بعد إعلان فصل الشأن الثقافي عن وزارة الإعلام، بكيان خاص يراعي شؤونها ويحسن ظروفها، اشرأبت أعناق الأدباء والكتاب إلى أفق جديد يذيب كل التحديات التي عرقلت جهودهم وطموحاتهم وأجلت المشاريع المنتظرة على مقاعد التسويف. كما أعاد الجدل حول ثنائية الثقافة والمؤسسة، وما إذا كانت الثقافة أساساً في حاجة إلى كيان مؤسسي قد يبتلع الفعل الثقافي بتعقيداته الإدارية ويلتهمه غول البيروقراطية الذي ما وقع على شيء حتى أفسده وما نزع عن شيء حتى أسعده. لا يحتفظ المثقفون والأدباء بموقف إيجابي تجاه مؤسسة الإعلام يوم كانت وصية على الشأن الثقافي، إذا كانت من حيث لا تريد تحبط الكثير من خطواته ونقلاته، كان آخرها ما يصح تسميته بإدارة المؤسسة الثقافية في السعودية ظهرها لثقافة الكتاب والانتصار لثقافة «السوشل ميديا».
الكتاب الروائي إبراهيم مضواح الألمعي قال لـ«الحياة»: كان وما زال الكتاب مهددا بالانسحاب من حياة الناس منذ ظهور الراديو ثم التلفزيون ثم الكمبيوتر والإنترنت، ثم اكتملت أدوات التهديد والحصار اليوم عبر الهواتف الذكية، وهي مهددات حقيقية لا يمكن تجاهلها، ولكن الكتاب ما يزال صامداً ومتفاعلاً مع هذه المهددات إذ استطاع النفاذ عبرها، في بعض الأحايين، وعلى وزارة الثقافة أن تدعم صموده بالعديد من الأفكار التي تسهل طبعه ونشره وتداوله، فبالنظر إلى موقع الكتاب في حياة مواطني بلدان متقدمة علينا تقنيا بمراحل بعيدة يمكننا أن نراهن على أن التقنية لن تلغي الكتاب ولن تحيده من حياة الناس، ولكن هذا الرهان سيخسر إذا لم يتكئ على وعي شعبي ودعم رسمي لثقافة القراءة والتأليف والنشر».وأضاف الألمعي: «في ظل تعدد المؤسسات الثقافية التي يأتي على رأسها الوزارة الوليدة (وزارة الثقافة) فإننا نتطلع إلى أن يحظى ركنا الثقافة الأهم: (المؤلف والكتاب) بعناية خاصة، ويتحقق ذلك بوسائل عدة، يمكن اقتباس بعضها من تجارب ثقافية رائدة في بلدان عربية وغير عربية، بهدف إعادة الكتاب إلى موضعه الطبيعي في تكوين الوعي وتقويم السلوك، وذلك بتشجيع المؤلفين الجادين، وتقويم الأعمال الصادرة كل عام، وفحصها، والتنويه بالجيد منها، وإعادة طباعته، ومكافأة مؤلفيها، على أن يكون ذلك وفق آلية واضحة لا تسمح بالارتياب في تمييز أو تعاطف، أو انحياز.. ولمَ لا يكون لوزارة الثقافة قسم يهتم بالطباعة والنشر والتوزيع، ليكون نافذة مشرعة لتقديم الأعمال إليه وتحكيمها وفق مستوى فني وعلمي ملائم، ومن ثم طباعة وترويج الأعمال ذات القيمة؟ ولمَ لا يكون لدى وزارة الثقافة مشروع على غرار: (مهرجان القراءة للجميع، ومكتبة الأسرة) في مصر، حيثُ تُعاد طباعة ونشر الكتب القيِّمة، وبأسعار زهيدة، وتوزيعها بشكل جيد لتكون في متناول الجميع»؟
في حين يرى الشاعر والأكاديمي سامي غتار الثقفي في حديث لـ«الحياة» أن ثقافة نشر الكتاب الورقي «من أهم الأمور التي يجب الاعتناء، وتذليل الصعاب في سبيل انتشارها بشكل أكبر. وإن كان هذا العصر عصر التقنية «والسوشل ميديا» إلا أن الكتاب الورقي تبقى له نكهته الخاصة. والذي يبدو أن المؤسسات الثقافية الرسمية لم تهمل الكتاب، ولم تدر ظهرها له كما يشاع. فالمتتبع للأندية الأدبية - مثلاً - يجد أن كثيراً منها لايزال مهتماً بطباعة الكتاب الورقي، فنجدها تستقطب الأدباء والأديبات والتنسيق معهم لنشر إبداعهم، بل ويتعدى ذلك إلى نشر الرسائل العلمية المتميزة، وبل وتحفيزهم بمبالغ مالية مقابل التأليف والإبداع». ويضيف أن كثيراً من هذه الكتب المطبوعة «قد حصل على جوائز أدبية أو علمية أو شعرية. حتى إن بعض هذه الأندية الأدبية لتفاخر بأنها أكثر الأندية طباعة للكتاب، وذلك استشعارا منها لأهمية الكتاب، وإسهاما في دفع عجلة الثقافة والأدب. ويبدو أن المواءمة بين النشر الالكتروني والنشر الورقي مطلب مهم لمواكبة العصر، وللمحافظة على مكانة الكتاب الورقي».
أما الكاتب محمد العصيمي فيقول لـ«الحياة»: «إن المؤسسات الثقافية في العالم العربي كله وليس في المملكة فقط أدارت، بقدر أو آخر، ظهرها للكتاب ولكل القنوات الثقافية الحقيقية ووقعت، كغيرها من المؤسسات، في ورطة «السوشيال ميديا» التي، في الغالب، تُصغر وتتفه كل شيء بما في ذلك الفكر والثقافة والأدب والفن. كوننا مستوردين، حتى لوسائل التواصل الاجتماعي، لم نحسن توظيفها بما يليق بها فهي لا تعدو كونها وسائل إخبار وتسلية ونقاشات مختصرة سريعة لا تصل أبداً إلى عمق المشكلات ولا تقدمها أو تحللها بالشكل الكامل المنضبط والمؤثر، وبالتالي تفتقر إلى إنضاج الأفكار وتقديمها على سويتها الصحيحة كما هي حال الكتاب أياً كان غرضه أو موضوعه، وكما هي أيضاً حال المسرحية أو الفلم أو استوديوات المواهب التي طالما أنتجت أسماء أثرت كثيراً في السلوك المجتمعي والذوق العام»، مشيرا إلى أنه «على المؤسسات الثقافية، أن تتجنب إغراء وسائل التواصل الاجتماعي وشعبيتها، وتوظفها فقط لخدمة الإخبار أو الإعلان عن نشاطاتها أو الإجابة على بعض الأسئلة الطارئة من الجماهير؛ بينما تركز على الوسائل الثقافية الحقيقية وعلى رأسها الكتاب وتعطيها جل اعتبارها وإمكاناتها لكي يمكنها فعلاً أن تصنع الفرق على مستوى المجتمع والوطن كما كان يحدث في مراحل سابقة».
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق