التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نُذر التصعيد والتبريد في المنطقة

دول المواجهة الصريحة، لاسيما المملكة العربية السعودية، أكثر من يعرف حقيقة النظام في إيران، ويدرك أن مسألة تنازله عن مشروعه تشبه الانتحار، وأن النظام والمشروع متلازمان بما لا يصحّ معه التفريق.

الجمعة 2020/02/07

استعاد الحوثيون نشاطهم خلال الفترة القصيرة الماضية، بما فيها الهجمات الصاروخية قصيرة المدى على الحدود السعودية، والإفراط الإعلامي في إظهار فعاليتهم المتوهمة ومن ذلك الادعاء باستهداف مواقع نفطية في السعودية، بعد جولة من التهدئة شهدها اليمن مؤخراً.
لكن يبدو أن هذا التصعيد يأتي جزءاً من استراتيجية الرد الإيراني على الصفعة الموجعة التي تلقتها الشهر الماضي، وبحكم ارتهان الجماعة الحوثية لخيارات طهران وحساباتها، استغرقت في دور جديد يخفف من الضغط الذي يواجهه رعاتها في إيران نتيجة الهزائم المنكرة التي يتلقونها كل مرة.
بدت رياح ما بعد مقتل قاسم سليماني وكأنها هدأت إلى حد بعيد، وأن منطقة الخليج العربي شهدت تبريدا ملموسا من الأطراف الفاعلة في مشهده، وقدّمت إيران إشارة على عدم نيتها التصعيد بعد خسارة أهم زعامائها، وأن صواريخ “حفظ ماء الوجه” كانت كافية لإلهاء أنصارها المتعطشين لمعارك الكلام ووجبات الشعارات الدسمة في مقارعة “الشيطان الأكبر”.
لكن هذا ليس كافياً لتقديم شهادة قاطعة بتنازل طهران عن مشروعها أو انخفاض حماسها لتنفيذه، وليس أكثر من مجرد انحناء تكتيكي فرضته قسوة المواجهة ووطأة العقوبات، وكلفة الغضب الأميركي، إلى حين مرور العاصفة، سواء بأمنيات خسارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لفرصة ولايته الثانية ووصول رئيس آخر يذكرهم بأيام باراك أوباما السعيدة، أو بخلق ثغرة في جدار العزلة الدولية تمكنهم من التحايل والالتفاف على مرّ الحقيقة الراهنة، وتؤمّن خروجا مقبولا بأقل التنازلات والخسائر في رصيد مشروعهم التوسعي وأجندتهم التخريبية.
دول المواجهة الصريحة، لاسيما المملكة العربية السعودية، أكثر من يعرف حقيقة النظام في إيران، ويدرك أن مسألة تنازله عن مشروعه تشبه الانتحار، وأن النظام والمشروع متلازمان بما لا يصحّ معه التفريق والتفاوض ورجاء الخير من ورائه، وأن القيادة المتشبّعة بعقيدة ميتافيزيقية متشددة على نحو ما عرفته المنطقة من جماعات العنف والتطرف، ليست مستعدة لإعادة النظر في سلوكها وسياساتها، لأنها تفعل ذلك من منطلق مصيري وحدّيّ، لا يفهم من السياسة إلا وسيلة لغاية نهائية موغلة في البدائية والتخلف.

وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان: دول كثيرة عرضت الوساطة لإجراء محادثات مع إيران
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان: دول كثيرة عرضت الوساطة لإجراء محادثات مع إيران

وهذا ما قاله نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، بأن الخلاف بين السعودية وإيران ليس متعلقاً بالسنّة والشّيعة بل هو تصادم بين رؤية 2030 ورؤية 1979، وأن جهود بعض العواصم الأوروبية لاسترضاء إيران قد يكون ثمنها فادحاً، على مقاس ألمانيا النازية.
لكن الرياض لم تغلق الأبواب دون أيّ فرصة للحوار، بل أكدت في الكثير من المرات دعمها لأيّ مشروع تتبناه دول إقليمية أو دولية لتجسير الهوة في المنطقة وردم الفجوة بين دولها، وشددت على عدم الدفع بالأزمة إلى نهاياتها القصوى، أو جرّ المنطقة إلى حرب مدمرة لن يسلم منها أحد.
وقد أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أن المملكة منفتحة على إجراء محادثات مع طهران، مشدداً على أن “الأمر يرجع في الحقيقة إلى إيران”. وأضاف أنه يتعين على إيران أن تقر بأنه “لا يمكنها دفع أجندتها الإقليمية من خلال العنف”، كشرط لأيّ محادثات.
وتابع “سعداء بأن المنطقة تجنّبت أيّ تصعيد مع إيران”، مشيراً إلى أن دولاً كثيرة عرضت الوساطة لإجراء محادثات مع إيران.
السعودية تفضل استثمار حالة الضعف التي تكابدها إيران اليوم، لصالح دفعها إلى تأسيس حالة سلام دائم ووضع أسس متينة لحل نهائي، يجنب المنطقة وشعوبها ويلات الصدام والقلق والاضطراب الذي عرفته منذ اختارت طهران مناصبة جيرانها العداء والفتّ في عضد استقرار المنطقة والسلم الأهلي لشعوبها، بشرط أن يحدث ذلك على أساس سليم، لا يساوم أو يزايد على هواجس الدول العربية، أو يقدمها لقمة سائغة لأصحاب المشاريع الإقليمية التوسعية، وأن تحتفظ الصياغات السياسية بحق أهل المنطقة في وضع هواجسهم وشروطهم في سلة الصفقات وعلى طاولتها، وليس خارج الحسابات والتفاهمات، وأن يكون المجتمع الدولي حاضراً بصفة نزيهة تزيد في زخم المصداقية والالتزام، وليس بصفة التفافية تعطي الشرعية لواقع مهلهل أو صيغة مزيفة.
وقد طرح وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي فكرة من هذا القبيل، خلال منتدى دافوس الاقتصادي العالمي الذي انعقد مؤخرا، وقال إن الأطراف المعنية بالنزاعات في منطقة الشرق الأوسط لا تريد حلها بل إدارتها، وأنهم يجتمعون لحماية مصالحهم لا لإيجاد حلول للأزمات. وتساءل هل ننوي الاستمرار على هذه الوتيرة؟ ماذا نريد أن نراه في الشرق الأوسط خلال الـ50 سنة المقبلة؟ لم نجد جوابا على هذا السؤال.
وتبذل عمان جهوداً لإحداث اختراق ما في ملفّ الخلافات الإيرانية – الأميركية الحادّة، والمنعكس بطبيعة الحال على المنطقة، وهي التي تملك علاقات مهمة مع الجانبين الإيراني والأميركي، ومطلوب منها عدم تكرار الخطأ السابق، عندما استضافت إرهاصات الاتفاق النووي الماضي وشاركت في بواكيره، بضرورة إطلاع الدول المجاورة واستصحاب هواجسها وتحفظاتها ورغباتها في تفاصيل أيّ خطوة تتخذها في هذا السياق، وإلا فإنها ستكون بمثابة جولة جديدة من مسلسل الحلقات المفرغة ودوامة أخرى تستمر في استنزاف المنطقة وتأجيل حقها في التنمية والهدوء والتقدم.
ورغم المرحلة القاسية التي تعصف بإيران، يرفض قياديوها الاعتراف بأساس المشكلة، ويطير دبلوماسيوها في كل مكان باعتبارهم الوجه المتحضر، وقفازات حرير المخالب المتحفزة، لتقديم سردية مزيفة تبعد عنهم شبهات المسؤولية وتلقي بأعبائها على الآخرين، في استمرار للتحايل على الواقع والقفز على الحقائق وحماية للمشروع من أيّ ضرورة للتنازل عنه أو خفض وتيرته.
وعبّر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن استعداد بلاده لـ”الحوار مع جاراتها”، مؤكدًا في تغريدة له باللغة العربية على تويتر، استعداد إيران لـ”المشاركة في أيّ عمل تكاملي يصبّ في مصلحة المنطقة”، على حد وصفه. وأضاف ظريف في تغريدته، أن طهران “ترحب بأيّ خطوة تعيد الأمل لشعوب المنطقة وتأتي لها بالاستقرار والازدهار”.
بعد يوم واحد فقط من هذه التصريحات المسرحية لما يُفترض أنه وجه النظام الوديع، هاجم أحد صقوره المتطرفين دولة الكويت، وصرح أمير علي حاجي زادة قائد القوات الجوفضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني بأن الأراضي الكويتية كانت جزءاً من عملية اغتيال سليماني، الأمر الذي استفز القيادة الكويتية وسجل استمراراً وإصراراً من طهران على افتعال الأزمات والاضطرابات على أرض هشة من الاختلاقات والفبركات.


الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت...