{ جدة - عمر البدوي
< ما يزال السؤال مطروحاً والباب مشرعاً للحديث عن دور المؤسسات الثقافية في رعاية المواهب وإغناء الحركة الفكرية والأدبية في المملكة، هذه المرة عن صلتها بالشباب والبحث عن أي موقع لها في خريطة العناية بصقل إمكاناتهم أو تطوير قدراتهم بما يساعد في إثراء الحراك المجتمعي وتجويد منتجاته المعرفية. ويحاول المثقف الشاب فهد فاتك في حديث لـ«الحياة» توضيح موقفه من طبيعة الحاضنات ويقول: «الحاضنات الثقافية المعرفية تبدأ أولاً بثلاث أدوات تحليلية فهمها أساساً يؤدي إلى فهم المقدمة الثقافية والمحصلة منها، وهي العنصر والمركب والنظام الثقافي، فالعنصر الثقافي يتركز أساساً على مكون وحيد للوصول إلى ثقافة معينة، كالقارئ الأحادي مثلاً الذي يقرأ في اللغة الهيروغليفية وحدها سيصل إلى ثقافة بهذه اللغة من دون غيرها من الثقافة عموماً بما تعنيه، أما المركب الثقافي فهو عبارة عن عدد من العناصر كالمهتم باللغة الهيروغليفية وبلغات أخرى من ناحية تثقفه فيها، لكنه يسعى إلى تفكيك هذه الثقافة، ولذلك نلحظ أن هاتين الأداتين غير عمليتين لتقديم حاضنة ثقافية أو الوصول إلى محتوى ثقافي».
ويضيف فاتك أن النظام الثقافي «عبارة عن مجموعة من المعارف والسلوكيات الاجتماعية والقيم التي أساساً تقدم لنا إشباعاً للحاجة البشرية الأساسية ويعبرون عنها بأنها ضرورة بيولوجية حيوية. ونلحظ أن النظام شبيه إلى حد ما بما تعنيه كلمة حاضنة، فحاضنات الأطفال تسعى بشكل كبير إلى إشباع حاجة الطفل مما يحتاجه من ضرورة حياتية، وبالتالي يتثقف هذا الطفل من هذه الحاضنة ويكتسب سلوكيات عدة»، مشيراً إلى وجود «إشكالية كبرى في تقديم هذا النظام الثقافي الشامل، فعلى سبيل المثال المدرسة تعتبر حاضنة ثقافية لكنها تلجأ لسلوك التلقين والإغراق المعلوماتي، فيما لو نقارن المدرسة بالجامعة، نجد أن الجامعة تقطع التشتيت المعلوماتي الذي يتعرض له الإنسان خلال دراسته في المدرسة، وتلجأ لتكثيف المعلومات المخصصة لمجال معين من أجل تطوير مهارة أفضل».
ويرى وجوب استعراض «جزء مهم من أدوات الحاضنة الثقافية المعرفية وهو الكتاب، يقول ولت ويتمان في ديوانه أوراق العشب: (يا رفيقي هذا ليس كتاباً، من يمس هذا يمس رجلاً)، وعندما نطلع على كتاب تاريخ القراءة لألبرتو مانغويل، نجد أن الكاتب يتكلم عن حاضنات معرفية وتجارب ثقافية كثيرة تؤدي إلى الوصول إلى رغبة ممكنة للتحصيل الثقافي والمعرفي».
من جهته، لفت المذيع والشاعر مفرح الشقيقي في حديث لـ«الحياة» إلى ضرورة الاعتراف بالتغيرات الكبيرة التي تحدث في المشهد عموماً، «فما عادت المؤسسات الثقافية هي الجهة الوحيدة التي تتحمل مسؤولية رعاية الموهبة، وتطويرها، والاهتمام بها، كما أنه لم يعد حكراً على المؤسسات الثقافية ظهور الموهبة وتقديم ما لدى الموهوب».
ويقر الشقيقي بوجود تقصير من بعض المؤسسات الثقافية «ولكنها لا تتحمله بمفردها، فعلى المبدع أيضاً أن يبادر ويأخذ خطوة في اتجاه تنمية موهبته والتواصل مع المؤسسة، ومن ثمّ يستطيع قياس التجاوب، ومستوى تعاطي المؤسسة مع موهبته، ولكن علينا أن نعترف أيضاً أن آلية رعاية الموهبة عندنا في كل المجالات تعاني من قصورٍ كبير على كل المستويات، بما فيها الثقافية، وأننا بحاجة إلى تحوّل نوعي وجذري وتاريخي في هذا الموضوع».
وخاطب من أسماه بالمبدع قائلاً: «لا تقضِ وقتك في انتظار المؤسسات الثقافية إن لم تجد فيها ما يروي عطش موهبتك، فمواقع التواصل وهذا العالم الشبكي الكبير أشبه بمؤسسة عالمية حرّة يمكنك من خلالها إيصال ما لديك والاستفادة مما ستواجهه وتعيشه داخلها».
أما وللمؤسسة الثقافية فيقول: «ضاعفي من اهتمامك بالمواهب، وضعيهم في أولويات العمل الإبداعي، فهم جوهر البقاء والتقدم والنماء لأي مكان».
الكاتب عبدالله العودة ركز في حديثه على حاضنات افتراضية ترعى الحركة الأدبية والمواهب الفتيّة ويقول: «في العصر الحديث، إلى جوار تلك الحاضنات التقليدية الموروثة، برزت حاضنات بديلة غير تقليدية، تمثّلت في وسائل التواصل الاجتماعي التي هزّت العرش التقليدي للأدب المتمثّل بالحرس القديم للدور التقليدية والأندية الأدبية، التي غالباً ما ترتبط بنوع معين من الأدب ونتاج معيّن وبجدل يجب أن يحظى باعتراف رسمي لكي يكتب له القدر أن يكون أدباً».
ويضيف أن شبكات التواصل الاجتماعية كحاضنات افتراضية للأدب العربي، لا تسيرها مؤسسة سياسية ولا إدارية، «بل جو عام وحر أتاح المجال لكل أحد بالقدر نفسه وبالتساوي للجميع بالمشاركة والحديث وإبداء الرأي والاعتراض والنقد والتحليل والسخرية وغير ذلك. وهي الأمور التي كانت تحتكرها طبقة هشة تصف نفسها بالثقافة والوعي وحس الفكاهة والنخبوية والأدب والشعر. فكانت هذه الحاضنات الافتراضية وسيلة فعالة جداً لكسر هذا الاحتكار الطبقي والسياسي لمنابر الأدب والعلم والكتابة والتحليل، وهو الأمر الذي استفز حرس الطبقة المثقفة القديم التي استُنْفِرت للذود عن بيضة الطبقة المثقفة ضد الحضور الشعبي والدور الشعبي للاعتراف بالأدب، وتجاوز دور المؤسسات التقليدية المعترف بها رسمياً».
وعن تأثير الواقع الافتراضي في ضده الحقيقي يقول العودة: «شبكات التواصل الاجتماعي فضحت وسائل الإعلام والأدب المحتكرة من فئات محددة مدعومة من مجموعات مصالح متنفذة في مرتبة أقل تأثيراً ومتابعة من تلك الوسائل الشعبية التي يعتمد عليها الجميع وتكتب فيها كل الطبقات والشرائح. لقد ألغت وسائل التواصل الاجتماعي سماسرة الأدب الذين فرضوا أنفسهم كوسطاء للأدب والعلم والمعرفة، فأصبح هذا الاطلاع الشعبي المباشر الذي يسمح لكل أحد بممارسة شؤون الأدب حاضناً افتراضياً يعطي فرصة لكل أحد بغض النظر عن كل شيء، ليحيى المبدعون في الأدب عن بينة ويهلك المدّعون للأدب عن بينة».
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق