شبّه القاص والمسرحي السعودي محمد بن ربيع الغامدي، فن القصّ أو القصة باليتيم وكافله أشدّ يتما منه، وعبر عن حاجة القصة إلى كافل يكون ناقداً متخصصا أوقاصا ألمعيا أو كليهما، مشيرا إلى أن الحراك القصصي ينشط في الداخل لكن ما إن يدخل منافسة كبرى حتى تتكسر رماحه على صخور تلك المنافسة.
الكثير من هموم القصة التي لم تحظى بالكثير من الوهج والشعبية التي أوتيتها الرواية والشعر، وسواها من شجون وشؤون الثقافة في تفاصيل هذا الحوار التي أجرته «الحياة» مع الغامدي .> قال الدكتور سعيد السريحي «نحن أبناء الريف الذين ضاقت بهم قراهم ولم تستوعبهم المدينة»، هل توافقه وأنت الذي نقبت طويلاً في القرية وذاكرتها وحكاياتها؟
> أنجبت الباحة الكثير من نجوم الوطن وأقلامه، واحد من أبنائها يعتلي كرسي مؤسسة ثقافية عالمية، لكن حظ الباحة من الأضواء بخس؟
- هذا صحيح، ولكن الباحة لم تُظْلم تماما، حظيت ببعض ما تستحق من الضوء لكنها تحتاج إلى ما يوازي عطاءاتها الثرّة، هذه مسؤولية ناديها وجمعيتها وإمارتها ومثقفيها وصحافتها، ولعل هؤلاء جميعا يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة طلبا للأجر والثواب.
> استعاد الشعر بعض وهجه، الرواية منتعشة، القصة وحدها بقيت مهضومة الجانب، بجمهور قليل وشعبية بسيطة، أين الخلل؟
- القصة مثل يتيم كافله أشد يتما منه، القصة تحتاج إلى كافل يكون ناقدا متخصصا أوقاصا ألمعيا أو كليهما، وهما موجودان لكن منع من ظهورهما التعفف وسطوة طامح المشيخة ممن ليست له معرفة الناقد المتخصص ولا ألمعية القاص المحترف، لذلك تجد حراكنا القصصي في الداخل ينشط بصورة مذهلة لا تشوبها شائبة فإذا دخل منافسة كبرى تكسرت رماحه على صخور تلك المنافسة.
> النص الدرامي السعودي ظهر في رمضان «مشلولاً» والكوميديا مزحومة بهستيريا «القفشات»، لماذا؟
- مادام التلفزيون هو المنصة الوحيدة لذلك النص فلا تتوقع أكثر مما رأيت لسببين: الأول، أنه متسع القاعدة ولابد أن يرضي تلك القاعدة الواسعة. والسبب الثاني، أنه لم يغادر سنوات التيه إلا منذ أيام وبدأ الآن يتلمس طريقه «أنا من جيل كان تلفزيونه يقدم له أقوال الصحف على مائدة الإفطار الرمضانية» لذلك نبارك له خطواته الراهنة وننتظر دخول منصّات أخرى مثل المسرح والسينما بشقيّها الطويل والقصير ثم لا تقلق بعدئذ، ستجد أن الدراما السعودية قد تفاءلت وشرعت في فرمتة ذاتها لترتفع إلى مستوى الواقع الجديد للوطن.
> المثقف متأخر جداً في مواكبة التحولات في السعودية، هل خسر أداة المنافسة، أم أقصي لضعف إيمان السياسي بدوره وحضوره؟
- لا هذا ولا ذاك، المثقف السعودي كان مساهما في تلك التحولات فكيف نتهمه بالتأخر في مواكبتها؟ لم يكن التحول إلا بفعل إرادة سياسية شابة تشّربت محصلة الجهد الثقافي السعودي الذي تسامى شعرا وسردا ولونا وأداء خلال عقود مضت، ثم وضعت تلك القيادة إطارا مناسبا لذلك الجهد فكان التحول، المثقف يا صديقي هو مثل المسنّ، المثقف مِسنّ وليس آلة قاطعة، المثقف يشحذ الهمم، والإرادة السياسة تتخذ القرار وترسم المسار، ولقد كان المثقف السعودي عند حسن الظن وجاءت الإرادة السياسية عند حسن الظن أيضا.
> المسرح السعودي يراوح مكانه في مرحلة العصامية والاجتهادات الشخصية، وهذه مشكلته، في رأيك؟
- هو باق كذلك يقدم رجلا ويؤخر أخرى في نفس المكان، ومن المؤلم أن التحديثات الراهنة لم تأخذه معها ولعلها التأخيرة التي شهدوا لها بالخير، أما أشرف عبدالباقي فأظنه يستهدف الترفيه المسرحي لا المسرح السعودي، المسرح السعودي المؤمل هو فوق ذلك بكثير وأنصح القائمين على المسرح السعودي حاليا بمراجعة علاقاتهم البينية أولا، ومن ثم تجاوز الأثَرة إلى الإيثار وتخطي المنافسات الفارغة إلى بناء مسرح واحد فعّال.
> أنت ضيف دائم على المنصات وفي الملتقيات الثقافية، وعادة تنتهي الملتقيات من دون أوراق بحثية ولا مخرجات تأصيلية للفنون الأدبية. يقول محمد العباس أن السبب هو غياب النقد وحضور مجموعة من الأدباء المعاد تدويرهم في كل الملتقيات ليقدموا شهادات مستهلكة عن منجزهم. ما رأيك؟
- تحظى الملتقيات غالبا بنصيبها من الأوراق البحثية وتختتم غالبا بعدد من التوصيات ثم ينفض السامر. حسنا أنا لا أزعم لنفسي علما يفوق علم القائمين عليها ولا أنت تزعم لنفسك ذلك لكن دعنا نستحلب ذكرياتنا عن تلك الملتقيات، معظمها كان يطرح قضايا واسعة وفضفاضة، بعضها كان يعلن عن محاوره من وراء حجاب، بعضها لا يضع آليات شجاعة في اختيار أبحاث المشاركين، بعضها يضع توصيات عاطفية، معظمها لا يتابع توصياته.
أعتقد أن تضييق مساحات القضايا يعطي تركيزا أفضل (قضية: الأدب في مناهج الصفوف الابتدائية الأولى «مثلا» أكثر تركيزا من قضية: التنشئة الأدبية في المدارس والجامعات). وأعتقد أن تصميم المحاور المناسبة فن صعب ودقيق وإشهاره لكل الناس مهم جدا (تابعت ثلاثة ملتقيات تدور محاورها حول التنشئة الأدبية ومع ذلك ما رأيت بين المحاضرين متخصصا واحدا في التربية أو المناهج) هذا قصور في تصميم المحاور وكان عليها أن تأخذ المطلب البيداغوجي بعين الاعتبار. أعتقد أن دقة اختيار البحث والشجاعة في ذلك أهم من الملتقى نفسه، وأعتقد أن التوصية لا بد أن تخرج من قلب ورقة العمل لا من قلوب المجتمعين، وأن تتابع في مظان تفعيلها، وقبل ذلك وبعده أن نتعامل مع الملتقى باعتباره مناسبة علمية دعت إليه حاجة ماسّة.
> النقد الأدبي لا دور له اليوم، بعض المثقفين ينتقص التجارب النقدية ويتعالى على أصحابها، وهذا زاد من تواضع قيمته في النفوس والواقع؟
- هذه هي طبيعة العلاقة التقليدية بينهما، إذا أحببنا تعديلها فلا مناص من ترويض الكاتب والناقد معا لنصل إلى حالة تتوسط بين إفراط الناقد وبين تفريط الكاتب، وإني لزعيم بأن المسألة في يد الناقد، في يده أن يتألف الكاتب لتصل رسالته النقدية، وفي يده أن يستعديه فنخسر أداة تقويم نحتاجها كثيرا. النقاد اليوم واحد من ثلاثة: ناقد متخصص حصيف، يستخدم مسطرة النقد ليقرأ النص، وناقد متخصص شرس يستخدم مسطرة النقد ليلسع بها أصابع الكاتب، وناقد متخصص ساهٍ لاهٍ كأنه مضيّع جمل خالته: يغني إن عثر عليه ويغني إن لم يعثر عليه.
الأول يعرف أن النص قد يسفر عن قاعدة محكمة لم يدرسها بعد ولذلك فهو ناقد بناء رضي الكاتب أم غضب، أما الثاني فهو يسر العدو ويضر الصديق، وأما الثالث فلا يضر ولا ينفع إلا بقدر. هذا في النقد المتخصص فقط، أما النقد الانطباعي فإن على صاحبه أن يكتب نصوصا يعرض فيها وجهة نظره النقدية عوضا عن النقد المباشر.
> هل اهتديت إلى سبيل يقودك لما جمعته من مخطوطات، وأي قيمة تحملها تلك لتعلن عن جائزة بـ٥٠ ألف لمن يجدها؟
- وجدت ملخصات مقتضبة لبعضها، هذا كل ما وجدته. أما قيمة ما ضاع فهي عالية جدا، قيمتها العلمية طبعا فهي عبارة مخطوطات في تاريخ الباحة وبعض معاهداتها القبلية وقوانينها الزراعية وحساباتها الفلكية المتعلقة بالزراعة، وفيها أيضا كتاب مطبوع طباعة قديمة أهداه لي على جنبي وكنا زميلين في ثانوية الصديق «كتاب دليل المجتاز الى جبال الحجاز» وعندما وضعت تلك الجائزة لم يكن معي أكثر من خمسة آلاف، ومع ذلك فلو دلني عليها أحد لاجتهدت في دفع المبلغ كاملا مهما كان.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق