تستقبل منطقة عسير كل صيف وفود السياح والمصطافين من كل مناطق المملكة ودول الخليج، ينعمون ببردها ومطرها وخضرتها، عسير التي تشرف من أعالي الجبال ويحفّ بها حزام أخضر مبتل بوابل المطر الذي لا يقوى على فراقها طويلاً حتى ينزل بساحاتها ووديانها وسفح قممها، فيحيلها جنّة غناء ودوحة خضراء.
يستثمر كثير من أهالي منطقة عسير والأسر المنتجة هناك، مواسم الصيف والسياحة لبيع منتجاتهم ومشغولاتهم واستثمار إقبال الناس إليها في هذا الموعد المتجدد من كل عام، تساعدهم أمانة المنطقة والبلديات التابعة لها في تحسين ظروف العمل التجاري والتسويق لجهودهم.في أي متنزه طبيعي أو ملتقى ترفيهي لا تغيب أكشاك وطوابير الأسر المنتجة عن تقديم أنواع مختلفة من المعروضات، ويهتم المصطافون باقتناء تذكارات مميزة أثناء رحلتهم، ولا سيما تلك التي تحمل طابع المكان وتراث أهله وثقافتهم.
مقتنيات مثل الأزياء الشعبية والتحف والأواني التراثية ما زالت حية في واقع الناس ولو على سبيل الزينة، وتجد لها بعض من يقوم عليها ويعيد تقديمها للزبائن الراغبين في اقتنائها.
كما أن كثيراً من أهالي المناطق المجاورة مثل جازان وقرى وبلدات تهامة، يشد رحاله إلى مرتفعات عسير ومتنزهاتها لعرض مبيعاته واستغلال كثافة السياح فيها، باعة شباب وفتيات وأطفال يعرضون على جوانب الطرق ومداخل المهرجانات وأركان الأسواق الشعبية، شيئاً مما تنتجه الأرض وتبذله لحارثيها وباذريها، فواكه موسمية وصيفية لا تنبت إلا في المناطق الباردة كعسير، يجد الزائر فرصة ثمينة ليتذوقها طازجة غضّة على بعد مسافة يسيرة من منبتها ومحل اقتطافها وجنيها.
تتحول عسير وكأنها بازار مفتوح لما تنتجه وتجود به الأرض، ومهرجاناً مفتوحاً وحياً لثقافات المنطقة وجاراتها الثرية بالتنوع والخلفيات، يظهر هذا على الأزياء واللهجات والمنتجات.
ينتشر بعض الأطفال بزيّ تراثي جذاب، وبلهجتهم الزاهية التي تجري على ألسنتهم مثل جريان الماء في تلك الشعاب البهيّة، يقدمون طوقاً من الورد والنرجس العاطر منظوماً في نسيج واحد من النباتات العطرية يأتي في مقدمتها الكادي والبرك والريحان والورد والبعيثران والوزاب والسكب وغيرها.
يقف الأطفال وطوق النباتات يزدان على رؤوسهم ويتوج لبسهم التقليدي، وبرحابة كبيرة يستقبلون زبائنهم الذين يشدهم أول الأمر مشهد الزيّ، ثم ينجذبون لانطلاق اللسان العذب المزهوّ بلهجته الجنوبية العبقة وهم يفصحون عن تفاصيل هذا المنتج وسعره ومحل استنباته .
ليست تلك الجبال الشمّاء التي تطل من أعلى فيفا وعسير وهروب، صلدة جامدة بلا حياة، بل تبذل أزكى وأعطر نباتاتها بعد أن يزورها ماء السماء، وقد اختار ابن تلك المناطق طوق النباتات العطرية زينة له، وضمها إلى بعضها في طوق يجلل هامات الرجال، وينسجم مع أردية زاهية تنبض بألوان الحياة، ليكتمل مشهد بديع يسر الناظر إليه ويشحذ الأنس والتفاؤل في نفسه.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق