بعد فترة طويلة من ترك مسألة جمع الديات لعتق الرقاب في السعودية لتنظيم المجتمع عبر أدواته وتقنياته العرفية، تدخلت الأجهزة الحكومية أخيراً لوقف تفشي ظاهرة «سماسرة الدم» من خلال المغالاة في الصلح بقضايا القتل.
وحظرت وزارة الإعلام السعودية أخيراً، إجراء أية تغطيات صحافية أو نشر أي إعلانات لجمع تبرعات الدية أو أسماء المتبرعين أو أرقام الحسابات أو أي ما من شأنه التسبب في مغالاة الصلح للمطالبة بأكثر من الدية في قضايا القتل.وشددت على ضرورة تكثيف الجهود بالاستمرار نحو توعية المجتمع من الآثار السلبية تجاه ظاهرة المغالاة، وحث الكتاب والمختصين على بيان خطورة المبالغة في الصلح بالديات وأثر ذلك على المجتمع، وبيان فضل العفو وثوابه بالدنيا والآخرة، لما له من آثار إيجابية على تكامل المجتمع.
وكانت مسألة جمع الديات لعتق الرقاب بقيت متروكة لتنظيم المجتمع لفترة طويلة، قبل أن يدخل إليها الكثير من التجاوزات والمبالغات، وزاد الأمر حدة مع دخول مواقع التواصل الاجتماعي التي ألهبت من وتيرة المظاهر السلبية في كثير من الحالات، الأمر الذي استدعى تدخل الأجهزة الحكومية المعنية لوقف استفحال الظواهر وتطورها إلى ما لا يحمد عقباه .
ورغم منع القانون السعودي الترويج لحملات جمع تبرعات الدية في الإعلام وعبر الشبكات الاجتماعية، غير أن الإعلانات من هذا النوع تنتشر عبر «تويتر».
ونظراً لكون عملية جمع ديات عتق الرقاب كانت في إطار الاجتهادات الفردية والجماعية في جمع الأموال الطائلة أحياناً، تسربت إليها حالات متكررة من السرقة والمبالغات والاستغلال .
المستشار القانوني بندر فالح بن دايل قال لـ«الحياة»: «قرار وزارة الاعلام بمنع إجراء أي تغطيات صحافية أو نشر إعلانات لجمع تبرعات الدية، يؤكد حرص الدولة على استقرار النسيج الاجتماعي والحد في المغالاة في ديات القتل والمزايدات في حملات إعتاق الرقاب، والحث على العفو والصلح وإشاعة التسامح وحب فعل الخير وفق ما أمرت به الشريعة الإسلامية السمحة». وأضاف: «للجهة المختصة التي تستمد صلاحياتها من ولي الأمر الحق في التدخل للحد من المغالاة في الديات ما دام فيه مصلحة للناس ومنعاً للمشاق والضرر الذي يقع من بعضهم على البعض لكون ذلك خرج عن نهجه الصحيح ومساره السليم من حملات صلح وعفو إلى المتاجرة بالدماء».
وأشار إلى أن القاعدة الشرعية نصت على أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، «وبكل تأكيد فإن القرار سيسهم في خفض مبالغ الديات المليونية التي نراها ونسمع عنها، ويضيق فرص سماسرة الديات والمتاجرين بالدماء الذين يستغلون رغبة الجاني وأهله في السلامة من القصاص».
وعن الآثار القانونية المترتبة على مخالفة تعميم وزارة الإعلام القاضي بمنع إجراء أي تغطيات صحفية أو نشر إعلانات لجمع تبرعات الدية، أو أسماء المتبرعين، وأرقام الحسابات البنكية، أوضح أنه يترتب عليه مخالفة الصحيفة أو المجلة لنظام المطبوعات والنشر الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/32) وتاريخ 1421/9/3هـ، «وهو ما يؤدي إلى سحب الصحيفة لاحتوائها على محظور نظامي استناداً للمادة الـ 39 من النظام، كما أن ذلك يؤدي إيقاع الغرامة المالية لكل من يخالف أحكام النظام بمبلغ لا يزيد عن 500 ألف ريال، وتضاعف الغرامة إذا تكررت المخالفة، إضافة إلى إغلاق المؤسسة مدة معينة وفق ما تحدده لجنة النظر في مخالفات نظام المطبوعات والنشر».
وكانت أجهزة معنية في الدولة ثبت لها في بعض مناسبات جمع التبرعات العشوائية، استغلال بعض أهل الخير ممن يبادر للمساهمة، واقتسام حصص من المبالغ المدفوعة للوسطاء أو العاملين عليها، لتبلغ نسبة الاجتزاء أحياناً إلى نصف المبلغ وربما نصيب الأسد منه، فضلاً عن نشوء ظواهر للتعصب والقبلية التي تنتج عن المماحكات المباشرة وغير المباشرة، بما يخرج عن هدف التجمع ومقاصده .
وتكتفي إمارات المناطق في المملكة بفتح حساب مصرفي بتصريح من وزارة الداخلية لاستقبال أموال التبرعات، لكن طرفاً متطفلاً ما يعرف بـ«الوسيط» يقوم بحملة لدى رجال الأعمال الأثرياء والقبائل الأكثر نفوذاً سعياً منه لإقناعهم بالتبرع، وغالباً ما تسهم القبائل في حفلات خيرية لإقناع الشخصيات الأكثر نفوذاً بالتبرع.
وبمساعدة الوسيط تطلق حملة لجمع الأموال، لاسيما تلك التي تتجاوز حدود المعقول وفيها تستوطن المخالفات الشرعية والقانونية والأخلاقية.
وفي أيلول (سبتمبر) 2011، صدرت موافقة رسمية تقضي بتعديل مقادير الدية في السعودية، بعد تقديم طلب من قبل المحكمة العليا بضرورة مراجعة مقادير الدية الحالية والمحددة وفق الشريعة الإسلامية بقيمة 100 من الإبل تدفع لذوي القتيل، ونص الأمر بالموافقة على قرار المحكمة العليا بتعديل مقادير الدية، اذ بلغ تقدير دية العمد وشبه العمد بـ400 ألف ريال، والخطأ بـ300 ألف ريال، لكن نادراً ما تتقيّد كثير من العائلات والقبائل بالمبالغ المحددة.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق