ينكب الحاج عايش الدجاني على طاولته الصغيرة غير آبه بكل الضوضاء التي تحيط به في مهرجان عكاظ الأخير ، يشتغل على صياغة واحدة من القطع بين يديه، يتمهل في صناعتها باهتمام ودقة، لم يوهن التقدم في العمر بصره وهو يتتبع انحناءات المشغولات على صغر حجمها، ولم ينقطع عن المهنة التي أحبها وشغف بها رغم تطاول السنين وطوفان التغيير الذي لحق بكل الأشياء.
نفس الهدوء الذي كان عليه في أعرق وأقدم محل للفضة في جوهرة المنطقة الشرقية الدمام في سوق الحب، ولا زال الوهج يشع من جبينه عند كل مرة ينجز فيها واحداً من قطعه المميزة.فاز الصائغ المشهور عايش الدجاني من الأحساء بالمركز الأول في مجال الأعمال التقليدية التراثية ضمن فعاليات سوق عكاظ الذي نظم أخيراً في مدينة الطائف السعودية، وقد أبهر جمهور ورواد المهرجان بالصنعات والصاغات والنقوش الفضية الابداعية كنقشه وتصميمه لأصغر إطار للمصحف الشريف وصناعة أصغر خنجر فضي وأصغر ميزان من الفضة.
لكنه سعيد كذلك بتوريث هذه المهنة إلى واحد من أبنائه، لاسيما وأنه تلقى هذه المهمة والمهنة من والده يوم كان عمره عشر سنوات فقط، فيما هو يعيش اليوم عقده السابع من العمر ولا زال نفس الشغف والولع القديم يخالط شغاف قلبه ويملأ وقته ويستغرق طاقته التي أخذت في الوهن الآن ، وحان لولده أن يخلف من بعده.
بقي ابنه عقيل مرافقاً له طيلة أيام المهرجان، كان يقول له في كل مرة استعد منذ العام المقبل ستشغل مكاني هذا، وستنتقل من مجرد مساعد إلى صائغ رئيسي.
يقول عقيل لـ«الحياة» الوالد عايش محمد الدجاني من مواليد الأحساء عاش بين أجداده وأعمامه وكانت الصياغة هي مهنتهم الرئيسية وقد تعلمها على يد والده يوم كان عمره تسع سنوات، كان يعمل المعدات لوالده، حتى اتقن العمل، واصبحت الصياغة مهنته الاساسية، وتحولت حباً وشغفاً بالنسبة له، عمل بعض الاعمال للكثير من وجهاء المجتمع وعامة الناس ممن كان يحب منتوجاته لما تتميز بها من الدقة والجمال، وافتتح لأجل ذلك مصنعاً كبيراً للصياغة.
بقي على هذا الحال حتى كبر، وتقاعد عن الصياغة لفترة طويلة، ولكنه عاد للعمل حتى يعلم أبناءه عقيل وعبدالله وحيدر، وكان هدف عودته للعمل تعليم الابناء ولخدمة الوطن والاحساء وليس المادة، وإلى الآن يعلم الابناء، ويود لهذه الجمال أن يبقى نابضاً في قلوب أبنائه وواقع الناس، يشجعه في ذلك الاهتمام الذي بدأ على المستوى الرسمي وشغف الأجيال الجديدة بالماضي وتفاصيله التي فات عليهم معايشتها والاستمتاع بها.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق