نبه بعض المتخصصين من التزييف الذي أصاب بعض المباني الأثرية بفعل التحسينات والترميمات بالمواد التي لم تكن موجودة سابقاً، مما أفقدها قدراً كبيرا من أصالتها، والاتجاه نحو «تسليع التراث» ودور ذلك في فقدان الهوية الحقيقة للتراث العمراني والاتجاه نحو السياحة التراثية المزيفة.
في كل بقعة من السعودية يولد مشروع لترميم أماكن تراثية وقرى أثرية، غالباً تكون مهجورة بعد أن رحل عنها أهلها لتبدل ظروف المعيشة وتغير أنماط الحياة.يجري تجديد تلك القرى والأسواق الأثرية بجهود فردية وتطوعية، أو بتوجيه رسمي ترعاه وتتبناه هيئة السياحة والتراث الوطني في المملكة، كثير من تلك الأماكن الأثرية أصبح مزاراً سياحياً مهماً، يحتفظ بتاريخ المكان وطرائق أهله الأوائل في مكابدة الحياة وابتكار سبلهم وأنماطهم المخصوصة والمتعددة لمواجهة متطلبات المعيشة في الزمن القديم.
مؤخراً أقر وزير التجارة والاستثمار رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة الدكتور ماجد القصبي اللائحة التنفيذية لنظام كود البناء السعودي، التي تهدف إلى وضع الحد الأدنى من المتطلبات والاشتراطات التي تحقق السلامة والصحة العامة في المباني والمنشآت.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الحياة» فان اللائحة التنفيذية لكود البناء السعودي استثنت المباني التاريخية المصنفة من جهة الاختصاص من تطبيق اشتراطات الكود، في حال إذا لم تشكل خطراً يهدد الأرواح أو الممتلكات عدا اشتراطات الحماية من الحريق، ومع الاستثناء لم تشر إلى تفاصيل موسعة بخصوص حفظ هوية المكان عن المضافات غير الاصيلة فيه.
وأكدت اللائحة التنفيذية لكود البناء السعودي حظر تطبيق أي كود آخر يتعارض معه على جميع أعمال البناء والتشييد في القطاعين العام والخاص حسب تصنيف المباني، بما في ذلك تصميم البناء وتنفيذه وتشغيله وصيانته وتعديله، وعلى المباني القائمة في حالة ترميمها، أو تغيير استخدامها، أو توسعتها، أو تعديلها، أو إزالتها. ونصح عدد من الخبراء والمعلقين إلى ضرورة طرق الأفكار الجديدة في هذا المجال، وإظهار ما تزخر به تراث المملكة وتاريخها الاجتماعي والجغرافي من تنوع وثراء، والزهد في المبالغات التي تنطوي على حب المنافسة أكثر من جعل هذه المناطق تعبيراً حقيقياً لنمط الحياة القديمة ومقاربة موضوعية لظروف المعيشة وحجم فجوة التحولات التي طرأت لضمان تسجيل قياس لمسافة التغيير والتأثير التي أحدثتها معطيات الحاضر.
مشددين على أن المكسب من مثل هذه الفرص هو إذكاء الوعي، وتمويل الدراسات الميدانية في حقول الاجتماع والجغرافيا والانثروبولوجيا بشواهد حقيقية لا تغالي في إضافة ما لا ينتمي إلى التكوين الأصيل في العمران أو الإنسان.
وقال الباحث الجغرافي سعد عبدالله عمير لـ «الحياة» تعد السياحة ظاهرة جغرافية بامتياز ولهذا فإن جغرافية السياحة تهتم بالسائح وموارد السياحة بين العرض والطلب السياحي والاثار المترتبة عليها وتفاعل الانسان مع المكان.
ولعل السياحة التراثية نالها من التأثيرات الثقافية والاجتماعية ما نالها وخصوصاً أن التراث من أهم الموارد السياحة التي تستقطب العديد من السياح للحصول على الخبرة السياحية.
وحيث إن التراث العمراني من أكبر الشواهد على التحضر بأشكاله والذي يعد أهم موارد الأصالة السياحية للمكان والانسان، إلا أن الأصالة للتراث العمراني أصابها التزييف بفعل الممارسات من المستضيفين اذ قاموا بعمل ترميمات وتعديلات في المباني بقصد تسليع هذا التراث بما يناسب رغبة السياح من جهة وتوفير موارد مالية تعود بالنفع لمالكي المكان من جهة ثانية. يذكر أن هذا السلوك بالتزييف انما هو نتيجة تشارك بين المضيف والمستضيف اذ ان الكثير من السياح يعلمون أن أصالة المكان ليست كما كان عليه في السابق ويرحب بعملية التغيير لتوفير الجهد والاستمتاع بالمكان في اجواء آمنة ويعلم أنه من المستحيل أن تبقى مقنيات المكان دون تغيير أو إضافة أو استبعاد.
كما يعلم كثير من السواح أن ما تملكه الساحات الخلفية التي يعيش فيها السكان الأصليون أكثر أصالة قد يتعذر وصولهم إليها إما لعدم الترحيب بهم أو أنها تمثل خصوصية لا يمكن الوصول إليها لذا تجد السياح يقبلون بما يتم عرضه في الساحات الأمامية كالمعارض والمتاحف والقرى التراثية والتي تعبر بشكل ضمني عن الساحات الخلفية وبذلك يتم تسليع هذا التراث العمراني والخبرة السياحة بتزييفها والحصول على خبرة سياحية تفقد جزءاً كبيرا من أصالتها.
وبذلك فإن هذه العلاقة الاجتماعية والثقافية بين السائح والمستضيف تعاني من أسلوب المواجهة والتي قد لا تعني الكثير من السياح.
ويقتصر ذلك على المستفيدين والمهتمين بالتثاقف لذلك تجدهم يعملون بكل جد من أجل إظهار الثقافة المحلية كما يجب ولو كان على حساب الأصالة واللجوء للتزييف المتفق عليه بتسليع الموارد السياحية التراثية والعمرانية على وجه الخصوص بغض النظر عما يتركه من أثر سلبي بيئي أو اجتماعي او ثقافي.
ويضيف: ليس الأمر بهذا السوء وخصوصًا في السعودية لتقارب الثقافات والخلفية الثقافية لسكانها، والأمر لا يعدو كونه جدالا من زاوية فيها الملاحظة واستطلاع الرأي هو الفيصل لكل من يخالف هذا الرأي والحكم ليس على إطلاقه.
فالعلاقة والتثاقف والمواجهة والتسليع والأصالة عبارة عن علاقات معقدة يقودها توجه بشري يأثر فيها الاعلام وتبادل الخبرات وسرد الذكريات والتجارب الفردية والجماعية.
ومع هذا وذاك فإن المردود الاقتصادي لمثل هذا المورد وخصوصا مع تزايد الطلب يجعل من أثر العلاقة الثقافية والاجتماعية السلبي أمرًا يمكن تجاوزه والتعود عليه مع مرور الزمن لما له من دور في انعاش اقتصاد المكان والدولة بشكل عام.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق