في الذكرى الثالثة للأزمة الخليجية، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إن “الخليج تغير ولا يمكن أن يعود إلى ما كان عليه”، مؤكدًا في تغريدة له على تويتر أن “المسارات افترقت”.
تغيّر الخليج، بعد خفض انبعاثات السلوك القطري السلبي في أجوائه، بزيادة تركيز مجتمعاته وسلطاته على بناء المستقبل، وتحصينه من الاستغراق في المنظومات الأيديولوجية التي طالما استنزفت قدراته الوجدانية وثرواته المالية، تغيّر الخليج بقطع الطريق على سنوات التردد في معالجة ومباشرة الملفات المؤجلة، واحتلت قضاياه المصيرية أولوية اهتماماته، لا شيء يعلو على صون محيطه الإقليمي، ومواجهة المشاريع المخاتلة في ملعبه المجاور، من طهران أو أنقرة أو الدوحة، بجدار من المقاومة المنيعة وحصن المقاطعة الأمين.
في المقابل، تواصل الدوحة ضلالها القديم، تراهن على ماكينتها الإعلامية وضوضائها الدعائية، لحماية مكتسباتها المتآكلة منذ سنوات الإمهال، تروّج لصلابتها واستعدادها للصمود طويلاً، فيما تسافر كوادرها الدبلوماسية لطرق أبواب العالم، بحثاً عمّن يتذكّر أزمتها ويهتم لأمرها.
تزيد الملفات العربية، من افتراق الدوحة عن جيرانها في الخليج وعن محيطها العربي، فهي لم تكف عن تأجير أجهزتها الإعلامية وتوظيف أموالها في دعم انغماس الضيف التركي الثقيل والعبث الإيراني في أجزاء متفرقة من الجسد العربي، وكان آخرها في ليبيا، لتزيد من حدة الاقتتال فيها، وترهن ليبيا ومواردها النفطية لمشاريع أنقرة، وتحرم الليبيين من حقهم في إدارة شؤون بلادهم، وتحولهم إلى ترس في آلة جباية المكاسب لإمبراطورية أردوغان المتوهمة.
وجاءت التسجيلات الأخيرة لحكام قطريين، لتؤكد ما هو واضح ومثبت بالنسبة إلى دول الرباعي العربي، من أن قطر ساهمت في تبديد استقرار المنطقة، وخلق الفوضى واستقطاب الخراب ليعم عواصم عربية، مستغلة ضعف هذه الدول ووجع شعوبها لغرز مشروع الثورات المنفلتة والآيلة إلى الخراب.
اليوم تغيّر الخليج، وتوقفت الفوضى التي كانت تتسرب إلى البيت الخليجي عبر بوابة قطر المخاتلة؛ وتعاني الدوحة الآن من قائمة تزيد ولا تنقص من التحديات الخانقة، فالضغط الاقتصادي الذي شكله فايروس كورونا جاءت تأثيراته مضاعفة، نتيجة لما كانت تواجهه من انفصال عن واقعها، وبسبب فاتورة المواجهة السافرة مع جيرانها، الأمر الذي جعلها تتخبط في قراراتها وغرقت في دائرة من المشاكل التي تولد فشلا تلو آخر.
تراجع الاهتمام بأزمتها، أكد لقطر أن الإثارة الإعلامية لم تعد كافية لاستقطاب الانتباه وإثارة حنق العالم والمجتمع العربي على الرباعي العربي، فلوّحت بشكل خافت بنية الانسحاب من مجلس التعاون الخليجي، معبرة عن ضيقها بالواقع الذي تعانيه جراء المقاطعة ونهاية أوراق الضغط والتحايل والالتفاف التي كانت تلوحها في وجه العواصم العربية، إلا أن تلويحها ذهب أدراج الرياح، ولم يحرك في ملف أزمتها ساكنا.
فضلاً عن تراجع ثقة الجمهور العربي بمنصاتها الإعلامية، التي طالما اتخذت منها الدوحة خط دفاع أول، بعد أن تشابكت الأجندة؛ فهي من جهة تريد إرضاء رعاتها في أنقرة وطهران، ومن جهة أخرى تبتعد عن بيئتها الطبيعية التي تقف ضد توجهات تركيا وإيران وسياساتها التي أورثت المنطقة ويلات لا تغتفر.
تشكل هذه الظروف بيئة خصبة ومناسبة لتذكير الدوحة بشرّ أعمالها، على أمل أن يجد استجداؤها آذانا صاغية لدى جيرانها.
ولكن، يبدو أن الخليج تغيّر فعلاً.
تعليقات
إرسال تعليق