التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الغامدي: التحول في السعودية تشرّب محصلة الجهد الثقافي خلال عقود


جدة - عمر البدوي 
شبّه القاص والمسرحي السعودي محمد بن ربيع الغامدي، فن القصّ أو القصة باليتيم وكافله أشدّ يتما منه، وعبر عن حاجة القصة إلى كافل يكون ناقداً متخصصا أوقاصا ألمعيا أو كليهما، مشيرا إلى أن الحراك القصصي ينشط في الداخل لكن ما إن يدخل منافسة كبرى حتى تتكسر رماحه على صخور تلك المنافسة.
الكثير من هموم القصة التي لم تحظى بالكثير من الوهج والشعبية التي أوتيتها الرواية والشعر، وسواها من شجون وشؤون الثقافة في تفاصيل هذا الحوار التي أجرته «الحياة» مع الغامدي .

> قال الدكتور سعيد السريحي «نحن أبناء الريف الذين ضاقت بهم قراهم ولم تستوعبهم المدينة»، هل توافقه وأنت الذي نقبت طويلاً في القرية وذاكرتها وحكاياتها؟
- هذه رؤية تتجاوز الجغرافيا الى سماوات التجربة والحس الإنساني. السريحي صاحب همة عالية وفيه ذكاء وحذق، له حساسية أديب وعمق مفكر، تحمّل مسؤوليات لم أحملها وواجه مالم أواجه، لذلك لا تنتظر مني موافقة أو رفضا ولكن مزيدا من القراءة والاحترام لمفكر سعودي حاذق. أنا مدرس جغرافيا عشت عمرا في الباحة وعمرا خارجها وأدركت أن القرى بيئات طاردة بينما المدن بيئات مزدحمة، لكني وبحكم دراستي للجغرافيا عثرت على واحات هنا وشواطئ هناك احتميت بهما من مناطحات القرى ومن مدافعات المدن، ساعدني في ذلك تواضع مسؤولياتي وندرة مواجهاتي.

> أنجبت الباحة الكثير من نجوم الوطن وأقلامه، واحد من أبنائها يعتلي كرسي مؤسسة ثقافية عالمية، لكن حظ الباحة من الأضواء بخس؟
- هذا صحيح، ولكن الباحة لم تُظْلم تماما، حظيت ببعض ما تستحق من الضوء لكنها تحتاج إلى ما يوازي عطاءاتها الثرّة، هذه مسؤولية ناديها وجمعيتها وإمارتها ومثقفيها وصحافتها، ولعل هؤلاء جميعا يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة طلبا للأجر والثواب.

> استعاد الشعر بعض وهجه، الرواية منتعشة، القصة وحدها بقيت مهضومة الجانب، بجمهور قليل وشعبية بسيطة، أين الخلل؟
- القصة مثل يتيم كافله أشد يتما منه، القصة تحتاج إلى كافل يكون ناقدا متخصصا أوقاصا ألمعيا أو كليهما، وهما موجودان لكن منع من ظهورهما التعفف وسطوة طامح المشيخة ممن ليست له معرفة الناقد المتخصص ولا ألمعية القاص المحترف، لذلك تجد حراكنا القصصي في الداخل ينشط بصورة مذهلة لا تشوبها شائبة فإذا دخل منافسة كبرى تكسرت رماحه على صخور تلك المنافسة.

> النص الدرامي السعودي ظهر في رمضان «مشلولاً» والكوميديا مزحومة بهستيريا «القفشات»، لماذا؟
- مادام التلفزيون هو المنصة الوحيدة لذلك النص فلا تتوقع أكثر مما رأيت لسببين: الأول، أنه متسع القاعدة ولابد أن يرضي تلك القاعدة الواسعة. والسبب الثاني، أنه لم يغادر سنوات التيه إلا منذ أيام وبدأ الآن يتلمس طريقه «أنا من جيل كان تلفزيونه يقدم له أقوال الصحف على مائدة الإفطار الرمضانية» لذلك نبارك له خطواته الراهنة وننتظر دخول منصّات أخرى مثل المسرح والسينما بشقيّها الطويل والقصير ثم لا تقلق بعدئذ، ستجد أن الدراما السعودية قد تفاءلت وشرعت في فرمتة ذاتها لترتفع إلى مستوى الواقع الجديد للوطن.

> المثقف متأخر جداً في مواكبة التحولات في السعودية، هل خسر أداة المنافسة، أم أقصي لضعف إيمان السياسي بدوره وحضوره؟
- لا هذا ولا ذاك، المثقف السعودي كان مساهما في تلك التحولات فكيف نتهمه بالتأخر في مواكبتها؟ لم يكن التحول إلا بفعل إرادة سياسية شابة تشّربت محصلة الجهد الثقافي السعودي الذي تسامى شعرا وسردا ولونا وأداء خلال عقود مضت، ثم وضعت تلك القيادة إطارا مناسبا لذلك الجهد فكان التحول، المثقف يا صديقي هو مثل المسنّ، المثقف مِسنّ وليس آلة قاطعة، المثقف يشحذ الهمم، والإرادة السياسة تتخذ القرار وترسم المسار، ولقد كان المثقف السعودي عند حسن الظن وجاءت الإرادة السياسية عند حسن الظن أيضا.

> المسرح السعودي يراوح مكانه في مرحلة العصامية والاجتهادات الشخصية، وهذه مشكلته، في رأيك؟
- هو باق كذلك يقدم رجلا ويؤخر أخرى في نفس المكان، ومن المؤلم أن التحديثات الراهنة لم تأخذه معها ولعلها التأخيرة التي شهدوا لها بالخير، أما أشرف عبدالباقي فأظنه يستهدف الترفيه المسرحي لا المسرح السعودي، المسرح السعودي المؤمل هو فوق ذلك بكثير وأنصح القائمين على المسرح السعودي حاليا بمراجعة علاقاتهم البينية أولا، ومن ثم تجاوز الأثَرة إلى الإيثار وتخطي المنافسات الفارغة إلى بناء مسرح واحد فعّال.

> أنت ضيف دائم على المنصات وفي الملتقيات الثقافية، وعادة تنتهي الملتقيات من دون أوراق بحثية ولا مخرجات تأصيلية للفنون الأدبية. يقول محمد العباس أن السبب هو غياب النقد وحضور مجموعة من الأدباء المعاد تدويرهم في كل الملتقيات ليقدموا شهادات مستهلكة عن منجزهم. ما رأيك؟
- تحظى الملتقيات غالبا بنصيبها من الأوراق البحثية وتختتم غالبا بعدد من التوصيات ثم ينفض السامر. حسنا أنا لا أزعم لنفسي علما يفوق علم القائمين عليها ولا أنت تزعم لنفسك ذلك لكن دعنا نستحلب ذكرياتنا عن تلك الملتقيات، معظمها كان يطرح قضايا واسعة وفضفاضة، بعضها كان يعلن عن محاوره من وراء حجاب، بعضها لا يضع آليات شجاعة في اختيار أبحاث المشاركين، بعضها يضع توصيات عاطفية، معظمها لا يتابع توصياته.

أعتقد أن تضييق مساحات القضايا يعطي تركيزا أفضل (قضية: الأدب في مناهج الصفوف الابتدائية الأولى «مثلا» أكثر تركيزا من قضية: التنشئة الأدبية في المدارس والجامعات). وأعتقد أن تصميم المحاور المناسبة فن صعب ودقيق وإشهاره لكل الناس مهم جدا (تابعت ثلاثة ملتقيات تدور محاورها حول التنشئة الأدبية ومع ذلك ما رأيت بين المحاضرين متخصصا واحدا في التربية أو المناهج) هذا قصور في تصميم المحاور وكان عليها أن تأخذ المطلب البيداغوجي بعين الاعتبار. أعتقد أن دقة اختيار البحث والشجاعة في ذلك أهم من الملتقى نفسه، وأعتقد أن التوصية لا بد أن تخرج من قلب ورقة العمل لا من قلوب المجتمعين، وأن تتابع في مظان تفعيلها، وقبل ذلك وبعده أن نتعامل مع الملتقى باعتباره مناسبة علمية دعت إليه حاجة ماسّة.

> النقد الأدبي لا دور له اليوم، بعض المثقفين ينتقص التجارب النقدية ويتعالى على أصحابها، وهذا زاد من تواضع قيمته في النفوس والواقع؟
- هذه هي طبيعة العلاقة التقليدية بينهما، إذا أحببنا تعديلها فلا مناص من ترويض الكاتب والناقد معا لنصل إلى حالة تتوسط بين إفراط الناقد وبين تفريط الكاتب، وإني لزعيم بأن المسألة في يد الناقد، في يده أن يتألف الكاتب لتصل رسالته النقدية، وفي يده أن يستعديه فنخسر أداة تقويم نحتاجها كثيرا. النقاد اليوم واحد من ثلاثة: ناقد متخصص حصيف، يستخدم مسطرة النقد ليقرأ النص، وناقد متخصص شرس يستخدم مسطرة النقد ليلسع بها أصابع الكاتب، وناقد متخصص ساهٍ لاهٍ كأنه مضيّع جمل خالته: يغني إن عثر عليه ويغني إن لم يعثر عليه.
الأول يعرف أن النص قد يسفر عن قاعدة محكمة لم يدرسها بعد ولذلك فهو ناقد بناء رضي الكاتب أم غضب، أما الثاني فهو يسر العدو ويضر الصديق، وأما الثالث فلا يضر ولا ينفع إلا بقدر. هذا في النقد المتخصص فقط، أما النقد الانطباعي فإن على صاحبه أن يكتب نصوصا يعرض فيها وجهة نظره النقدية عوضا عن النقد المباشر.

> هل اهتديت إلى سبيل يقودك لما جمعته من مخطوطات، وأي قيمة تحملها تلك لتعلن عن جائزة بـ٥٠ ألف لمن يجدها؟
- وجدت ملخصات مقتضبة لبعضها، هذا كل ما وجدته. أما قيمة ما ضاع فهي عالية جدا، قيمتها العلمية طبعا فهي عبارة مخطوطات في تاريخ الباحة وبعض معاهداتها القبلية وقوانينها الزراعية وحساباتها الفلكية المتعلقة بالزراعة، وفيها أيضا كتاب مطبوع طباعة قديمة أهداه لي على جنبي وكنا زميلين في ثانوية الصديق «كتاب دليل المجتاز الى جبال الحجاز» وعندما وضعت تلك الجائزة لم يكن معي أكثر من خمسة آلاف، ومع ذلك فلو دلني عليها أحد لاجتهدت في دفع المبلغ كاملا مهما كان.


الرابط :
http://www.alhayat.com/article/4588275



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت...