثابت.
وعلق السؤال المزمن في شأن المثقفين، ما الذي يؤخر صندوق التقدير؟
ما كتبه الحميد ليس إلا نكأً لجراحات قديمة ومبيتة ترثي حال المثقفين، ومدخلاً لإعادة الحديث حول صندوق الأدباء. ما كتبه جار الله الحميد عن ظروفه المادية كان مؤسفاً ومحزناً للكثير، وهو يذكر بظروف المثقفين عموماً نتيجة الإهمال وغياب الدعم والتقدير المشجع على الإنتاج والشعور بالأمان. عن ذلك قال القاصّ محمد بن ربيع الغامدي لـ«الحياة»: «هذه سنن الاشتغال على الثقافة عبر التاريخ، المشتغلون على الثقافة فقراء معدمون غالبا، سعيد (ابن عمتي) اشتغل على تجارة البن وها هو الان من أغنى الأغنياء، بينما سعيد (ابن خالتي) اشتغل على أدبيات البن وها هو الان من أتعس الفقراء، كلاهما سعيد وكلاهما اشتغل على البن يا أخي».
ومع ذلك فإن الأمم الجديرة بالحياة تسأل عن أحوال أعلامها، تتفقدهم بين حين وآخر، تقدم المساعدة والعلاج والجائزة لأن كل الثروات ستزول وتذروها الرياح إلا تراث الأمة الثقافي فإنه باق. الأديب جار الله الحميد واحد من أعلام السبعينات والثمانينات الميلادية ترك ارثا ضخما من الشعر والقصة، بل جعله نشاطه الأدبي واحدا من أبرز أدباء المملكة، وهو جدير بوقوف وطنه إلى جانبه».
من جهته قال الأديب فيصل الشهري: «موجع أن تقدم خلاصة فكرك وأدبك لتتقاضى الجوع والفقر ثمناً، وللأسف هذا ما آل إليه حال بعض المثقفين، فالناشط في الفعل الثقافي إما بالكتابة أو بتقديم الأماسي الثقافية إذا لم يتنبه لنفسه ويصحو من سحر الأدب وهم الثقافة ليصنع ما يضخ عليه ولو النزر اليسير من المال فسيجد نفسه في قوائم الضمان الاجتماعي».
وأضاف: «نعم هناك مثقفون استطاعوا التكسب من ثقافتهم وهذا حق مشروع لهم ولكنهم قليلة وحالات شاذة. وبهذا تقع مسؤولية طبيب هذا الوجع على وزارة الثقافة في تفعيل فكرة صندوق الأدباء ليتولى مهام عدة على رأسها رعاية ذوي الدخل المحدود وتفريغ منهم على رأس العمل، ليتمكنوا من نثر جمالهم وفكرهم.
وفيما أعتقد أن هذا الصندوق إذا ما رأى النور سيحل إشكالات عدة تتلبس المثقفين وتتربص بهم، وربما هذا الوقت المناسب لإطلاقه خصوصاً وأن الوطن مقبل على رؤية حالمة لخلق وطن مثقف وإنسان واع، فمثلما نرغب أن تكون بلادنا وجهه سياحية فإننا نحلم أن تكون جنة أدبية وثقافية وهذا لن يكون إلا بتقدير المثقف ورعايته».
في أيار (مايو) من العام الماضي، جدد المثقفون السعوديون مطالبهم بالحاجة إلى صندوق للأدباء وضرورة النهوض بالثقافة في السعودية، وشددوا في اللقاء الذي جمعهم بوزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد العواد في نادي جدة الأدبي، على أهمية إعادة هيكلة الثقافة والاهتمام بالمثقف والأديب السعودي. وعن إنشاء صندوق يكون عوناً للمثقفين، قال الوزير العواد حينها: «فقط نحن في حاجة إلى بعض من الوقت وسترون بحول الله الكثير من هذه الأفكار في طور التحقيق».
أشعلت تلك الكلمات التي أطلقها جارالله المنتحبة مواقد التعاطف والمواساة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه خبزة واحدة لم تنضج لتسد جوعه وفاقة الكثير من الأقلام المتروكة على قارعة الجوع، وتضاعف حجم السؤال عن صندق يضمن حد الاكتفاء لمن يثري ثقافة البلاد. يعلق ثابت على ذلك ويقول: «كم تؤلم حياة الكاتب! يمجد الحياة والحقيقة، الحب والحلم، وأخيراً يحصل على هشتاق لإنقاذ ما بقي من صحته وحياته».
الرابط :
http://www.alhayat.com/article/4586048/
تعليقات
إرسال تعليق