كنوع من التخادم فرضته الأهداف المشتركة أو المرجعية الواحدة التي تنظم عملهما، عرضت جماعة الحوثيين عملية تبادل أسرى مع التحالف العربي مقابل إفراج الرياض عن عناصر لحركة حماس.
تبدو المبادرة مجرد استعراض إعلامي تحاول الجماعة أن تكسب به نقاطا معنوية على نحو ما يفعل رُعاتهم في طهران، لكنها تكشف في عمقها نوعا من الاشتباك الاستراتيجي بين خندق يمني وآخر فلسطيني يتشاركان المعسكر نفسه الذي ينتمي لإيران، ويخدم أجندتها وينخرط في أدوارها التقويضية لاستقرار المنطقة وأمنها الإقليمي، لاسيما وأن المنصات الإعلامية والدعائية التي تنطلق من الدوحة أو إسطنبول تعاطت مع الخبر على أساس الخصومة التقليدية التي تتخذها تجاه المملكة العربية السعودية، وبذلك يكتمل مشهد التخادم وإطار الصورة التي تجمعهم في معسكر واحد.
وفي يناير من العام الجاري شارك عضو المكتب السياسي لحركة حماس محمود الزهار عبر دائرة تلفزيونية مباشرة في المسيرة الجماهيرية التي نظمتها جماعة الحوثيين في شارع المطار بصنعاء، وألقى كلمات مفخخة بالإساءات والإشارات السلبية نحو دول الخليج، فيما كانت تردد الحشود شعارات الحوثيين التقليدية ضد الرياض وأبوظبي وبقية عواصم الاستقرار.
محاولة جديدة لتشتيت الواقع اليمني ورهنه بالحسابات الإقليمية من قبل الجماعة الحوثية، دون أبسط مراعاة لوجع اليمنيين ومشقة الحرب التي تسببت بها منذ خمس سنوات أو أكثر، وانضمت إلى بقية المآسي الحادة التي تحدق باليمنيين، جائحة كورونا التي تواجه نظاما صحيّا هشّا ومتخلّفا في البلاد.
وربّ ضارّة نافعة، كان لهذا المثل أن ينطبق على علاقة كورونا وتهديده للشعب اليمني، بعد أن كشفت تقارير إعلامية عن مشاورات غير مباشرة تقودها الأمم المتحدة عن طريق مبعوثها الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث، بين الحكومة اليمنية والحوثيين للتوصل لاتفاق شامل لوقف إطلاق النار في اليمن، لتوحيد كافة الجهود لمواجهة جائحة كورونا.
الأمر الذي رحب به التحالف العربي على لسان ناطقه الرسمي تركي المالكي، لكن الثقة المهزوزة بالتزام الحوثيين أو برغبتهم الجادة في رفع أعباء الحرب ومخاطر التهديد الفايروسي عن كاهل اليمنيين يهدد كل المبادرات الإيجابية التي تخفف من وطأة الحرب وتجهّز البلاد للتخفيف من مخاطر الجائحة المتوقعة.
وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط قد أطلق قبل ذلك بأيام، مبادرة “إسكات المدافع” ووقف الصراع بمناطق النزاع على كافة الجبهات العربية المشتعلة، في سوريا واليمن وليبيا، وسط تفشي جائحة كورونا، واعتبر أن أيّ خلاف في الوقت الراهن يعدّ نوعا من العبث.
لكن ما يشهده اليمن من تصعيد عسكري ملحوظ مقارنة بالأشهر الماضية، يبدّد أيّ بوادر لتوقف الحوثيين أو نوايا لديهم للتخفيف من اندفاعهم في تحقيق مكاسب على حساب أوجاع الشعب اليمني المغلوب.
وقد ظهر زعيم الجماعة الحوثية في كلمة له بثت مؤخرا ليؤكد ذلك وهو يتوعد بسنة سادسة جديدة من الحرب والتشبث بالانقلاب، وزعم أن جماعته باتت تصنع كل أصناف الأسلحة وأن السنة الجديدة ستحمل “مفاجآت لم تكن في حسبان تحالف دعم الشرعية وبقدرات عسكرية متطورة وانتصارات عظيمة”.
ولضمان نسف كل الجهود الأممية والإنسانية، أطلقت عناصر الميليشيا الحوثية صباح الجمعة الماضي طائرة مسيّرة (دون طيار) باتجاه المملكة قبل أن تتمكّن قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن من اعتراضها وإسقاطها.
الأمر الذي أكده السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر وبأن اليمنيين كانوا يأملون بأن تتعقل جماعة الحوثي، ومرة تلو أخرى كانت المبادرات تُوقّع والعهود تُمضى وآخرها اتفاق السلم والشراكة، إلا أن الحوثي حاصر الرئيس، واختطف الدولة وغزا تعز وعدن، لكن الحوثي لن يستطيع التغرير بأبناء اليمن بخطابات فارغة تؤكد ولعه بالأكاذيب، ولن يستطيع طمس جرائمه ونكثه للعهود والمواثيق، وأن الانقلاب هو أصل المشكلة، ونهايته مفتاح الحل في اليمن.
تعليقات
إرسال تعليق