التخطي إلى المحتوى الرئيسي

«أصمّ» يتجاوز إعاقته ويشكل مجموعة لتطوير مهارات زملائه وإعادة دمجهم اجتماعياً

«إن المصائب يجمعن المصابينا»، هذا ما قاله أحمد شوقي ذات يوم في قصيدته، وهذا ما يتبادر إلى ذلك منذ الوهلة التي تجد فيها ثلة من مجموعة يربو عددهم على الـ70 شاباً يتواصلون بلغة الإشارة وينظمون لأنفسهم لقاءات أسبوعية ورحلات ترفيهية ونشاطات إثرائية، شباب فقدوا القدرة على النطق والسمع، إما لأسباب عارضة وطارئة وإما منذ الولادة، لم يعجزهم هذا العائق عن عيش الحياة بطريقة شبه طبيعية، يكابدون كل ما قد يعترض طريقهم من تحديات بلحمة واحدة وصف كبنيان مرصوص.
حسن شامي أحد الشباب الصم، أسهم في لمّ شمل المجموعة، متزوج ولديه ابن يعمل رئيساً لقسم الصيانة في شركة شهيرة للسيارات في منطقته، قصته واحدة من قصص الكفاح الملهمة، درس وتعلم على رغم فقره وقلة ذات يده، عمل وترقى وأصبح رئيساً لقسمه على رغم إعاقته، تزوج وأنجب على رغم الحرج الذي كاد يحيق به أمام المرات التي لم ينجح فيها بلقاء شريكة العمر، والآن يفكر في توسيع دائرة الإيجابية التي يمتلكها وينتشل كل اليائسين، ممن يعوزه الدافع إلى خوض الحياة.
بدأت المجموعة ببضعة منتسبين، ثم شرعت في تنظيم رحلاتها وزيارة بعض المؤسسات، كان الحاجز الاجتماعي وضعف الدعاية التي تفرضها ظروف الإعاقة أكثر ما يبطئ عمل وانتشار المجموعة، فضلاً عما يكلفهم من أعباء مادية ترهقهم ولا تجود بها حالهم.
التقى «الهم» مع مركز التنمية الاجتماعية بالقنفذة جنوب مكة المكرمة، تبنت المشروع، وهيأت له الظروف المواتية للعمل، تفرغ لهم الشاب عبدالرحمن العاقل، الذي يجيد لغة الإشارة بشكل ممتاز، ووضع خبرته وشغفه في دعم المجموعة حتى توسعت في عدد منتسبيها والبرامج التي تنفذها. على هذا الأساس، انطلق مركز «رهيف»، الذي يعنى بذوي الحاجات الخاصة من الصم، ويستفيد من خدماته على مستوى محافظة القنفذة ٧٤ منتسباً بشكل مباشر حتى الآن.
«رهيف» هو المركز الأول من نوعه في تقديم برامج اجتماعية عدة، كالزيارات، وبرامج دينية كالمحاضرات والاعتكاف في المسجد النبوي، وبرامج رياضية وترفيهية كالرحلات والمسابقات، وإثرائية كالدورات التدريبية والمهنية.
تبرع أحد رجال الأعمال بمقر يضمهم ويكون محل اجتماعهم ولقائهم الدوري، ساعد هذا في نسج علاقاتهم وتوثيق التواصل بينهم، ما أعطى الفكرة والمجموعة روح الاستمرار والفعالية، وتحولت المجموعة إلى بيئة دعم نفسي ومحضن اجتماعي يداوي علل الوحدة ويبدد الشعور بالوحشة من الانفصال عن المجتمع، عزز شعورهم بأنفسهم، ويعمل على برامج وخطط لإعادة دمجهم في المجتمع، ويتفاوت التأثير بحسب الاستجابة الشخصية والأسرية، لكن السيولة المادية أكثر ما يعترض سير العمل أحياناً، غير أن الروح المترابطة التي تجمع المنتسبين تحجب كل تأثير وضرر ينشأ من النقص والثغرات في بنية المركز.

الرابط :

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...