يفعل ذلك مع كامل الدعم والتأييد والترويج لرمزيته من ثلة عربية ارتهنت له فكريا ومصيريا، على نحو ما فعلت قطر التي تقدم الضمانات المالية المفتوحة لتمويل خطواته وتتكفل بالدعاية له وخدمة أجندته.
لقد رمى أردوغان بكل ثقله التوسعي، تعويضا عن الأبواب التي أغلقت في وجهه من الاتحاد الأوروبي، على كاهل المنطقة العربية بعد أن أوهنتها سنوات التفتيت المصطنع، وخلقت ثغرات نفذت منها أنقرة إلى العالم العربي، سلوك متهور وغير محسوب نقل تركيا من سياسة الصفر مشاكل إلى بؤر من الصراعات التي شاركت في صناعتها وإشعالها لاحقا.
لنتفحص قائمة المناسبات التي حملت تركيا على إبداء دور سلبي في عدد من الملفات العربية، وكانت خلالها عاملا لتبديد فرص السلام والاستقرار وباعثا على الفوضى، بتغليب الجماعات المؤدلجة التي تذعن لرمزيتها وتستجيب لأجندتها، مستفيدة في ذلك من المناخ الذي تخلقه جماعة الإخوان المسلمين وراعيتهم في الدوحة والاستثمار في فراغ الدولة وتعبئة بعض أفراد المجتمعات العربية البسيطة والمأخوذة ببريق شعارات التدين الحركي.
لعبت تركيا أردوغان دورا سلبيا في أزمة قطر، وشجعت الدوحة على الاستمرار في مكابرتها وحركت مدرعاتها إلى قلب العاصمة الخليجية، متذرعة بمخاطر متوهمة عن الغزو والانقلاب والتهديد الوجودي لتنفذ منه إلى قلب الجزيرة العربية.
وقبل ذلك في مصر، بإثارة الكثير من الغبار في وجه الاستقرار والسلم الأهلي، وتشجيع بقايا جماعة الإخوان المسلمين للتأليب على الحكومة وتمويل حملات التشويه والإساءة، وأخيرا بالتدخل في حوض البحر الأبيض المتوسط بما يهدد أمن واقتصاد الدولة المصرية وينازعها في حقها من مستقبل الغاز في المنطقة.
وتمارس اليوم تهديدا سافرا لمصر من قلب دولة عربية أخرى، انتهكت سيادتها، واستغلت علاقتها غير المتكافئة مع حكومة ذات شرعية مستهلكة لتمرير مشروعها، وكانت جامعة الدول العربية قد رفضت في اجتماع طارئ بشأن ليبيا كافة التدخلات الأجنبية “غير الشرعية”، وعنت به تركيا أكثر من غيرها، لتسارع قطر إلى التحفظ وتدخل وزير خارجيتها السابق، حمد بن جاسم، ليقلل من شأن الجامعة العربية ويعلق بعدم جدارتها لفعل شيء.
العراق لم يأمن مكر جاره التركي، وكانت الحكومة السعودية قد جددت عبر مجلس وزرائها هذا الأسبوع إدانتها وشجبها للعدوان التركي والإيراني على الأراضي العراقية، ووصفته بأنه تدخل مرفوض في شأن دولة عربية، وانتهاك سافر لأراضيها، وتهديد للأمن العربي والإقليمي، ومخالفة صريحة للمبادئ والمواثيق الدولية.
لقد تحول دور تركيا في سوريا من معين للشعب السوري إلى مستفيد من الحرب القائمة هناك، باستثمار أوراقه وإبرام صفقات مفيدة مع روسيا وإيران أو استخدام اللاجئين فزاعة في وجه دول الاتحاد الأوروبي، ثم لمقاتلين وشباب سوريين كجنود في المعترك الليبي ومرتزقة تحت راية الأجندة التركية.
وفي اليمن تغيرت نبرة الأتراك، وأداروا دفة الدعاية السوداء ضد التحالف العربي وكالوا له الاتهامات، ثم تآمرت أنقرة مع الدوحة لشق صف الحكومة اليمنية، واستثمار بقايا الإخوان المسلمين من التجمع اليمني للإصلاح للتشويش على جهود الخروج باليمن من مأزقه، واستخدمت لافتة المساعدات الإنسانية كغطاء أخلاقي لإعادة انتشار الوجود التركي على سواحل البحر الأحمر والمضايق الاستراتيجية اليمنية.
لقد أمعن أردوغان ونظامه في التدخل بالشؤون العربية، وإن كان حال العرب متردّيا، والعمل العربي المشترك مشلولا، فإن المجلس الوزاري للجامعة العربية استعاد بعض الأمل بإعلان عدم قبوله بتهميش الدور العربي في قضايا العرب، وأن الصوت العربي سيكون حاضرا وقويا في هذه المرحلة الصعبة ولن يسمح بأن يملأ الفراغ الجموح الإقليمي أو الطموح الدولي.
تعليقات
إرسال تعليق