التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الخليج وتهمة "صفقة القرن"

المحرضون لا يكفّون عن توزيع التهم الباطلة في ظل حالة الاستقطاب بين عواصم الاستقرار والاعتدال ورعاة الفوضى والأيديولوجيا المشوهة.

الأربعاء 2020/02/12
هناك تهمة مستهلكة بشأن دور خليجي مزعوم خلف تصفية القضية الفلسطينية، وأن قيادات السعودية والإمارات ساعدت على هندسة هذا المشروع الذي يقلّص حقوق الفلسطينيين ويضاعف مكاسب الإسرائيليين، وسوى ذلك من التهم الملفقة الجوفاء، التي اعتادت عليها الأذن الخليجية من الزعامات المنبرية التي تلجّ بالشعارات المهلهلة وتقضم فتات الأيديولوجيات المهزومة.
وكأن الرياض وأبوظبي أو سواهما من العواصم الخليجية تملك الأرض لتبيعها أو تقايض بها، رغم تأكيد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المتكرر على قطعية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وموقف بلاده الثابت تاريخياً مع حقوق الفلسطينيين الكاملة وأسبقية رضاهم عن أيّ خطوة ودعم خياراتهم وعدم النيل من حقوقهم تحت أيّ ظرف أو ضغط أو تسويف.
لكن جماعة من المحرضين، ومن بينهم فصائل فلسطينية مرتهنة لأوامر لاعبين إقليميين يزايدون على حرّاس القضية ويستنزفون مصداقيتها، لا يكفون عن تلفيق الأباطيل وتوزيع التهم وإلصاق العيوب بالعواصم النزيهة في ظل حالة الاستقطاب التي تشهدها المنطقة بين عواصم الاستقرار والاعتدال والمستقبل المتفائل وبين رعاة الفوضى وزعماء الأيديولوجيا المشوهة.
تصدّر رجب طيب أردوغان هذه الحملة الممنهجة، بهجوم فجّ على السعودية وحشرها بطريقة تعسفية في كلامه العنتري، حول صفقة القرن، ولام الرياض على عدم اتخاذ موقف، رغم أنها لا تجمعها بإسرائيل أيّ علاقة أو مشتركات كتلك التي تجمعها بأنقرة وأردوغان خصوصا، لكنه يحجب حقيقة صلته بالحكومة الإسرائيلية بغبار المعارك الكلامية، التي يفتعلها ويشبع غرور أنصاره وأشياعه المستسلمين تماماً لسياساته والمنخرطين في الترويج لرمزيّته المتوهمة.
قدمت الخارجية السعودية بياناً معتدلاً في موقفها من العرض الأميركي المسمّى صفقة القرن، شددت على ثوابت ما تتبناه تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، الذي لا يمكن التساهل بها، وعلى رغبتها في إنهاء الصراع الذي استنزف المنطقة وضاعف من متاعب شعب أعزل تكالبت عليه الظروف والمزايدون على حقه الطبيعي في العيش والكرامة والاستقلال. وأكدت دعمها مع بقية عواصم الاستقرار أيّ تحريك لركود مياه القضية، وأيّ انفراجة يمكن أن تعيد الحياة إلى الملف بعد عقود من الإهمال والتأجيل والتجاهل.
هذا لا يعني بأيّ حال الضعف والتنازل عن حق فلسطيني حتمي، لا يملك أحد الخيار أو القرار في البتّ بأمره دون أهل الشأن وبمعزل عن أصحاب القضية. وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش قولاً فصلاً في هذا السياق، بأن الدعم العربي والإيمان بعدالة القضية الفلسطينية رصيد إيجابي يعوّل عليه ولا يجب أن يهدر، لكنه لا يكفي لتغيير موازين النفوذ والقوة، فلا تمكن مواجهة الموقف التفاوضي إلا بموقف تفاوضي مقابل، وما يتمّ عرضه نقطة انطلاق ولا يعني بالضرورة قبوله، وتبقى السياسة فنّ الممكن.
ويبدو أن دول الاعتدال العربي تأمل في استثمار جدية الرئيس دونالد ترامب لتحرك الجمود، الذي اعترى القضية الفلسطينية، وإحراج تعنت إسرائيل الدائم في وجه كل العروض المقدمة، والعنجهية التي أصبحت طاغية في سلوكها وردّات فعلها، من أجل إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث بعد أن توارت خلف ركام الفوضى والمشكلات المستعصية، التي تسبب بها رعاة التطرف ومقوّضي الاستقرار وزعماء العنتريات.
ويبدو أيضا أنها تأمل في قطع دابر الانتهازيين، الذين يستثمرون في أوجاع شعب مغلوب على أمره لتحقيق أغراضهم السياسية ومآربهم الوصولية. وتسعى لوقف عمليات التزييف والالتفاف على القضية الأعقد في واقعنا المعاصر وإنهاء عقود من الاستنزاف والاستهلاك، الذي أخّر حق شعوب المنطقة في التنمية والاستقرار.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...