التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لماذا يتكرر الانزعاج من الدراما كل عام

انضمت إلى موضوعات الجدل حول الدراما العربية هذا العام، تهمة التطبيع الثقافي مع إسرائيل.
الاثنين 2020/05/18

يمثل شهر رمضان الكريم الموسم الذهبي لمشاريع الدراما العربية، لأسباب تجارية واجتماعية تراكمت وجعلت من هذا الشهر موسم التنافس على حصصه من عناية المشاهدين وموائد الجدل وخزائن الإعلانات واستتباعاتها من الأرباح والعوائد المجزية.

تبدو آثار جائحة كورونا التي طالت كل شيء، بادية بحدة على مشاريع ومنتجات دراما رمضان هذا العام، في شكل أعمال تعثر استكمالها، وأخرى طرحت بنصف النصاب من عدد الحلقات وظهور كل الطواقم التقليدية التي تعوّد الجمهور على مصافحتها كل عام.

ولكن الجائحة لم تغير شيئا في جودة هذه الدراما ولا التبرير لتواضعها في إرضاء ذائقة الجمهور أو وقف شلالات النقد والجدل حولها، لأنها لم تشبع تطلعات الجمهور حتى في أكثر مراحلها ازدهارا وإغداقا في الوفرة والتمويل والدعم، وكان الناس دائما ما يشعرون بأنها أقل من المطلوب وأضعف من تلبية طموحهم في صناعة درامية تعبّر عنهم أو تنتمي إليهم.

هناك سؤال تقليدي عن السبب وراء هذا الضعف والتذبذب في أداء الدراما العربية والخليجية. هل هو ضعف الممثل بوصفه القناة الناقلة للخلاصة الدرامية، أم النص الذي يوفر النواة الصلبة لأي عمل جدير بالتقدير، أم البيئة الناضجة التي تخلق المناخ الأمثل لدعم الصناعة ورفدها بشروط النجاح والتأثير، خصوصا الخليجية التي تحظى بأعلى نسب الدعم والشعبية ووفرة المنصات المتاحة لبثها؟

حتى البيئات السبّاقة إلى هذه الصناعة، تعاني الهشاشة نفسها التي تصيب الحالة الدرامية العربية عموما، فمصر بقيت تجتر نفس القوالب وأيقونات النجوم والسيناريوهات المستهلكة التي تملؤها العيوب، والدراما الكويتية تؤكد في كل عام أعراض انسحابها من الساحة، باستثناء الدراما السورية التي تعاني من تأثير ما تمرّ به البلاد من ظروف عصيبة لا شك أنها ستترك ندوبا على حالة الإنتاج لديهم بما لا يستوي معه النقد الموضوعي ولا المساءلة العادلة.

انضمت إلى موضوعات الجدل حول الدراما العربية هذا العام، تهمة التطبيع الثقافي مع إسرائيل، ولو سلمنا جدلا بهذا الافتراض، فإن واقع دراما هشّة من هذا النوع لا يقوى على تعميق معان سياسية من هذا النوع الذي تواجهه الكثير من الترسبات الثقافية العنيدة، ولا يتجاوز الأمر مجرد زيت مسكوب على نار الاستقطاب المشتعلة في المنطقة التي لا تخلو من مواقد الجدل والكلام الفضفاض في كل مكان.

فضلا عن كون الدراما حاملا فنيا، لا يصحّ تجاوز مضامينه إلى ضوضاء السياسة التي تحكمها الوقائع والحقائق، ولا تستطيع الدراما أن تحرر أرضا أو تطلق رصاصة، ولا يفعل قسرها على السياسة وتحميلها فوق طاقتها من القدرة على التأثير، أكثر من التشويه والتشويش على هذا الفضاء المحايد.



الرابط :



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...