أبها – عمر البدوي
توفي والده قبل أن يتعرف عليه، وتولى تربيته أخوه، ست سنوات كان يحتاجها محمد الشهري ليقتنع بأنه لا يستطيع تجاوز الصف الأول، أو ينجح في دراسته ليتجه إلى رعي أغنام وأبقار أفراد قريته. إلا أنه «لما استحكمت حلقاتها فرجت»، إذ ذهب ابن الجنوب إلى تبوك (شمال السعودية) والتحق بالقطاع العسكري، وأكمل دراسته حتى بلغ الثانوية، وتعلم اللغتين الإنكليزية والفرنسية، ثم اتجه إلى الولايات المتحدة الأميركية، وعاد ضابطاً في القوات المسلحة. وأصبح بمقدوره الآن تحقيق حلمه، وزار أكثر بلدان أوروبا وآسيا وأفريقيا، ورأى الحضارات الإسلامية والعالمية وأعجب بها.
هذا نصف قصة نجاح الضابط المتقاعد محمد المقر الشهري، أما النصف الآخر فهي الفكرة التي نمت في مخيلته أثناء زياراته، وأصبحت واقعاً مذهلاً في قريته، ولكن للقصة بداية مختلفة وآسرة.
فلأنه فقد والده قبل أن يتعرف عليه سوى من سمعته الطيبة ووجاهته المعروفة لدى أهل قريته، ما زاد تعلقه به، عثر على رسالة مخطوطة بيد والده فيها دعاء، وكانت سبباً في تعزيز تلك الفكرة التي ترعرت إثر سفره وإعجابه بالتاريخ والحضارات، وبدأ في جمع كل ما يقع تحت يديه من مخطوطات منذ صغره، ولم يفكر في أكثر من جمعها فقط. وأصبح يسافر الآن من أجل مهمة جديدة، ولأخذ الأفكار ومشاهدة الحضارات، حتى أسس قرية المقر الحضارية التراثية.
قرية المقر التراثية في منطقة النماص تبعد 100 كيلومتر شمال أبها، في أقصى الجنوب السعودي، وقصر المقر، أو قصر مدينة النماص عبارة عن قرية تراثية تحوي آلاف المخطوطات والقطع التراثية التي تعود إلى مئات السنين، ويوجد في ساحة القصر من الخلف شقق واستراحات لخدمة الزوار القادمين من مناطق بعيدة تطل على تهامة وحديقة حيوانات واستراحة للزوار.
واستغرق تشييد القرية التراثية أكثر من 35 سنة، واستخدم في البناء أكثر من مليوني حجر طبيعي من جبال عسير، وكلف صاحبه نحو 80 مليون ريال. وفيه نحو 300 نافذة من الطراز الأندلسي، واستخدمت النوافذ كفلك شمسي لحركة الشمس داخل القصر. ولذا يسمى القصر الفلكي، إذ صمم القصر بطريقة تسمح للشمس بأن تدور حوله دورة كاملة على امتداد نوافذ القصر المتعددة.
ويوجد في القصر 20 واجهة وأكثر من 30 زاوية، ويوجد به أيضاً 360 عموداً بما يعادل عدد أيام السنة، وتوجد ثلاثة ملايين زخرفة إسلامية نباتية، وبذلك يعتبر أول سجل في التاريخ الإسلامي للزخارف الإسلامية النباتية، ويضم القصر مليوني حفر إسلامي أندلسي وأموي وعباسي.
والمبنى مكون من أربعة أدوار، الأول يمثل حضارة الدول الأموية والأندلسية والعباسية، والثاني يمثل حضارة العالم الإسلامي من الصين شرقاً حتّى غرب أفريقيا، ويوجد في الدورين الأول والثاني أكثر من 18 ألف قطعة تراثية. بينما يحوي الدور الثالث حضارة العالم الإسلامي في الغرب، وبه أكثر من 50 ألف مخطوطة.
ويعتبر القصر السجل الأول في التاريخ الإسلامي للمخطوطات المكتوبة باليد للقرآن الكريم، به أكثر من ألف مخطوطة قرآن كريم لألف عالم في ألف تاريخ مختلف، وهو أول قصر في التاريخ يستخدم أكثر من 300 مخطوطة لتجميل القصر. ويمثل القصر في شكله القصور الأندلسية، مع بعض التطوير من صاحبه، وأضاف لكل قارة قبة، بحيث توجد سبع قبب تمثل قارات العالم.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق