منتحران في الحرم المكي خلال أسبوع وسعوديون يدشنون خطاً ساخناً لمنع الانتحار
سجلت الأجهزة الأمنية السعودية حالتي انتحار في الحرم المكي خلال أسبوع واحد فقط من شهر رمضان المبارك الماضي، واحدة من تلك الحالات وثقتها عدسة جوال وتم تداول المقطع المصور عبر شبكات التواصل. الحالة الأخرى باشرها الأمن في الحرم الشريف صباح آخر أيام رمضان، بعدما ألقى مقيم آسيوي بنفسه من أحد أدوار الحرم، ليسقط في صحن المطاف، ويلقى مصرعه وتسبب سقوطه في أذى لشخص آخر.
لم تقترب الحالات، على رغم تكرارها، من مستوى الظاهرة، لكن لا يكاد يخلو موسم للحج أو العمرة من حال انتحار أو أكثر، من دون الإفصاح عن تفاصيل أكثر عن دوافع هذه الحالات، وما إذا كانت لأسباب شخصية أم حال وعي غير دقيقة عن قيمة دينية متخيلة وراء فكرة الموت في هذا المكان المقدس بالنسبة لملايين المسلمين ينحدرون من خلفيات ثقافية واجتماعية مختلفة، تتباين في مستوى تعليمها وما تتعرض له من جوانب الفهم الديني والاجتماعي.
الحال الأولى خلال شهر رمضان اضطرت الأجهزة الأمنية المسؤولة عن الحرم المكي لتوزيع عدد من رجال الأمن والكشافة على حواجز سطح الحرم، لمنع الناس من الاقتراب والسيطرة على أي تطورات قد تحدث.
ولاحظ أحمد حشاش، وهو طبيب سعودي شاب، صادف وجوده بجانب الشخص المنتحر وعلى بعد ثواني من إقدامه على الانتحار، عليه بعض التصرفات الغريبة بما يوحي بمعاناة نفسية تعتريه، ومحاولته قراءة القرآن على مقربة من سور سطح الحرم على رغم منع الأجهزة المختصة ذلك، ولكن وأثناء الصلاة وقبل التسليمة الأخيرة ألقى بنفسه من أعلى السطح إلى قاع صحن المطاف وقضى نحبه على الفور.
لا يحدث هذا بعيداً عن تزايد حالات وصور الانتحار في العالم ككل، سيما من المجتمعات الغربية التي تمد العالم في كل مرة بقصص عن حالات انتحار لمشاهير وأثرياء وأبناء الأوساط الفنية والكوميدية التي تنفر عنها الكآبة كما تصور المظاهر والشكليات.
على وقع قصص الانتحار وأخباره التي جرى تداولها أخيراً، بدأ فريق سعودي مبادرة تأسيس خط ساخن للمساعدة على تلافي الانتحار، تحت عنوان «انت مهم»، دشنته مجموعة من المهتمين والراغبين في مواجهة الظاهرة والحد من انتشارها، ودعوا الراغبين للانضمام إليهم في تطوير العمل وإطلاق مشاريع «نوعية ومؤثرة» من نواة المبادرة، ومنها تأسيس خط ساخن وموحد للوقاية من الانتحار، أسوة في دول العالم السباقة إلى هذا الجانب، وتمكن الفريق خلال أسبوع واحد فقط من جمع 17 ألف توقيع، جاءت «دافعاً لمواصلة المهمة وتحقيق الهدف» كما قال أعضاء من الفريق.
وقال طالب الدكتوراه والباحث في العلوم السلوكية والاجتماعية محمد الحاجي: «انتحار من يعتقد أنه ناجح ومشهور وثري يدفعنا للتفكير، والسؤال عن السبب وراء اكتساح معدلات الاكتئاب والقلق سيما في المجتمعات الغربية. وفي حال أخذنا المجتمع الأميركي كمثال، بحكم مشاهدتي للأمراض الاجتماعية والاضطرابات النفسية التي تفتك به، بدليل تقرير نشر أخيراً عن أعلى سلطة صحية في الدولة تشير إلى أن نسب الانتحار ارتفعت في غالبية الولايات وبنسب دراماتيكية».
