التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الآثار غير المنظورة لكورونا




تفرض جائحة كورونا تأثيرها على كل قطاعات الحياة البشرية بلا منازع ، في السياسة والاقتصاد والطب والعلاقات الاجتماعية ، بعضها منظور بحيث لا يمكن تجاهله من انخفاض الطلب على النفط وتوقف حركة المطارات وشلل جزئي في الاقتصاد والتجارة وبعض مناشط الحياة التعليمية والترفيهية والرياضية ، وآثار أخرى غير مرئية وربما لن تسفر عن نتائجها إلا بعد فترة معينة لا يقطع أحد أو يضبط مواعيدها .

أكثر تلك المجالات التي تتلقى تأثير الجائحة هي العائلات والأفراد ، من حيث الأوقات الطويلة التي فرضتها من الفراغ والتوقف عن الحياة العادية والطبيعية التي كانت تلتهم الأوقات وتقضي على المشكلات ، هذه العودة القصرية إلى الذات سيكون لها نتيجتها من التأمل والمواجهة وتقليب النظر وإعادة ترتيب الأوراق الشخصية ، كما أن التئام العائلات لأوقات طويلة خالية من الانشغالات سيكون إما فرصة لقضاء وقت ممتع وتشاركي كانت تحرمهم منه الواجبات المعيشية الشاقة أو عنتاً وانشقاقاً في عمود العائلة وتأسيساً لمرارة الفراق ، سيما إذا لم تكن العلاقة على ما يرام ، وطبيعة التواصل قابلة للانفجار بمجرد الاحتكاك ، فضلاً عن ساعات وأيام وربما شهور من المواجهة السافرة بين أطراف العائلة الموتورة والمأزومة .

 

لقد وجدت بعض العائلات في الأزمة غير السارَة ، هبة عظيمة لالتئامها ، لتجديد الدماء في عروق العلاقات بين أفرادها ، لقضاء الكثير من الوقت وتقريب المسافات وسدّ الفجوات وتعويض الأوقات التي كانت تزهقها ساعات العمل ورحلات السفر وواجبات الحياة وارتباطاتها الخارجية .
العائلات التي أثثت بيوتها بالحب وعمرتها بالود والرحمة والتواصل الإيجابي ، ستتحول ساعات الحجر إلى جنة من التوادّ والرحمة والحياة المفعمة ، وستضيف هذه الأزمة إلى رصيدها ذكريات مشتركة سخية بالمشاعر الطيبة التي ستموّل ما بقي من حياة بعطاءاتها النفسية والمعنوية الزاخرة وستكون معماراً صلباً في وجه التحديات القاسية التي من المقدّر أن تعترض الحياة وتعرضها لمحك التحدي الصعب .

 

على صعيد الأفراد ، كان الشعور بالقلق ، والفراغ ، والتفكير السلبي والساعات الطويلة من الترقب والانتظار بلا أجل مسمى هو عنوان المرحلة ، لكن البعض منهم بدّد هذا الخوف ، بأمل عودة الأيام الجميلة ، مع الالتزام بالتعليمات التي أصدرتها الجهات الرسمية ، بوصفه ضرورة وذا أهمية في التزام الفرد الحضاري لتجاوز هذي المرحلة مع بعض بسلام وبدون خسائر .

 

وقام بتحويل كل هذا الوقت الثمين إلى فرصة ، واستفاد من هذه الثروة بتحويلها الى نقطة تحول كبيرة في حياته ، كل واجباته المؤجلة ، أهدافه المعطلة ، التي كانت تواجه أزمة وقت وفراغ ذهن واتقاد حماس ، في الأيام المزحومة بالارتباطات والانشغالات .
يساعد في ذلك الابتعاد عن مناطق التوتر النفسي ، وسجن الأخبار السلبية ، والتوقف عن متابعة كمية التفاصيل المعقدة والاستغراق في الإشاعات التي  وللأسف - تزيد في مثل هذه الظروف .

حاول البعض أن يضيف معنى ليومياته ، أن يكسر روتينها ، ويخرج من رتابتها ، عبر دورة تدريبية مجانية في الفنون المختلفة المتاحة في الكثير من المواقع والمنصات، وتخصيص وقت للقراءة في يومه ، بممارسة الرياضة ، وتشجيع أفراد العائلة عليها ، بقراءة المقالات الثرية في التخصصات المتعددة ، بمتابعة الوثائقيات والأفلام العلمية ، بالاقتراب من أهل بيته ، والاجتماع بهم في عادات تشاركية تعمق تواصلهم وتوثق ترابطهم ، بإعادة اكتشاف النفس ، وممارسة التأمل والتفكير الإيجابي في تفاصيل الحياة ومشاريع المستقبل  .
بيدك أنت ، قرار أن تتحول هذه الأيام غير العادية إلى هزيمة نفسية واستسلام لروتين ممل وإيقاع حياة بطيء ، أو تحولها إلى ورشة عمل مفتوح لصناعة الفرق في بقية حياتك ، وتذكر أن الفرص لا تتكرر .




الرابط :

https://online.flipbuilder.com/tkor/nxgk/mobile/index.html#p=1




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...