التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تعدَّدتِ العاداتُ والفرحُ واحدٌ

يحلُّ عيدُ الفطر المباركُ بعد أن يقضي المسلمون عددَ أيامِ رمضانَ في عبادة متصلة، وقربات إلى الله. ويأتي موسم العيد فرحة واستبشارًا بإتمام الشهر، وإغداق الروح بمباهج العبادة، والأنس بالله .

تختلط في العيد المشاعرُ الإيمانيّة والعاداتِ الاجتماعيِّةَ، التي اكتسبت مع الوقت رسوخًا وثباتًا في حياة الناس، يتوارثونها جيلًا بعد جيل، يجدون فيها المعنى لهذه المناسبة، ويعمقون أثرها في نفوسهم .

تتفاوت العادات والتقاليد بين المجتمعات من بلد إلى آخر، إذ يشكل العيد شلالًا من المشاعر التي يختلف الناس في التعبير عنها، ومعايشتها حسب طبيعة بلدانهم وثقافاتهم، الأمر الذي يحوِّل مناسبة العيد إلى بازارٍ عالميٍّ مفتوحٍ متنوعٍ ومتعددِ الألوان، حسب الخلفيّات: الثقافيّة، والاجتماعيّة، والديمغرافيّة التي يحلّ فيها العيد، ويضفي نكهته على يومياتهم .

السعوديّة : صلة الرحم أولًا

في مجتمع محافظ وملتزم بإرثه الاجتماعيّ العريق، تزيد وتيرة الاجتماعات العائلية أكثر، عبر الزيارات المكثفة بين: الأسر، والجيران، وعلاقات الصداقة، بقصد تبادل التهاني والتبريكات بمناسبة عيد الفطر .

وغالبًا ما يجهز الناس مجالسهم وصالوناتهم المنزليّة لاستقبال ضيوفهم والمترددين بين بعضهم بعضًا في صباح العيد، وتناول كميات من فناجيل القهوة، والتمر، وقطع الشكولاتة، ابتهاجًا بالعيد، وربما تنالوا وجبات الإفطار الشعبيّ الذي أصبحت مرتبطة بفعل التعوّد والتكرار بنهار العيد .

إندونيسيا: التهنئة الأثيرة بكروت المعايدة

لم تغيّر وسائل الاتصال الحديثة عادة تبادل كروت المعايدة ورسائل التهنئة التقليديّة بقدوم عيد الفطر في إندونيسيا؛ حتى إن موظفي البريد يؤجلون عطلتهم ليرسلوا عشرات الملايين من الرسائل التي تحمل تهاني العيد للأهل والأحبّة، خاصة بين سكان الأرياف، لما يجدون فيها من متعة وانطباع عميق، لكنها تقل بين سكان المدن، إذ يرسلون التهاني القصيرة السريعة عبر الهاتف المحمول أو عبر شبكة الإنترنت.

مصر: يوم للأكل وتبادل النكات

يغلب على أعياد المصريين، الأطباق التي راج تناولها في النهار، إذ توارث المصريّون تناول الأسماك المملحة في أيام الأعياد مثل الرنجة والفسيخ والسردين .

كما أن أزقة القاهرة وحارات المدن المصريّة تتحوّل إلى مهرجانات فرح يشع منها اللون الأبيض والزغاريد، وتذيع مكبرات الصوت التكبيرات والأهازيج والأغنيات الشعبية التي ترحب بالعيد وتغني له، فيما يلتقي المصريّون أسفل بيوتهم، وفي المقاهي الشعبية العامة، يتناولون كاسات الشاي والنكات، ويغصون بالضحك بعد الانتهاء من زيارة الأقارب، وتناول قطع الكعك الذي ورثوه عن أجدادهم الفراعنة، وأصبح حتى اليوم أحد المظاهر الأساسيَّة التي تُحضرها أو تشتريها الأُسر المصريَّة في عيد الفطر، ووصلت منقوشاته إلى 100 شكل.

تونس: لبس الأزياء التقليديّة

تبدأ الاستعدادات لعيد الفطر في تونس، بالنزول الكثيف إلى الأسواق، لتوفير متطلبات ضروريّة لقضاء يوم العيد بحلل جديدة من اللباس التقليديّ، الذي يعد لباس أهم المناسبات السعيدة، على غرار "الجبة" التونسية، وتجهيز المنازل لاستقبال الضيوف وحسن وفادتهم .

كما أن الحَمّامات العموميّة - التي يؤمُّها الآباء برفقة صغارهم - وصوالين الحلاقة والتجميل، تكون مكتظّة، استعدادًا لحلول عيد الفطر بأيام، وتعمل حتى ساعة متأخرة من الليل .

كما تكثف وسائل النقل العموميّ - من حافلات وقطارات وسيارات أجرة - من عملها لنقل المواطنين بين المدن والمناطق، لضمان الوصول إلى أهلهم، وقضاء يوم العيد بين أهاليهم، في أجواء عائليّة ممتعة.

تركيا : يوم لِورق العنب التركيّ

عيد باللغة التركية يعرف باسم "بيرام " Bayram وهو مصطلح فارسي يعني الفرح والسرور، ويرادف معنى كلمة "عيد" باللغة العربيّة.

تبدأ الاستعدادات بحملة تنظيف شاملة للبيت وجميع مقتنياته، ونثر الزهور على شُرفة البيت، وتعليق أضواء الزينة، ثم البدء بطهي ورق العنب بكميات كبيرة، وشراء الحلقوم والبقلاوة والكلونيا، حيث تعد هذه المواد موائد الضيافة التي يُستقبل بها الضيوف، فورق العنب هو بديل لكعك العيد.

ودرجت العادة أن يقوم الأطفال بتحضير أكياسهم، والطواف بها على بيوت الجيران، لتجميع ما يوزعه عليهم الجيران، ويكرّرون على بعضهم - أثناء تبادل التهاني - عبارة "ليكنْ عيدُكم مباركًا".

في القرى يتناول الرجال الإفطار عقب تأدية صلاة العيد، ويتم تجهيزه من قبل شباب القرية، حيث يُحضر كلّ منهم ما قسمه الله من البيت، ويجهزون مائدة طعام كبيرة، وبعد الطعام يذهبون للاصطفاف ويبدؤون بالمعايدة، كما تنصب البلديات خيام العروض الترفيهيّة للأطفال، خاصة عرض الدُمى المتحركة، ويتشارك الجميع الفرح بعيد الفطر السعيد.



الرابط :

https://www.ithra.com/ar/news/same-joy/

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...