وأضاف الحاجي في مقطع مصور نشره على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي: «بالنظر إلى الموضوع من الأعلى، يمكن ملاحظة أمرين يسيران مع بعضهما، تحول الإنسان في المجتمع الرأسمالي إلى ماكينة للإنتاج المادي الساحق، للمزيد من الاستهلاكية أو سد الحاجات الضرورية في ظل غياب مفهوم المجتمع التكافلي. كما أن النواة الأولى للمجتمع، وهي العائلة، تعاني تفككاً رهيباً، بسبب ظروف العمل أو الطلاق».
وذكر أن المجتمع المدني يحاول تقديم المساعدة «ولكن شح الموارد وضغط الطلب لا يتساوى مع مستوى العرض». وحول التدين والإيمان والروحانيات التي يتحصن بها المسلمون أكثر من غيرهم في مواجهة ظروف الحياة العصرية الشرسة، قال: «إنه جانب شبه معدوم في الغرب، سيما في جيل الشباب. الأمر الذي يترك الفرد وحيداً في مواجهة عفريت التحديات النفسية، ففي بريطانيا عينوا وزيراً للوحدة، لمواجهة هذا الوحش الفتاك بواقع الحضارة الغربية».
وأبدى الحاجي قلقه من عملية «أمركة العالم» واستقدام القيم الأميركية في المجتمعات البشرية على رغم سوءه، ونصح بزيادة «قدسية العائلة، لأن فيها صحة المجتمع».
وعن الشباب، قال: «لن يصمد أحدهم من دون المدد الروحي الذي يصله بالله»، وأضاف «حافظ على هذا الاتصال، وأزعم أن التدين ضرورة للإنسان».
الطبيبة الشريف: هناك انتحار معدٍ
قالت طبيبة الأسرة والكاتبة شيماء الشريف: «في أسبوع واحد فقط سمع العالم عن انتحار ثلاثة أشخاص، خطر الاكتئاب ومن ثم الانتحار أسوأ وأكثر انتشارا ما نظن، والأهم أننا ومن دون علم أو قصد قد نساهم في هذه المشكلة، وقد ندفع أحدهم للانتحار، والشهرة والمال والتدين عوامل تحمي من الانتحار، لكنها لا توقفه».
وأضافت: «لوحظ في الغرب عقب كل حال انتحار لمشهور يجري تداول خبر انتحاره زيادة في حوادث الانتحار بنسبة 12 في المئة، وبتفاصيل الطريقة نفسها التي اتخذها مشهور ما، وعرفت هذه الظاهرة بالانتحار المعدي، وهي أن نقل خبر الانتحار بتفاصيله أو عرض صور الانتحار قد يؤثر سلباً على من يصارعون فكرة الانتحار وقد تؤدي إلى إقدامهم عليها، والمُفزع في الموضوع أن كثيراً ممن أقدموا على الانتحار لم يُعرف في تاريخهم المرضي اصابتهم بالاكتئاب أو بأمراض نفسية، وهذا يوسّع دائرة الخطر».
وأشارت الشريف إلى أنه في تغطية المنتحر في الحرم، تجد أن الكثيرين نشروا وتناقلوا مقاطع الصور والفيديو للحظات وقفزه وجثته وتجمع الناس حوله... إلخ، وإذا كنت أحد هؤلاء فانتبه؛ فقد تكون سبباً في إقدام أحد ما على الانتحار».
وفي مواجهة تنامي هذه الحالات، تنصح الطبيبة الشريف بوصايا عدة، وعلقت: «إذا تعرض أحد لمعاناة من الاكتئاب أو تصارع أفكار عن الانتحار فليذهب مباشرة إلى طبيب نفسي أو يتصل برقم الاستشارات النفسية المجاني التابع لوزارة الصحة». وأضافت «اهتم بمن حولك واسأل عنهم، وإذا لاحظت تكرار شخص أفكار عن الانتحار وجهه لزيارة طبيب نفسي وساعده، وحين تسمع عن حادثة انتحار، انتبه للمحتوى الذي تنشره أو تعيد نشره، وابتعد عن نشر التفاصيل والصور ومقاطع الفيديو، وهذا دور كل مغرد ومستخدم لوسائل التواصل الاجتماعية، ولا تشارك في تفاقم المشكلة».
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق