الكاتب السعودي شايع الوقيان: التحولات الحضارية في المملكة ستنعكس إيجابيا على الفكر السلفي.
الثلاثاء 2020/02/11
تخوض المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة تجربة فريدة من نوعها في الانفتاح على العالم ساهمت في التخلّص شيئا فشيئا من الفكر الديني المتكلّس. تحوّلات حضارية وثقافية لافتة للانتباه كانت نتاجا لتوجهات جديدة أملتها رؤية 2030. كما أنها جاءت مغايرة لما عرفته تجارب عربية مشابهة، حيث أن ما يميّزها عن غيرها وعن المعتاد هو الخروج عن خط الأيديولوجيا، ما أفرز تحوّلات هامة غير مشروطة ولكنها مسايرة للواقع. ولم يفوّت الكاتب والأكاديمي السعودي شايع الوقيان فرصة الحديث مع “العرب” للتطرّق إلى مختلف جوانب هذه الثورة الفكرية وسمات هذه التجربة ومقوّماتها وحدودها وخاصة فرادتها.
الرياض - بدأت رؤية 2030 في المملكة العربية السعودية تُعطي أُكلها لا فقط في علاقة بالتحولات الاقتصادية، بل أيضا في كل ما يتعلّق بالتحولات البنيوية الاجتماعية والثقافية، بحيث فرضت هذه التجربة اللافتة واقعا جديدا أزعج في البداية التيارات الدينية المحافظة وخاصة الغلاة منها، لكن أغلبها اليوم وجدت نفسها أمام حتمية التأقلم مع الوضع وذلك لعدة اعتبارات لم تكن اعتباطية بل مخططا لها من قبل القيادة السياسية.
حين ظهرت أولى بوادر انفتاح المملكة على العالم في مختلف المجالات، قوبلت جلّ التحولات برفض من الغلاة ترجمتها تقييماتهم أو تعليقاتهم بشأن ما يعتبرونه غير معتاد، كالتعامل مع الفنون ومنها الموسيقى والمسرح أو الحريات الفردية المتعلّقة أساسا بالمرأة.
لكن وبصفة تدريجية أجبر الأمر الواقع جزءا من هذه التيارات على التعامل مع الجديد المجتمعي لا بإصدار تقييمات قيمية بل بالتمحّص فيه، والنبش خاصة في ما تقوم عليه خارطة الانفتاح من مقوّمات قلبت القاعدة بعدم جنوحها إلى أسهل الطرق التي عادة ما تختار الأيديولوجيا لفرض تغيّرات جديدة مثلما حصل في الكثير من التجارب العربية الأخرى.
يعدّ الكاتب والأكاديمي السعودي شايع الوقيان المعروف بشغفه بالطروحات الفلسفية من أبرز المثقفين القادرين على تقديم تشخيص دقيق للتحوّلات الحضارية في السعودية، وهو صاحب الكثير من المؤلفات ذات الصلة بالمسألة ومنها “الفلسفة بين الفن والأيديولوجيا” و”قراءات في الخطاب الديني” و”أوراق فلسفية”.
يقول الوقيان الذي ساهم في تأسيس حلقة الرياض الفلسفية ولا يزال عضوا فيها في حوار مع “العرب”، “إن التحول الحضاري الذي يجري في السعودية الآن سينعكس بشكل إيجابي على الفكر السلفي، وإن التعامل بتصورات القرن العشرين لم يعُد نافعا، وإن تجديد السلفية لتكون أكثر مرونة وأقلّ انغلاقا أصبح مطلبا ملحّا، وربما أنه بدأ بالفعل”.
تحولات جريئة
إن ما يميّز التجربة السعودية أنها خالية من البعد الأيديولوجي بحيث يصعب تصنيفها مع تجارب سابقة في منطقة الشرق الأوسط، كما يصعب أيضا الخروج بنتائج ثابتة بشأن التعبيرات الجدية للبلد.
وتطرّق الكاتب السعودي لهذه المسألة بقوله “لعلّ ما يميّز التحوّل الكبير الذي تشهده السعودية اليوم أنه ما بعد أيديولوجي؛ إنه انفتاح مذهل على العالم دون شروط سوى الاحترام المتبادل. هناك رؤية حضارية (أي رؤية 2030) وهي لا تنسجم بطبيعتها مع الأطر الأيديولوجية التي كانت مرجعا نهائيا لكثير من المشروعات الحضارية في المنطقة وكانت سببا في دمار المجتمعات”.
ويضيف الوقيان أن “إدراك القيادة السعودية الجديدة لخطورة الأيديولوجيات سيكون سببا جوهريا في نجاح الرؤية. فالأيديولوجيا نسق مغلق ومتصلب ولا يسمح بالتحولات الاجتماعية”.
تغييرات فكرية
دفعت كل هذه التحولات التي تتزامن مع تطورات أخرى في منطقة الشرق الأوسط ارتفعت فيها خلال السنوات الأخيرة الخطابات الدينية المتشددة إلى تشبث روّاد الفكر في المملكة بوجوب تجديد الخطاب الديني وجعله متسقا ومواكبا لسيرورة العصر، لكن دون تقديم بدائل موثقة أو مكتوبة تطرح بالنقاش التحديات المقبلة لتخليص المملكة ومحيطها الإقليمي من النزعة المتشددة التي لا تقبل الاختلاف في مجالات عدة”.
ويقول شايع الوقيان في هذا الصدد ”النقاش حول تجديد الفكر الديني انتهى، وبدأ العمل. مضى على النقاش في السعودية عشرون عاما على الأقل، وحان الآن وقت التجديد. فعندما يبدأ العمل ينتهي الكلام وليس ينخفض صوته فقط.
ويتابع “أتمنى أن يتوقف المفكرون السعوديون عن الكلام في التجديد، وضرورة تحقيق تحوّل في الخطاب الديني، فهذا التحوّل يكون تلقائيا وينجم عن التحوّل في الإرادة السياسية الجادّة. فالمنطقة العربية المحيطة بنا تعجّ بصراعات ليست فكرية بل فعلية: حروب ومظاهرات واحتجاجات”.
ويؤكد أن انزياح الفكر المؤدلج (الفكر العربي في الغالب مؤدلج ولا يزال خاضعا لأطروحات الستينات والسبعينات) هو أفضل ما يمكن أن يفعله المفكرون.
ويرى أنه “يجب أن يتخلّى المثقفون عن الدور التبشيري ويكتفوا بالتحليل والفحص والوصف. فالمنطقة العربية تمرّ بمنعرج خطير، فإذا استطاعت الخروج منه إلى فضاء التحضر وإلا فإن الانتكاسة ستكون فاجعة. وعندما أشار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى أنه يطمح إلى أن يصبح الشرق الأوسط هو أوروبا الجديدة فلأنه يدرك جيدا أن اضطراب المنطقة لن يكون في صالح السعودية ومشروعها الحضاري الضخم”.
يؤكد الوقيان على أنه لا يمكن للسعودية أن تكون نموذجا رائدا للعالم العربي والإسلامي إذا كان الفكر الديني السعودي غير مواكب للتحوّل الحضاري.
على أهمية التجربة السعودية فإنها تبقى أمام تحديات كبرى، حيث تصطدم راهنا بأدوار كبرى تلعبها المنطقة في إنتاج التطرّف وتفريخ الإرهابيين، بشكل يوحي بأن قدر المنطقة هو عدم التخلّص من هذا الوباء المشحون، إذ هناك أفكار مغلوطة عن الدين رغم البرامج والميزانيات الضخمة المرصودة لمواجهتها واقتلاع جذورها.
وعن أسباب تواصل هذا الخطر يقول الوقيان “هناك شروط سوسيو – تاريخية تجعل إعادة إنتاج التطرّف أمرا ممكنا ولن يتوقف التطرف عن التوالد ما لم تتغير تلك الشروط. وما دامت المجتمعات تعاني من الفقر والأمية والاستبداد فلن تجد لها من بد سوى الانخراط في البديل بحثا عن حلول أو على الأقل عن عزاء روحي، وهذا البديل هو جماعات التطرف”.
ويضيف “في السعودية كان موضوع الإرهاب مزعجا ومربكا، لكن الحكومة كانت تقصّ ذيل الأفعى وتترك رأسها. لكن بعد مقاطعة الدول والمنظمات التي تغذّي الفكر المتطرّف انحسر الإرهاب بشكل ناجح جدا في السعودية”.
لكن رغم نظرته المتفائلة يشدّد الكاتب السعودي على تواصل وجود ما يسمّيه بعض الأفاعي الصغيرة التي تتسلل في المجتمع بين حين وآخر، وأن ذلك سيستغرق وقتا طويلا لتطهير المملكة من الغلاة والمتطرفين، لأن الذي تم ترسيخه عبر أربعة عقود لا يمكن محوه في بضع سنين وفق قوله.
مستقبل التفلسف
تطرح في قلب التحوّلات بالسعودية أسئلة أخرى لكنها فلسفية لا تخرج طياتها عن الاستفسار عن مرد بقاء فعل التفلسف ومستقبل الفلسفة متواضعين في البلاد، خاصة أن الأرضية اليوم أصبحت أكثر ملاءمة بالتزامن مع التطورات الحاصلة لتوفير مناخ حرّ وتعدّدي يمكن للجميع فيه أن يفكر كما يشاء أو أن يعبّر عن انشغالاته الفلسفية.
ويجيب الكاتب السعودي عن هذا التحدي بقوله “الفلسفة في السعودية تسير نحو الأفضل، وإن كان ذلك ببطء، والأرض خصبة جدا ولاسيما مع وجود حماس كبير يبديه الشباب السعوديون الآن نحو الفكر الفلسفي”.
ويستدل على ذلك بتأكيده أنه في المشهد الفكري السعودي تم تأسيس أنشطة فلسفية متنوعة بتعاون من الأندية الأدبية وجهات أخرى.
واليوم تقوم وزارة الثقافة بدعم الأنشطة الثقافية لمواكبة رؤية 2030 وتقوم بإنشاء المبادرات وعقد المؤتمرات، وأنه سيكون قريبا للفكر الفلسفي نصيبه من الدعم.
ولا يخفي المتحدث تفاؤله بتعبيره عن رغبته الجامحة في أن تقوم وزارة التعليم بدورها في المشروع الحضاري وذلك من خلال السماح بتدريس الفلسفة في التعليم العام والأكاديمي، وإنشاء أقسام فلسفية في الجامعات. لأن “الفلسفة هي عقل الثقافة النقدي وهي الأفق الذي يسمح للعلوم والمعارف بأن تكون أكثر نضجا وعمقا”.
أكدت الكثير من الأطروحات أن ما يميّز دول منطقة الخليج من تاريخ قوامه المجتمع البدوي المحافظ ساهم بشكل كبير في عدم تمكّن مجتمعات دوله من مواكبة تطور المجتمعات، وهو ما جعل الحديث عن التحوّلات الثقافية خاصة في السعودية مرفوقة بحزمة أسئلة تذهب إلى الاستفسار عن تطلب الانتقال لأرضية جديدة مغايرة رغم نجاح الثقافة البدوية في إنتاج أشكال سياسية وفّرت حالة من الاستقرار والتنمية لدول الخليج.
وقال شايع الوقيان لـ”العرب”، “رغم تطوّر الخليج على مستويات شتّى فإنه لم يتخلّ عن قيم البداوة مثل قيم التعاون والنجدة والتضامن وعلاقة الدم والقربى. وهذا له دور في تجاوز دول الخليج للأزمات التي ضربت الكثير من الدول العربية”.
شايع الوقيان: أتمنى أن يتوقف المفكرون السعوديون عن الكلام في التجديد، فالتحوّل في الخطاب الديني، هو تحوّل تلقائي ناجم عن التحوّل في الإرادة السياسية الجادّة
وأكد المتحدث أن الطبقة السياسية في الخليج لا تعيش صراعا مع الناس، لأن الشعوب يعتبرونها امتدادا طبيعيا لهم.
لكنه يقول “إن هذه النقطة عصيّة على فهم بعض العرب خارج الخليج… فهم يفترضون أن العلاقة يجب أن تكون عداء متواصلا. والمثقف يجب أن يكون دائما في موقع المعارضة”.
ويذهب إلى اعتبار أن هذه الأساطير اليسارية لا تجد تحققا لها في الخليج. لأن الطابع الأبوي للعلاقة بين الحاكم والشعب في الخليج هو سيد الموقف.
لكنه يعتقد في المقابل، أن هذا الطابع وعلى أهميته في الاستقرار ينبغي أن يتم تجاوزه. فاقتصاد الريع والتواكل الاجتماعي والاعتماد على قيم البداوة لن يكون نافعا في التحديات الاقتصادية الكبرى. لأنّ التحوّل من اقتصاد الريع الأبوي إلى اقتصاد العمل والمعرفة هو ما ترمي رؤية 2030 إلى تحقيقه.
وبعبارة أخرى، يؤكد الوقيان أن البداوة غير نافعة في الحقل الاقتصادي والإداري والتشريعي، وكذلك في النواحي الاجتماعية والأخلاقية. ومن الواجب ذكر أن هناك قيما بدوية لم تعد مناسبة، ويجب التخلّص منها على كافة المستويات كالانتقام والتفاخر الأجوف وأخلاقيات البطش وغيرها.
رغم أهمية الثورة الحضارية في السعودية فإن المحاولات الفكرية بقيت شحيحة وبلا تأثير أو حضور عربي أو إقليمي لافت، وهو ما يستدعي البحث في عمق المعوقات التي أدت إلى ذلك لكي تكتمل صورة التحولات في المنطقة.
ويحمل الأكاديمي السعودي هذه النقائص لما أسماه تجاهل الكثير ممن أنتجوا أدبيات هامة، لكنهم لم يكونوا محط أنظار، قائلا “ما يؤسف له أن الفكر السعودي لم يدرس جيدا. فهناك مفكرون عظماء تم تجاهلهم لصالح كتّاب سطحيين”.
محاولات فكرية شحيحة
أكد الوقيان أنه منذ تأسيس السعودية لم تخلُ ثقافتها من فكر تنويري عميق. مذكرا بمحمد حسن عواد في خواطره المصرحة (1926) وحمزة شحاتة في محاضرة الرجولة عماد الخلق الفاضل (1938) وهذي هي الأغلال لعبد الله القصيمي (1946). وأشار إلى أن هؤلاء الروّاد كانوا يحاولون تسويق خطاب فكري يواكب الدولة السعودية الجديدة آنذاك. وشدّد الوقيان على وجود خطابات فكرية لم تصل لمستوى المشاريع لكنها كانت ذات أثر كبير في تشكيل هوية الفكر السعودي، وأبرز روّادها غازي القصيبي وتركي الحمد وسعد البازعي وسعيد السريحي وسعد الصويان وغيرهم.
وفي مواكبة للتحوّلات للسعودية، تذهب الكثير من المواقف إلى اعتبار أن المرحلة الجديدة تشهد ميلاد مفهوم القومية السعودية بحيث تنتظم فيها ماهية ثابتة ونهائية يمكن القياس عليها والنظر من خلالها، لكن هذا التوجّه بقي إلى الآن محل اختلاف.
ويعتقد الوقيان أنه توجد نزعة وطنية بدأت تسود بين الناس وخاصة شرائح الشباب. وبحسب قوله رغم وجود بعض الأصوات التي تجنح نحو الشوفينية المتطرفة، فإنه من حق السعوديين أن تكون لهم هوية ذات ملامح مستقلة ومميزة بعيدا عن الطروحات التي تنظر إلى السعودية كبلد للعرب والمسلمين جميعا، وأن ثرواتها ليست للسعوديين فقط بل للعرب والمسلمين جميعا.
الرياض عاصمة للمرأة العربية 2020
الرياض - أعلنت الدورة الـ39 للجنة المرأة العربية التي تستضيفها السعودية تحت مظلة جامعة الدول العربية، الرياض عاصمة للمرأة العربية 2020.
وبدأت الدورة فعالياتها الأحد لمدة يومين بحضور وزراء ورؤساء وفود الدول العربية والجهات المعنية بالمرأة، والوفود من المنظمات العربية والدولية.
وتَرْأس السعودية لجنة المرأة العربية لمدة عام، إضافة إلى إعلان الرياض عاصمة للمرأة العربية.
ونجحت السعودية في إجراء العديد من الإصلاحات المتعلقة بتمكين المرأة وفق رؤية 2030، كان أبرزها إسقاط الولاية عنها وتمكينها من قيادة السيارة.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق