التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أزمة الإعلام السعودي.. مستمرة

لا تزال حكاية الواقع الإعلامي السعودية مفتوحة للنقاش ولن تهدأ عواصفه.

الخميس 2020/03/05

في مثل هذا الشهر مارس عام 1997 دخلت خدمة الإنترنت إلى السعودية، وكانت البلاد بمؤسساتها ومجتمعها على موعد مع فضاء جديد سيغير الكثير من ملامح وثوابت وطبيعة النظم الاتصالية والتواصلية الرسمية والشعبية.
واحد من أكثر القطاعات التي تأثرت بدخول الإنترنت واتساع نطاق مستخدميه والمستفيدين منه، هو الإعلام، تماما كما يحدث في العالم من تحولات عميقة وجذرية في بنية وحالة الإعلام عموما، كانت السعودية تشهد ذلك بوتيرة أكبر وتسارع مذهل في التغيرات التي لم تقو على الصمود أمامها مؤسسات وكيانات إعلامية ضخمة، كانت في الماضي هي جوهرة تاج الصناعة الإعلامية السعودية والمستحوذة على المشهد بلا منازع أو منافس.
كانت التحولات سريعة وعميقة، وقدرة بعض المؤسسات على الاستجابة لهذا التحدي كانت بطيئة وقاصرة، ترك ذلك تأثيرا على تسويق السعودية لنفسها في الصعيد الإقليمي والدولي، وزادت التحديات التي فرضها الحضور السعودي في مجالات السياسة والاقتصاد والريادة الدينية والتنافس الإقليمي من حاجة الرياض إلى ذراع إعلامية كفؤة ومواكبة لحجم التطورات التي تشهدها والمسؤوليات التي تكتنفها.
لكن الأجهزة الرسمية مثقلة بالبيروقراطية، وكرسي وزير الإعلام ساخن ولا يستقر لأحد، وإلحاح الحاجة إلى الرفع من مستوى الإعلام في خدمة الأجندة السعودية في كافة المجالات يزيد، ولكن المؤسسات التي بنيت بهدوء خلال عقود مضت تسجل خسائر في الحضور والتأثير، وتعصف بها إكراهات الواقع التقني الحادة، ومحاولات اللحاق بالركب تنتهي إلى الفشل والعجز وصرف الموظفين والأداء المتواضع وربما الإغلاق النهائي.
وشملت التعديلات الوزارية الواسعة، التي أعلنتها المملكة العربية السعودية، في 25 فبراير 2020، إعفاء وزير الإعلام تركي بن عبدالله الشبانة من منصبه، وتكليف وزير التجارة بقيادة وزارة الإعلام.
الشبانة الذي تولى دفة قيادة الإعلام في المملكة لمدة عام واحد فقط، منذ 27 ديسمبر 2018 وحتى 25 فبراير 2020، وهو القادم من القطاع الخاص، والضليع بالصناعة الإعلامية من تفاصيلها المعقدة، لم يحظ بفرصة المكوث طويلا ولم يبد ما يؤشر إلى بوادر لحلحلة الواقع الإعلامي وإصلاح أعطابه.
ولعل المصارحة التي أبداها الوزير المكلف الدكتور ماجد القصبي، لقيادات وزارة الإعلام ورؤساء الهيئات التابعة لها، بأن “الأداء غير مرض تماما، وأنه لا يواكب تطلعات المواطن ونهضة الوطن ومكتسباته” تكفي للدلالة على ذلك.
وربما يسعى الوزير القصبي بخبرته الإدارية الواسعة إلى إعادة النظر في أداء الوزارة وإعادة تعريف علاقتها بالإعلام ودورها العملي في تطوير واقعه، ويرجح حسب المتداول أن تتم فكفكة أجهزة الوزارة البيروقراطية، وتحويل أذرعها الإعلامية إلى هيئات وشركات خاصة، ولعل مشروع تحويل قناة الإخبارية إلى شركة خاصة، أقرب مثال على ذلك.
وفي منتدى الإعلام السعودي الأول، مطلع ديسمبر الماضي، وقبل تكليفه بالمنصب، قال الدكتور ماجد القصبي “المفروض وضع رؤية إعلامية، أين سيكون إعلامنا السعودي في 2030.. وكيف نرتقي بصناعة الإعلام، لأن الإعلام صناعة وفن، وكيف نسوق قصتنا الإعلامية داخليا وخارجيا”، مضيفا “أعتبروني جزءا من الفريق الإعلامي”.
ورغم إيجابية هذه الإشارات، لكنها لا تكفي للتفاؤل بفك عقدة الواقع الإعلامي، لأن شروط النجاح فيه مختلفة عن التنظير، ومأهولة بالتحديات التي تستلزم طول نفس وتؤدة ومظلة عريضة من سعة الأفق وبُعد النظر والموقف الاستراتيجي حيال حركية الفضاء الذي يستوعب القطاعات الإعلامية وديناميته المتسارعة.
ويحدث هذا بالقرب من الورشة الوطنية الكبرى التي تشهدها السعودية في كافة القطاعات، ومنها الإعلام الذي سيحتفي قريبا بمشروع المدينة الإعلامية السعودية، التي انطلقت تباشيرها بتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع مجموعات إعلامية سعودية كبرى، ضمن خطة لتكون المدينة حاضنة لوسائل الإعلام السعودية المهاجرة، بالإضافة إلى استقطاب مجموعات إعلامية عربية ودولية.
لا تزال حكاية الواقع الإعلامي السعودية مفتوحة للنقاش ولن تهدأ عواصفه، إذ سيبقى موضوعا مطروقا حتى يبلغ درجة من موازاة المرحلة الجديدة سواء التي تعيشها السعودية أو تلك المرتقبة في كبد المستقبل المنظور والبعيد.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...