السينما أتاحت للمرأة السعودية أن تكون صانعة للأفلام وموضوعا بارزا لها.
الأحد 2020/02/02
عودة الحياة إلى صالات العرض السينمائية بالتزامن مع سلسلة من التغييرات الإيجابية التي كرست المزيد من الحقوق للمرأة في المملكة العربية السعودية، سلطت الضوء على مواهب كانت حتى وقت قريب مدفونة في صدور السعوديات، وبذلك وجدت متنفسا جديدا لتخرج إلى العلن. وتتمثل هذه المواهب في الإخراج وصناعة الأفلام، وإسهامات البصمة الأنثوية البارزة في هذا المجال، وبما أن السينما ليست سوى انعكاس للحياة الاجتماعية فقد كان من الطبيعي أن تطالب السينمائيات بنوع من المساواة في الحصول على فرص لصنع أفلام تعبّر عنهن، كما كانت بعض الكاميرات الرجالية حاضرة لنقل واقع السعوديات إلى الجمهور دون تجميل.
حضرت المرأة بقوة منذ اللحظة الأولى لافتتاح أول دار عرض سينمائي في السعودية، بعد حظر للسينما دام أكثر من 35 عاما، إذ شهد حفل الافتتاح حضور الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان آل سعود التي وصفت ذلك بـ“اللحظة التاريخية”، وما كان لافتا أنه لم يتم الفصل بين الجنسين حينها.
ولم يسهم رفع الحظر في تجنب عناء إنفاق الملايين من الدولارات سنويا لمشاهدة أفلام سينمائية وزيارة مرافق ترفيهية في دول مجاورة فقط، بل كتب أيضا فصلا جديدا في علاقة المرأة بالسينما.
فعلى الرغم من تأثر السينما في السعودية بمسيرة الاحتجاب الطويلة التي لازمت هذه الصناعة، كانت المرأة السعودية حاضرة، عبر بروز عدد من الأسماء التي التحقت بهذا المجال، وفي مقدمتهن المخرجة هيفاء المنصور، والمخرجة عهد كامل التي جمعت بين التمثيل والإخراج، وغيرهن مثل هناء العمير وهند الفهاد وشهد أمين وهناء الفاسي وأخريات.
وتم تناول المرأة كموضوع في مجتمع تكتنفه الكثير من حالات التوجس والارتياب، في عدد من الأعمال، من بينها ما قدمه المخرج عبدالمحسن الضبعان الذي تناول في ثلاثة أفلام متتالية موضوعات متعلقة بالمرأة.
رغم تأثر السينما السعودية بمسيرة الاحتجاب، كانت المرأة السعودية حاضرة، عبر بروز عدد من الأسماء التي التحقت بهذا المجال
وستكون المرأة موضوعا حاضرا وبقوة خلال المرحلة المقبلة والواعدة من مستقبل السينما في السعودية، في ظل ما تحظى به من رعاية الدولة ودعم أجهزتها لتعزيز رحلة التحولات نحو المجتمع المأمول الناهض برؤية المملكة 2030.
ويتطلب الطريق إلى ذلك الكثير من مكاشفة الذات عبر أدوات السينما التي تنفذ إلى وجدان المجتمع، ومساءلة مواقفه المترسبة وتحريك مياهه الراكدة، وقد سجلت النسخ المتأخرة من مهرجان أفلام السعودية تزايدا في شريحة المخرجات السعوديات.
وتشكل السينما أحد المحاور الرئيسية في خطة “رؤية 2030” التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عام 2017، وهي خطة من بين أهدافها رفع الإنفاق السعودي السنوي على الأنشطة الثقافية والترفيهية، كما تسعى إلى تحقيق نهضة ثقافية شاملة تواكب أغلب فنون وآداب وإبداعات العصر، بفتحها مجالات جديدة أمام صنّاع السينما والكتاب والفنانين، ومن أبرز خطوات هذا المشروع الشروع في دعم السينما السعودية، وتأسيس ملتقيات للفنون الحديثة مثل الفيديو آرت.
وكانت قضايا المرأة وهمومها وانشغالاتها المحلية مضمونا لدى الكثير من المحتوى المبذول في الأفلام المتنافسة، ووجود العديد من الفتيات السعوديات المبتعثات اللاتي يقمن حاليًّا بدراسة السينما في مختلف المعاهد والكليات في أميركا.
كما أن رفع الحظر عن دور السينما بالسعودية، في العام 2018، فتح أبواب صناعة الأفلام أمام طالبات قسم السينما بجامعة جدة، وسمح لهن بالحصول على تصاريح للخروج بكاميراتهن خارج الحرم الجامعي والتصوير وسط تقبل مجتمعي غير مسبوق.
صناعة سينمائية رائدة
يقول سلطان البازعي، رئيس الجمعية السعودية للثقافة والفنون سابقا، “لدينا فرص ممتازة لتقديم صناعة سينمائية متميزة، ومن أهم عناصر هذه الفرصة هو وجود عمق ثقافي كبير يمكن استلهام القصص السينمائية منه، ولدينا قوة استهلاكية تتمثل في الجمهور الأولي الذي يمكن أن يدعم الإنتاج قبل تصديره”.
وأضاف البازعي “كما أن لدينا مواهب نشطة في الإخراج أثبتت وجودها من خلال ما قدمته في المهرجانات المحلية والإقليمية والدولية، وأخيرا -وهذا شديد الأهمية- لدينا رغبة حكومية أكيدة لتطوير صناعة الفيلم حيث نصت عليها رؤية المملكة 2030 التي نظرت إلى الثقافة والفنون كعنصر أساس من عناصر جودة الحياة وأنها عنصر اقتصادي هام يمكن أن يضيف إلى الناتج القومي الإجمالي”.
وتابع “الفضاء مفتوح للسينمائيين للحصول على قصص متميزة في كافة المجالات، وأظن أن المخرجات السعوديات نشطن بشكل واضح في تقديم المرأة السعودية بشكل متوازن وحقيقي ولعلنا نذكر هنا هيفاء المنصور وهند الفهاد وأخريات قدمن أعمالا جميلة في هذا السياق، وأعتقد أن المستقبل يحمل المزيد من الإمكانات عند افتتاح الأكاديميات المتخصصة في صناعة الفيلم، حيث يفترض أن تتطور صناعة القصة السينمائية وكتابة السيناريو بشكل علمي”.
وحملت المخرجتان السعوديتان هيفاء المنصور وشهد أمين رسالة إلى مهرجان البندقية السينمائي، إلى جانب فيلميهما، مفادها لا بد من رؤية النساء وسماعهن.
وكانت المخرجتان تأملان أن توصل أفلامهما، على هامش مشاركتهما في مهرجان البندقية السينمائي الدولي في دورته السادسة والسبعين، رسالة عن تمكين المرأة في الوقت الذي تشهد فيه السعودية تخفيف قواعد ولاية الرجل التي لطالما قوبلت بانتقادات في الخارج.
وعند اختيار فيلم “المرشحة المثالية” لهيفاء المنصور ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية متنافسا مع أربعة عشر فيلما عالميا على جائزة الأسد الذهبي، إحدى الجوائز العالمية المرموقة في مجال السينما، كانت هذه المرة الأولى في تاريخ السينما السعودية التي يشارك فيها فيلم سعودي في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا العريق، وفقا لوكالة واس السعودية.
ويحكي “المرشحة المثالية” عن قصة طبيبة تواجه تحديات بسبب جنسها عندما تقرر الترشح لرئاسة البلدية.
وتعكس بداية فيلم المنصور التغيرات التي تشهدها المملكة، حيث تظهر البطلة مريم وهي تقود سيارتها إلى عملها، وصورت أيضا قرار رفع قيود السفر عن النساء البالغات، الأمر الذي يتيح لهن السفر دون إذن، كما عكست صورا عن منح النساء المزيد من السيطرة على الشؤون العائلية.
وعندما سُئلت المخرجة عن الرسالة التي تريد إيصالها إلى السعوديات من الفيلم، قالت “الوقت حان لكي يخاطرن وألاّ يخشين من الفشل أو من إطلاق الأحكام عليهن”.
وعن تأهيل النصوص الناضجة التي تدعم تقديم صورة عادلة عن ظروف المرأة السعودية وواقعها، قالت المخرجة السعودية هناء العمير، “النص الجيد هو نص يمنح صانع الفيلم أساسا قويا لعمل فيلمه وبدونه لا يمكن صناعة عمل جيد. هذه نقطة مهمة جداً وأساسية”.
وشددت العمير على أن “الفيلم الجيد سيقدم صورة مختلفة وإيجابية عن الفنان والفنانة السعودية وبالتالي عن المملكة العربية السعودية بغض النظر عما يناقشه الفيلم من أطروحات”.
ولفتت إلى أنه “للأسف هناك خلط بين الفن والدعاية الإعلامية لدى الكثير من الناس، وهذا غير صحيح. السينما تسمح للفنانين والفنانات بمشاركة قصصهم مع العالم وهذه المشاركة تجعل العالم أكثر قربا منا وقبولا وتفهما لنا، وهذا هو المهم. هناك الكثير من المعلومات المغلوطة عن السعودية والسعوديين ولكننا لا يجب أن نفكر فيها أثناء صناعة العمل. عندما نقدم فنا راقيا وعملا متقناً سيكونان كفيلين في حد ذاتهما بتغيير هذه المعلومات المغلوطة، دون أن نفكر فيها أو نقلق بشأنها”.
وأضافت “أتحفظ كثيرا على كلمة الخصوصية الثقافية السعودية لأنها للأسف استخدمت بشكل جعلنا نعتقد أننا لا بد أن نعزل أنفسنا عن العالم في حين أن لكل ثقافة خصائصها ومفرداتها وإنتاجها المتفرد. ولكن هذا أمر إيجابي وهام وهو يعطي النتاج الفني روحا خاصة به. وهو بكل تأكيد عامل قوة في الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية وليس العكس”.
الاستهلاك وحده لا يكفي
يرى الناقد السينمائي خالد ربيع السيد أنه “ليس شرطا أن يكون حجم الاستهلاك الكبير أو التمويل الضخم هما ما يقدم صناعة فارقة. لا تنسى أن هناك عناصر أكثر أهمية يجب أن تكون متوفرة حتى تتحقق هذه الصناعة الفارقة”.
وتابع السيد “أتحدث بالطبع عن النواحي الفنية وجودة المنتج وملامسته لذائقة الجماهير والعديد من الأمور الأخرى، ناهيك عن حرفية صناع الأعمال السينمائية في تقديم أفلام لها طابعها الخاص غير المقلد، ولها حساسيتها الفنية الجاذبة. هناك أمثلة عديدة توفر لها الحضور في بيئة عالية الاستهلاك، مع توفر التمويل الضخم، ولم تنجح. إذا أردنا أن نتفوق على غيرنا -وهذه مسألة مبكرة- علينا أن نقنع الجماهير ونقنع السوق بصناعة رصينة أولا”.
وعن فيلم وجدة الذي شكل علامة فارقة في بواكير التجربة السينمائية السعودية قال ربيع “هذه التجربة لامستها عن كثب، عندما عرض الفيلم في مهرجان دبي السينمائي 2012، حيث فوجئت بأن المشاهدين الخليجيين استقبلوا الفيلم بالكثير من الترحيب، إذ ينثل لهم شيء من واقع المرأة السعودية”.
وأوضح “الحقيقة أن انخفاض شعبية الفيلم داخليا وفق تقييمي يرجع إلى ما كان يتوقعه المشاهد السعودي، إذ توقع فيلما مثيرا ذا أحداث صادمة ومفارقة وبالتالي (توقّع) تصويرا مدهشا وأبطالا خارقين يقدمون قصة مثيرة بنبرة عالية. ولكن ما حدث أن الفيلم تناول بهدوء قصة من الممكن أن تحدث في الواقع السعودي، بل إنها حدثت بالفعل، كما أخبرت المخرجة”.
وكانت المنصور اضطرت إلى تصوير فيلمها الأول الطويل “وجدة” في عام 2013 في شاحنة صغيرة بعيدا عن الأنظار وإدارة الممثلين بواسطة جهاز لاسلكي. ويدور موضوع الفيلم حول قصة فتاة في سنّ الثانية عشرة تريد الحصول على دراجة هوائية في حين أنها حكر على الرجال.
وقد لاقى فيلم “وجدة” استحسانا كبيرا في صفوف النقاد وكان أول فيلم سعودي يرشح للفوز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2014. وقد شرّع هذا الفيلم الأبواب أمام المنصور ولاسيما في هوليوود.
وأشار السيد إلى أن “الأمر يحتاج إلى إعادة فهم والخروج مما هو متخيل، والنظر إلى الواقع بعين الاكتشاف بغير إثارة أو فرقعة درامية وإنتاجية. لا أخفي عنك أن هذا حدث أيضا مع فيلم ‘بركة يقابل بركة’، فالفيلم نجح خارجيا واستقبل ببرود داخليا. والسؤال: كيف تلامس حساسية ذائقة المشاهد المحلي في نفس الوقت الذي نقدم فيه للمشاهد الخارجي ما يقدره؟”.
ووفقا لآراء النقاد، فإن ما يلفت الانتباه إلى فيلم محمود الصباغ هو أن المرأة السعودية ظهرت من خلاله عبر شخصيات نسائية متعددة على رأسها الممثلة والباحثة في علم الاجتماع فاطمة البناوي التي تقوم بالدور الرئيسي، في ثياب عصرية، مكشوفة الوجه، قوية الشخصية، جميلة واثقة من نفسها ومن جمالها، بل تبدو المرأة في الفيلم أقوى من الرجل.
مستقبل واعد
نتظر صناعة السينما في السعودية مستقبل واعد، رغم الخطوة المتأخرة، فصالات العرض السينمائية فتحت أبوابها لواحد من أكثر الأسواق استهلاكا وتعاطيا مع ما تبثه الشاشات وتجود به الكاميرات. فسلسلة التحولات الجديدة التي حظيت بها السعودية خلال هذه المرحلة، فتحت شهية المترددين لاقتحام الكثير من الفضاءات التي كانت محظورة أو مهملة فيما سبق.
ومن بين هذه الفضاءات السينما، إنتاجا واستهلاكا، والتي تحظى بفرصة ثرية لتوسيع دورها وحضورها في مجتمع متعطش، مكتنز بالكثير من القصص والأسرار والأخبار التي يمكن أن تتحول إلى منتجات سينمائية فذة تنافس وتزاحم وتقاوم في هذا المضمار المهم والحيّ.
وكانت السلطات السعودية أعربت عن أملها، عند رفع الحظر عن السينما، في افتتاح 300 دار عرض سينمائي وإنشاء صناعة سينما بالمملكة، وهو ما سيضيف أكثر من 24 مليار دولار للاقتصاد ويوفر نحو 30 ألف وظيفة.
تعليقات
إرسال تعليق