يحتفظ "المقال" بحضوره في الواقع الإعلاميّ، بوصفه قالبًا رشيقًا ومستوعبًا لكل أشكال الأطروحات، وتقديمها بطريقة مباشرة وممتعة في آن، وذلك على الرغم من تعدد الوسائط وأشكال نقل المعلومات، من
ناحية صياغتها أو الممكنات التقنية التي أضافت لها الإشباع البصريّ والحيوية.
يمتاز "المقال" بالسهولة، بحيث تكون قراءته متاحة للجميع، وعلى الرغم من أن الرأي الشخصيّ للكاتب، وتأثيره، يطغيان عليه أحيانًا، لكن لا ينبغي أن يخلو من المعلومات الدقيقة، التي يتم تقديمها بطريقة سلسة ومبسطة، ويفتت صخور الدراسات التخصّصيّة، والمخرجات العلميّة إلى كبسولات صغيرة يستساغ
هضمها والإحاطة بها.
يقوم "المقال" بما يشبه دور الوسيط، بين المتخصّص الذي ينكبّ على الدراسات المتعمّقة، ويقضي الساعات على التهام المواد شديدة التعقيد، وبين القارئ العام الذي ينشد الخلاصة وثمرة الطرح المتوسع في تخصّص ما، ولعل هذه السهولة والتبسيط واليُسر في صميم وظائف المقال وصفاته، هي أكثر ما ساعد على
بقائه متداولًا وقائمًا بدوره في واقع الناس حتى اليوم.
لكن لا يصحّ أن يطغى التبسيط عليه إلى درجة التسطيح، إذ تسقط قيمة المقال إذا لم يأتِ بجديد، ولم يكافئ وقت القارئ بنتيجة ترضيه وتضيف إليه، أو سوّد المعلومات المتزاحمة بلا ضابط ولا ناظم، أو تحميله فوق طاقته من الموقف الشخصيّ والرأي الخاص، حتى يفقد موضوعيّته واتزانه، ولكن يجمع في
باقة المقال قطافًا من كل الحقول والبساتين، حتى يغدو نص المقال ثريًا دون تعقيد، ومفيدًا دون تقييد.
كيف تكتب المقال الخبري؟
تتعدد أنواع المقال من جهة: شكله، ونوعه، ومن أبرزها "المقال الخبريّ" وهو المهتم بتقديم المعلومات بطريقة دقيقة وسهلة في آن معاً، بحيث يجمع بين رشاقة الأسلوب المقاليّ في سرده السلس، وبين
الخبر في: دقّته، وحياده، ونزوعه إلى الصرامة.
وفيما يلي نتعرف بعض المهارات اللازمة لكتابة المقال - عمومًا - باحترافية، مع مراعاة الشكل الإخباري منه:
-أحسن الاختيار
يفترض بالمقال أن يراعي حاجات الجمهور القارئ، بالإجابة عن أسئلته الملحّة، إزاء موضوع ما أكثر مواكبة وملامسة لاهتمام القارئ، يتناوله المقال ويتعاطي مع مستجداته، للخروج بنتيجة مفيدة ينتفع بها
القارئ، وترضي نهمه، لمعرفة الموضوع المطروح، والإلمام بتفاصيله.
-اتكئ على الحقائق والمعلومات
يشبه المقال الخبري، صنوه الخبر، في تقديم المعلومة الأقرب للصواب بعد تحرّي المصادر، والمقابلة بين الأطروحات، ورفع الأسلاك الشائكة، لتيسير فهمه واستيعابه، ويحصل ذلك بالاستزادة المسبقة قبل كتابة المقال، والإحاطة بجوانب الموضوع، والاطلاع على الأطروحات السابقة في سياقه، وهندسة مقاربة
موضوعية معتدلة، تثري المقال، ويفيد منها القارئ، وترفع من قيمة العمل وجودته.
-لا تتخلى عن السلاسة والدقة
بصرامة أقل من حدّة الخبر، يُكتب المقال بانسيابيّة عالية، تحوّل الموضوع الجاد والصلد إلى وجبة سائغة، دون أن يتخلى الكاتب عن: الدقّة، وصحة العبارة، وسلامة اللغة، ودون أن يطغى الموقف الشخصي، إذ
ينبغي أن يصنع المقال الخبري بدقة متناهية، لضمان جودته، وسلامة المعلومة من العلل المحتملة.
-اكتب وكأنك تتحدث إلى نفسك
تعامل وكأنك تلبي نداء شغفك وإرضاء فضولك، وبصدد البحث عن موضوع ما لفهمه والتعرف عليه، اجعل لغتك إنسانيّة خالصةً في طرحها، فالجمهور متعطش ليقترب من حِمى الموضوعات التخصّصية، والمقالات تساعد في مد جسور المعرفة بين القطاعات المختلفة، وهي مفتاح القلوب والأذهان إلى أبواب
العلم الأكثر تخصّصية.
-الخاتمة وداع لائق
المقال خبري مهتم بعرض تفاصيل وحقائق عن الخبر، ويجيب عن الأسئلة المطروحة، والتحليل الخبري الذي يحاول البحث فيما وراء الخبر من خلال معالجة تحليلية تعتمد على أدوات معرفية كثيرة حسب
الموضوع المتناول.
اكتب في الخاتمة خلاصة جهدك في تناول الموضوع، واجعل آخر عهدك بالقارئ سخيًّا في شكل نهاية
مُرضيّة، واكتب له ثمرة اشتغالك على جميع الحقائق وما تعتقد أنه الأكثر صوابًا وتمامًا في الموضوع.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق